كتب واصدارات

قراءة في كتاب صراع الدولة والجماعات في العراق

nabil alrobaeiفي مرحلة متقدمة من استفحال أزمة صراع الدولة مع الجماعات الطائفية والعرقية في العراق، مما أدى إلى خسارة الدولة جزء من هيبتها ووسائل الضبط والسيطرة على الواقع الأمني للمواطن، والفصل في المسائل الحقوقية وتحولها أداة بيد من انتزعوا منها ذلك الامتياز، والعودة بها إلى ما قبل الدولتية، فطغيان سلطة المؤسسة الدينية الطائفية أو القبلية أو الجماعات المسلحة مما يؤدي إلى تفكيك مؤسسات الدولة وإسقاطها بشكل تام، والعمل باستقلال كامل أو شبه كامل عن مؤسسات الدولة بأعراف وقوانين مختلفة.

صدر للكاتب سعد محمد رحيم كتابه الموسوم (صراع الدولة والجماعات في العراق) عن دار سطور للنشر والتوزيع، الكتاب يحتوي على (220) صفحة من القطع الصغير، ذات طباعة جيدة وخالية من الأخطاء اللغوية والطباعية . احتوى الكتاب على قراءة جيدة لواقع الدولة وصراعها مع الجماعات العرقية والطائفية ودور لغة الخطاب السياسي والديني في العراق،وموضوعة الديمقراطية التي لا تتكرس في الوعي الجمعي والسلوك العام إلا بتفعيل مبدأ التسامح، وأسباب الفشل في إدارة الدولة لمواردها، فضلاً عن دور المثقف والسلطة في واقع حياة المواطن العراقي، والأسباب الحقيقية لاغتراب المثقفين، وتحليلات الاقتصاد السياسي للعنف، وخاتمة الكتاب حوار على موقع الحوار المتمدن مع الكاتب سعد محمد رحيم.

764-statأكد الكاتب سعد محمد رحيم في ص16 على دور "الخطاب الاجتماعي والخطاب التعليمي والخطاب الديني/ الطائفي بلونها الناري الصارخ، وهو لون مصنوع أكثر مما هو طبيعي"، ومن الممكن التأكيد على دور الخطاب والإعلام للقادة السياسيين في الوضع الاجتماعي والسياسي العام للبلد، فقد تبنى أغلب القادة السياسيين الخطاب العرقي والطائفي في دغدغة عواطف أبناء المجتمع العراقي، ولغة السياسي اليوم أصبحت هي المهيمنة على جزء واسع من وعي أبناء المجتمع، كما أن الخطاب الديني الطائفي لهُ تأثير خطير على أبناء الرافدين من خلال استخدام المصطلحات الخاصة بالطقوس الدينية والتراث القديم، مما أدت إلى انعدام الفرصة للحوار وفق الجانب الديمقراطي في النقاش، وتحصن عقول السياسيين والطائفيين والعرقيين بالتحليل والنقد وإقصاء الآخر.

كما أكد الكاتب في ص29 حول مصادر الثروة السائب وقد " أرسى دعائم مؤسسات المجتمع الأهلي الدينية/ الطائفية والعشائرية على حساب مؤسسات المجتمع المدني، فيما أضحت الأخيرة نفسها أحياناً ساحة لاغتناء فئات متسلقة انتهازية طارئة عليها، وجدت فرصتها في استثمار هذا المجال المقبول والمشروع لمصالحها الأنانية الخاصة" لذلك أصبح المشروع المدني الديمقراطي هو الضحية بسبب صراع المؤسسات الطائفية والعشائرية فضلاً عن الفساد ونهب المال العام واستنزاف الموارد في غير مجالاتها وقنواتها، مما حذا بالاقتصاد العراقي إلى الانهيار وتولي الأمراض والعاهات وتدهور الواقع المعيشي العراقي.

وهنا يعتب الكاتب على دور المثقفين التنويريين في العراق إذ أكد من خلال قوله في ص49هم " لا يشغلون سوى مساحة ضيقة وهامشية من الحقل الثقافي الذي يدور فيه الصراع حول المعنى، وغالباً ما تعلو أصوات المثقفين بالشكوى من حالة تهميشهم"، لكن المثقف العراقي أصبح مغترب وانعزالي بعد عام 2003م بسبب سياسات الحكومات ما قبل 2003م، وقد أخفق المثقف في إيجاد خطاب ثقافي مؤثر في المجتمع العراقي فضلاً عن دوره الكبير ومسؤوليته الوطنية والأخلاقية " لكن أقول للمثقف الدور في إنشاء الخطاب الثقافي التنويري ومأسسة فعالياتهم الثقافية من خلال فضاء التواصل والتحاور مع فئات المجتمع ونبذ ثقافة العنف بجميع أشكاله.

من خلال مطالعتي للكتاب أجد الكاتب متفهماً لواقع صراع الدولة والجماعات وما أصاب مؤسسات الدولة العراقية بعد انهيار النظام من محاولات تصفية البنية التحتية للثقافة في البلد، ولكنه يتساءل في ص71"أليس الخراب الحاصل اليوم يعود في أحد أسبابة الرئيسة إلى هذا النزيف الثقافي المريع الذي أفرغ وما زال يفرغ البلد من نخبه وعقوله وإمكانياته الإبداعية تاركاً المجال لأدعياء ومحبي السلطة من أشباه المثقفين والموتورين والمتعصبين ضيقي الأفق من أصحاب الفكر العشائري والطائفي والشوفيني وشذاذ الآفاق ليعبثوا بمستقبل البلاد ويدفعوها باتجاه الهاوية؟" مع العلم المثقف في الوقت الحالي يحلم في دولة المؤسسات والمجتمع المدني والعلمانية والتعددية والحرية بمعناها الكوني، لكن المثقف العراقي أصبحت جسوره تنهار مع أبناء المجتمع بسبب جلوسه في مملكته العاجية، وانشغال ـبناء المجتمع بدعاة الأصولية والهويات الضيقة والطقوس الدينية .

في الوقت الحالي أصبحت المؤسسات الراعية للطائفية والأثنية والعرقية تضفي هاله من القداسة والرهبنة على الجانب الديني مما أدى إلى الصراع بين مذاهب الدين الواحد لغرض الاستحواذ، وفي ص108 أكد الكاتب "لا نأتي بجديد حين نقول أن مثل هذه المجتمعات المنقسمة على نفسها تكون أكثر عرضة للصراعات المسلحة ويكون السلم الأهلي فيها مهدداً على الدوام، إذ تنمو العصبيات والمغالبة في الحصول على الامتيازات مع الميل لممارسة العنف" وسبب هذا العنف جيوب اللصوصية والفساد من جهة وبروز جيوب سرطانية في جسد الاقتصاد الريعي من جهة أخرى فضلاً عن التبذير للموارد بلا شعور وطني، فأولئك الذين يغرفون من مصادر الثروة السائبة يديمون التناحرات الطبقية والعرقية والطائفية واللجوء إلى العنف والإرهاب والكراهية وخاصة في مجتمع ذات اقتصاد ريعي.

أخيراً الكتاب في هذا الظرف مهم جداً للقارئ والمثقف العراقي كونه يدرس مقاربات ورؤى نقدية حول أربعة محاور هي (العنف، السياسة، الثقافة، الهوية) .

 

نبيل عبد الأمير الربيعي

 

في المثقف اليوم