كتب واصدارات

لا يمكن بقاء العراق موحدا في المستقبل القريب الا بنظام فدرالي

صدر قبل أشهر كتابا جديدا للمؤرخ الالماني واستاذ العلوم السياسية (Michael Wolffsohn) يتناول موضوع السلم العالمي والمخاطر المحدقة به، وقد توقع المؤلف إنهيار دولا كبرى، مثل الصين، وعدم إمكانية بقاء دولا عديدة في العالم موحدة بسبب طبيعة (نظام الدولة الوطنية غير الفدرالية) التي تقوم عليه أنظمة هذه الدول. ولقد تحدث المؤلف عن مستقبل العراق وأسباب الصراعات في هذا البلد وإحتمال إنهياره وتفككه في حال عدم الاسراع في تطبيق النظام الفدرالي فيه.

قراءة المؤلف لمستقبل العالم قائمة على دراسات تطبيقية (empirically) تناولت بالبحث مفردات واقع العالم والصراعات القائمة فيه وتلك التي ستحدث في المستقبل القريب، وذلك تأسيسا على حقيقة إنتهاء عهد نظام (الدولة الوطنية الموحدة)، والتي تحكمها دولة مركزية لم تقوم على قاعدة (حق التقرير الذاتي) للمجموعات البشرية الاجتماعية والاثنية والدينية ـ الطائفية، بل إعتمدت على قاعدة (الرابط الوطني) الذي أثبت التاريخ القريب أنه هشاً وسرعان ما ينهار في لحظة ضعف الدولة المركزية، كما حدث لجمهوريات الاتحاد السوفيتي وجيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا. كما تأكدت من خلال دراسة المؤلف حقيقة أن الدول الاكثر تعرضا لتفككها وإنهيارها في المستقبل القريب هي تلك التي رسم حدودها المنتصرون في الحربين العالمتين الاولى والثانية، وكذلك تلك التي إستقلت بعد عهود من الاستعمار ورسمت حدودها الجغرافية السياسية بشكل مصطنع ومن خلال المشاريع الدولية والتي لا تقوم على حقائق التنوع البشري في تلك الدول، وبالاخص منها الدول التي تضم شعوبا ومجموعات بشرية إثنية ودينية ـ طائفية متعددة، أو ما تسمى بالدولة ذات الشعوب المتعددة (multiethnic state)، مثل العراق وإيران.

وبعد أن إستعرض المؤلف أنماط الانظمة الفدرالية حسب المجموعات البشرية التي إستخدم المؤلف للتعبير عنها المصطلح المعروف في علم السياسة وهو (مجتمعات الاتصال) (communication Sciences)، فقد أكد على أن في دول مثل العراق لا يصلح نظاما فدراليا قائما على نمط واحد من الانماط الفدرالية، بل الافضل أن يقوم النظام الفدرالي في مثل هذه الدول على الاخذ بانماط فدرالية متعددة في وقت واحد، وحسب تكوين هذه المجموعات التي تفرز كل واحدة منها مصالح مختلفة. فمرة يقوم النظام الفدرالي على أساس لغوي، ومرة على أساس إثني، ومرة على أساس جغرافي وأخرى على أساس ديني ـ طائفي، ويمكن أن تستعمل كل هذه الانماط في دولة فدرالية واحدة ذلك بسبب إختلاف أساس وجود (مجتمعات الاتصال) فيها.

و العراق الحديث الذي تأسس كاحدى نتائج الحرب العالمية الاولى وسقوط الدولة العثمانية والتي رسمت حدوده بشكل مصطنع، يضم فيه (مجتمعات اتصال) متعددة ومختلفة في اسس وجودها (آئلة حتما الى الدخول مستقبلا في الصراعات والحروب الداخلية ـ حسب توقعات المؤلف). ففي جزءه الشمالي تعيش (مجموعات اتصال) لها مميزاتها (الاثنية واللغوية والدينية ـ الطائفية) التي هي غيرها في المنطقة الغربية، وهذه المنطقة الغربية تتميز عن وسط وجنوب البلاد بسماتها الدينية ـ الطائفية وتشترك مع وسط وجنوب العراق في اللغة. وحتى داخل كل منطقة من هذه المناطق فان هناك تنوع وتعدد في (مجتمعات الاتصال). فليس كل المنطقة الغربية (وحدة مجتمع اتصال) واحدة، وليس في منطقة وسط وجنوب العراق ما يمكن ان يكون (وحدة مجتمع اتصال) واحدة.   حيث يمكن أن تتبنى الدولة العراقية الفدرالية المستقبلية ـ حسب رؤى المؤلف ـ أنماط من العلاقات الفدرالية المتعددة حسب مميزات كل (مجموعة اتصال).

و كما هو معروف في الانظمة الفدرالية وجود مستويين من الادارة هما: مستوى الاتحاد ومستوى المقاطعات، حيث لكل حسب دستور النظام الفدرالي صلاحياته وواجباته، فان من الضروري في حالة العراق أن تكون عملية اصدار القرار وسن القانون والتشريع قائمة على وجود (مجلس فدرالي) يوازي (مجلس البرلمان الاتحادي) ويمثل حكومات المقاطعات والوحدات الفدرالية مجتمعة. حيث يخصص الدستور الفدرالي (قوة قرار) لازمة للحصول على الموافقة او لتعديل قرار او تشريع او قانون ما، لحتى تصبح كل القرارات والقوانين والتشريعات صادرة بموافقة كل (مجوعات الاتصال) وتمثل مصالحها، ولكي تكون صمام أمان يمنع سطوة أغلبية (مجموعة إتصال) واحدة وهيمنتها على القرار في الدولة الفدرالية المستقبلية.

و هذا يستدعي تطور أمرين ملازمين الى قيام النظام الفدرالي ألا وهما: تطور وتجذر التحول الديموقراطي في العراق. وهذا الامر وكذلك أمر تشريع قانون فدرالي يلبي هذه المطامح يستدعي كتابة دستور عراقي جديد، أو القيام باعادة كتابة الدستور الحالي لكي يلائم (دمقرطة) و(فدرلة) العراق بشكل جدي.

والمؤلف يحذر في دراسته من مخاطر إنهيار السلم العالمي من خلال توقعاته لنشوب الصراعات الداخلية والاقليمية في دول العالم التي مازالت تتبع قاعدة نظام (الدولة الوطنية) في المستقبل القريب، وبالتالي نشوب حروب عالمية. لذلك فهو يدعو الى اضطلاع قوى العالم التي تريد الحفاظ على السلم العالمي الى أخذ المبادرة للعمل على (فدرلة) العالم، تفاديا لوقوع الكارثة التي يراها المؤلف حتمية.

 

شاكر أحمد

في المثقف اليوم