كتب واصدارات

الدجل الديني: الاستخارة

ahmad alkinaniالخيرة والاستخارة معناها طلب الخيرة بحسب اللفظ العربي لصيغة " استفعل" واستخار الله سأله ان يوفقه في اختيار ما فيه مصلحته .

وتوجد طرق مختلفة لاخذ الخيرة بالسبحة او بالقرآن، لكن الشائع منها ان تأخذ المسبحة ذات المئة وواحد حبّة باليد وتسمّي الله ثم تصلّي على النبي وتأخذ قبضة منها فتسحب حبّتين، حبّتين، فإن بقيت حبّتان فغير صالحة، وإن بقيت حبّة واحدة فهي صالحة .

اما في القرآن فالطريقة السهلة المتبعة وهي ان يسمى باسم الله ثم يفتح القرآن لا على التعيين ثم يقرأ اول بداية اية على الجهة اليمنى فان كانت تبشر بالجنة وبالخير بشكل عام فهي جيدة، وان تتحدث عن جهنم واصحاب السعير فهي غير جيدة، وتختلف الجيدة من غير الجيدة بحسب تفسير المستخدم للايات غير واضحة الدلالة .

ويمكن مراجعة كتاب مفاتيح الجنان لمؤلفه عباس القمي احد اعلام الدولة الصفوية اذ يجد القارئ الكريم تفاصيل وافية عن الاستخارة وطرقها ...

ولم يغفل اصحاب الخيرة خدمات الانترنيت وكيفية الاستفادة من الويبسايت لتسهيل مرور المستخدمين وعرض طرق ووسائل استخدام الخيرة، او طرح نتائج الخيرة بالقران اذا ما استوقفتهم اية لم يعرفوا كيفية تفسيرها، واشهر المواقع لخدمات الخيرة هو موقع الاخباريين وموقع الشيخ محسن ال عصفور:

http://ekhbarion.com

www.al-asfoor.com

وتعتبر الخيرة هي الاخرى احدى وسائل الدجل الديني الذي يمارسه بعض المتمرسين لغرض جمع عدد اكبرمن الناس ومن خلالهم يرسموا لانفسهم صورة مكبرة محاطة بهالة من القداسة وبالتالي بسط النفوذ الديني وهو بطبيعة الحال مقدمة للجذب المادي .

وقد يتراءى للناظر الى قضية الاستخارة من بعيد كيفية جمع الاموال على عمل لا يأخذ بأزاءه اي مقابل، فالذي يستخير للناس يقوم بعمل مجاني فكيف نصفه بالدجل؟

لكن في هذه النقطة بالذات يكمن الدجل .

العملية تبتدء عند رجال الدين بالجلوس في مصلاهم وبعد اتمام الصلاة تجتمع الناس لاخذ الخيرة، ثم تتطور فتأخذ ابعادا اكبر حيث تنهال عليهم المكالمات التليفونية من كل مكان لعرض خدمة الخيرة، ومن خلال المكالمات ومصدرها يرصد المتصل وتبدا العلاقة فان كان من اصحاب رؤوس الاموال عرض عليه المشاريع الخيرية ومساعدة الفقراء والبؤساء فيرسل اليه رقم الحساب البنكي وينهمر البذل، ويذهب ريع هذا البذل كله للفقراء والبؤساء !!!.

وهذه العملية بحاجة الى درجة كبيرة من الحذق والذكاء يتقدمها التظاهر بالقدسية المفرطة ثم القدرة على فهم شخصية المقابل حتى يتسنى للمستخدم اعطاء تفاصيل اكثر عن حالة الشخص من خلال الاية المنتقاة للخيرة، فأن كان شابا تختلف حالته لو كان كهلا، والمرأة تختلف عن الرجل، بالاضافة الى معرفة الجو العام السائد والمشاكل التي يعاني منها الناس،وهذا لا يتسنى لكل احد، والقصص في هذا المجال كثيرة جدا سيقف عليها القاري الكريم خلال هذه السلسلة من مقالات الدجل الديني :

في اوخر ثمانينات القرن الماضي برز بطل من ابطال الخيرة تقلد منصبا دينيا رفيعا وانتخب احد خمسة مراجع تقليد يحق للناس الرجوع اليهم في الفتيا والاحكام، لا لفقاهته ولا لعلمه او ادارته لشؤون الناس اذ لا يملك شيئا من ذلك وانما هوالاعلم بأمور الخيرة ...هكذا اشيع صيته حتى بلغ الافاق، فقررت ان اره عن قرب بمعية احد الاصدقاء الذي صار يسبح بأسمه ليل نهار ويعده فلتة الزمان بالتقوى والصلاح، وما ان دخلنا المسجد لرؤية الشيخ واللقاء به حتى اذن للصلاة وكان المسجد يغص بالمصلين، فكبر الشيخ للصلاة وبدا البكاء والنحيب فكان يقرأ أيات من القرأن ثم تأخذه نوبة من البكاء والعويل وهكذا الحال في الركوع والسجود، ركوع طويل مصحوب بالويلات والاهات وسجود اطول تنتابه فترات من السكون وحبس الانفاس، فكانت اطول صلاة صليتها في حياتي شعرت حينها بالضجر والملل وندمت اشد الندم، لكنها تجربة استكشافية عليَ ان اكمل فصولها .

وما ان انتهت الصلاة حتى ادار الشيخ وجهه للمصلين وكانوا قد شكلوا حلقات نصف دائرية وبطريقة منظمة جدا، فبتدأ الشيخ بالاشارة الى اول المصطفين وبين يديه القران يفتحه لاعلى التعيين ثم يومئ بيده بأشارة معينة يفهمها المتلقي، ثم ينتقل بالاشارة الى الثاني ويفتح القران ثم يومئ بطريقة مختلفة مفهومة له ايضا، وهكذا تستمر العملية الى الثالث والرابع ...لكنها لا تأتي على كل المحلقين اذ يعدون بالمئات، فالمحضوض من حجز مكانا له في الصف الاول لتشمله الايماءات والاشارات بعد ختام الصلاة، والا عليه ان يأتي في الغد مبكرا .

والملاحظ ان الشيخ يكتفي بالايماء بأشارات اصبحت مفهومة للحاضرين ولا يتكلم مطلقا لانها مهمَة اشبه بالمستحيلة ان اراد افهام الحاضرين عما ستوؤل اليه الخيرة وما هو تفسير الايه المختارة، لكن قد يقع هناك التباس في الاشارة، فقد يشير الشيخ باشارة دالة على جودة الخيرة لكن المتلقي يفهمها بالخطأ وهنا المشكلة الكبرى، فاشارات اليد وقسمات الوجه هما اللذان يحددان نتيجة الخيرة، فأن اشار بيده الى الامام مع علامة الرضا فهي جيدة، وان اشار الى الخلف مع علامة عدم الرضا فهي غير جيدة، ولو اشار الى اليسار فهي متوسطة الا انها مقبولة، اواشار الى اليمين فهي متوسطة ايضا لكنها تميل الى انها غير مقبولة .. الذي حدث ان احدهم لم يتلق الاشارة الصحيحة فلم تكن واضحة له، فسألني: هل رأيت الشيخ عندما اشار الى نتيجة استخارتي؟

اجبته نعم نعم، ففرح كثيرا لاني وفرت عليه الكثير من الوقت، فقال كيف رأيته يشير؟

فأشارت بسبابتي الوسطى الى الاعلى وقلت :هكذا رأيت .

فحدق الرجل في وجهي ولم ينطق بشفه .

 

والسؤال : ما الذي يجعل مئات المصلين يوميا على موعد مع هذا الشيخ لاخذ الخيرة؟

لعله الالتزام بتعاليم الدين والاحكام الأمرة بالاستخارة قبل الاقدام على فعل ما، وهي ثقافة روج لها من قبل المتاجرين بالدين جعلوا الاقدام على فعل ما من دون الخيرة اساءة للظن بالله، ورووا من على المنابر احاديث بهذا المضمون ، لكن حصل هناك تفريط في امر الخيرة حتى وصل الحال ببعض الملتزمين دينيا ان يحمل المسبحة في جيبه فأن اقدم على اي فعل مهما كان عاديا اخرج مسبحته وبدا يعد حباتها فأن فضلت واحدة اتكل على الله وذهب وان بقيت معه حبتان اقفل راجعا .

ويشتد امر الخيرة في الزواج على الخصوص ليصبح من المسلمات الشرعية على ولي امر المرأة وهو الاب في الاغلب ان يستخير الله ان اقدم شابا لخطبة ابنته ممن يرضى خلقه ودينه وان لم يفعل فمصير هذه الزيجة الى الطلاق لا محالة، فيذهب هذا الاب المكبل الارادة المسلوب الحق حتى في رسم حياة سعيدة الى فلذة كبده ويلتجي الى الشيخ اعلى الله مقامه لينهي هذه العلاقة بجرت سبحة او فتحة قرآن .

حكى لي احدهم انه اراد الزواج واثناء الخطبة طلب منها ان تستخير الله قبل ان تتخذ القرار بالقبول او الرفض، وكان رد الفعل انها اعلنت موافقتها فورا من دون الرجوع الى الخيرة ...وهنا تسأل الرجل ما الذي يدعوها الى الاستعجال في مثل هذه الحالات رغم ان الخيرة تعطيها الوقت الكافي للرد وبأدب في حال الرفض تمسكا بالخيرة ...وظهر فيما بعد ان الخيرة كانت سببا لانهاء علاقة بين اختها مع من تحب بعد اصرار الشيخ المقرَب من الوالد على الخيرة .

والاهم في موضوع الخيرة انها كيف اصبحت ثقافة راسخة روج لها الحمقى من الخطباء وجعلوها من المسلمات رغم هشاشة الادلة عليها ...هذا ما سأجيب عليه في الحلقة القادمة .

وقبل ان انهي الكلام علي ان اسجل شكري العميق على ردود الافعال من قبل القراء الكرام على ما عرضته في الدجل الديني سواء كانت أراء موافقة او مخالفة . للتعليق اوابداء الرأي او اضافة شي غفلته.

في المثقف اليوم