كتب واصدارات

المُخَّلِص ومجاميع أخرى للشاعرة خلود المطلبي

saleh altaeiقديمة هي الصداقة التي تربطني بالشاعرة العراقية المغتربة الأخت السيدة خلود المطلبي. ولأنها من أصل باسق، من طينة عراقنا الطيبة، من محتد العراقيين الأصلاء النبلاء، من أديم أرضنا الطيبة المعطاء، فقد عاهدت نفسها على أن ترسل لي كل مجموعة شعرية تصدرها بالرغم من بعد المسافة الفاصلة بيننا، عربون إخوة نبيل، احترمه وأقدره.

وفق هذا النمط الشفاف غير التقليدي، وصلتني منها قبل مدة ثلاث مجاميع شعرية، أصدرتها على التوالي، وبقيت تنتظر فرصة إرسالها من بريطانيا بلد الضباب إلى العراق بلد المآسي والخراب.

كان الفرح الغامر قد تلبسني حينما اقتربت من صندوق بريدي فشممت منه ضوع إخوة ونبل، فأيقنت أن هناك في أحشائه هدية من نبيل، تنتظرني أفتح الباب لتسقط بين يدي عصفور أمل، ورغيف خبز مودة، وزهرة ربيعه نابضة بالحياة. ولما فتحت الصندوق، وجدتها ثلاثة طرود وبضعة رسائل.

 لم أضع الطرود وباقي الرسائل في حقيبتي كما جرت العادة، ولاسيما وأني في كل زيارة للبريد، أتعجل الخروج نظرا لكآبة الدائرة وبرودة وجوه الموظفين فيها، هذه المرة الوحيدة؛ التي جلست في أحد أركان القاعة، أفتح الطرود، وأتأمل محتوياتها بدهشة، لأجد ثلاث مجاميع شعرية خطت بيراع السيدة خلود المطلبي، هي على التوالي: "المخلص" و"أحدق فيك وأنت تصدأ" و"غياب حضورك"، وبدأت أتفحصها باهتمام بالغ وكأني أتلمس وجه طفل حديث الولادة، كانت عناوينها موحية معبرة، إخراج جميل، لوحات رائعة تزين الأغلفة، طباعة نظيفة هادئة، نمط خط مريح للعين، أما المحتوى فكان متناسقا بشكل غريب مع عنوان كل منها، إذ اختارت السيدة خلود عناوين المجاميع برشاقة ورهافة حس شاعر ليتناسب كل عنوان مع مضامين قصائد المجموعة التي اختير ليمسك لها زمامها، ويقودها في رحلتها الطويلة.!

وحينما عدت إلى البيت بدأت أتفحص قصائد المجاميع الثلاث، أقرأ من كل منها عدة أبيات؛ وكأني خبيرا يتذوق أطباق الأطعمة المعروضة عليه ليختار الأطيب منها، فوجدتها كلها بنفس العذوبة ونفس الإيقاع الساحر الذي أعهده بنتاج السيدة خلود، بعد أن أصبحت خبيرا بنتاجها لكثرة ما قرأت لها، لكن دهشتي كانت لا توصف حينما وجدتها قد نظمت قصيدة بعنوان "مصباحك" وكتبت تحت العنوان: "إلى الباحث صالح الطائي" أما باقي قصائد المجموعة فكانت قد أهدتها إلى شقيقها الروائي عبد الرزاق المطلبي، ووالديها، وأمها، وشقيقها عبد الوهاب المطلبي، وخالها الدكتور مالك المطلبي، وابن خالتها القاص غالب المطلبي، وإلى أطفالها، وإلي، ثم إلى سيد المقاومة السيد حسن نصر الله.

هذا الاختيار الحميمي الرائع النبيل، يعني أنها تعتبر الاسمين الأخيرين (السيد حسن نصر الله وأنا) من ضمن عائلتها التي تحبها وتحترمها، وهذا شيء لا يمكن أن يناله الإنسان بمال الدنيا وكنوزها؛ أن يجد أختا لم تلدها أمه، تحشره مع أمها وأبيها وإخوتها وأولادها وأهلها ليكون واحدا من المقربين إلى روحها الطاهرة.

من بين المجاميع الثلاثة، استوقفتني مجموعة (المُخَّلص) (THE WAIT) بعنوانها ورشاقتها، ولاسيما وأنها طبعت باللغتين العربية والانكليزية في كتاب واحد. فالمخلص يبدو عنوانا مثيرا؛ لأن الثقافات تجتمع فيه وتجتمع له، فما من ثقافة قديمة أو حديثة إلا وتجد فيها ثيمة أسمها (المخلص) بما فيها تلك الشعوب البوهيمية مثل الغجر؛ الذين ينتظرون مخلصهم؛ الذي سيظهر في آخر الزمان، فينزلهم من على قمم الجبال، ويجمعهم من الشتات، ويجعلهم أسياد العالم.!

إن ثمة روحا ثورية فيها الكثير من العنف والتطرف، تغفو في قصدية الأحداث، هي التي يرى بعض المنتظرين من خلالها (المنقذ) الذي ينتظرونه، سيجعلهم أسيادا للكون، ويجعل الآخرين عبيدا وخولا لهم، إلا المنتظر بروح شاعر فهو ينتظر مخلصا مغموسا بالطيبة، يجلب معه السعادة للجميع دون استثناء، فبأي منطقة من هاتين المنطقتين كانت السيدة خلود قد وقفت؟ هذا السؤال هو الذي شدني إلى هذه المجموعة.

وبعد قراءتي المتأنية جدا لهذه المجموعة بالذات، وجدت الشاعرة المطلبي تؤكد من خلال قصائدها الرائعة على إنسانية المخلص الذي تؤمن به، على فرادة فكره الإنساني النبيل؛ الذي سيأتي به لإنقاذ البشرية من محنتها ومن نفسها، ولاسيما وأنها وظفت مقاطع من الأدعية والزيارات المشهورة، وأدخلتها إلى النصوص، فذابت في محتواها، لتُكوِّن وتشكل منهج تصوف من نوع جديد فيه الكثير من النقاء الروحي، لا يؤمن بالشطحات كما هم المتصوفون بقدر إيمانه بموهبة العطاء غير المحدود؛ الذي يأتي به المخلص العالمي من أجل مستقبل أفضل للإنسانية بكل أجناسها.

فأيقنت أن الشاعرة خلود المطلبي اختارت المنطقة الصحيحة، فوقفت فيها تشدو لمخلصها نشيد الإنسانية العذب، وترجمت هذه المناجاة قصائد جمعتها في هذه المجموعة الرائعة، وقد أجادت وأحسنت وأفادت.

إن تجربة السيدة خلود المطلبي الشعرية تحتاج إلى عناية المختصين والنقاد لكي يتعرف هواة الشعر عن قرب على هذه الموهبة الفريدة وهذا العطاء الثر.

في المثقف اليوم