كتب واصدارات

دعوة لقراءة المفكر د. عبد الجبار الرفاعي

801-jabarبحكم تربيتي وثقافتي البسيطة فانا لست معنياً بأفكار وعقائد الاسلاميين اليوم، لقد تجاوزتُ مع كثيرين سواي فكرة الدولة الدينية، ووجوب قيامتها لتحقيق العدل والحياة الحرة الكريمة وإشاعة روح المواطنة. فالمنقلب العربي الأخير ينفي الفكرة هذه تماما. وتفيدنا الوقائع العربية بعد احداث الربيع العربي باستحالة قيامة الدولة هذه، وبموجب معطيات كثيرة. حتى بات الإيمان بالدولة المدنية مطلباً وبغية لبعض رجال الدين ومن كلا الفريقين، وأحسب أن الحوزة في النجف كانت قد بينت موقفها من هذه، في أكثر من مفصل. وتأتي ممارسات الحكومات والاحزاب الدينية، التي حكمت والتي تحاول وتسعى للحكم، في العراق ومصر وليبيا وسوريا لتؤكد بشكل قطعي على استحالة قيام الدولة هذه، إن لم تكن قد عملت وتعمل هي بنفسها على تقويض الفكرة، ذلك لأن الحياة الجديدة لا تحتمل هذا النوع من الأنظمة.

801-jabarهل بات الدين ممارسة داخلية، حدودها الجسد والروح، وهل ينصح المفكرون بذلك، وهل نقول بوجوب تقليص فكرة التدين الى أدنى حد، بحيث لا تتجاوز المناجاة الصادقة بين الانسان وربه، بل، ألم تكن فكرة الأديان الأولى هكذا؟ ما الذي يريده الله منا بشكل عام ومجمل؟ ألم تأت التعاليم الدينية لتؤكد للإنسان وجوب أن يكون عاملا على الخير، محباً لأخيه، نافعا في مجتمعه، صادقا، منسجما مع نفسه ومحيطه. أترى أفعالا كهذه بحاجة لنظام وحكومة وجيش وتسليح ومن ثم قتل وتهجير واغتصاب ووو . الحصول على مجتمع كهذا بحاجة الى مفكرين أوفياء لبني جنسهم، تخلصوا من سطوة وقهر النص الى ما هو أبعد من حدود النص نفسه، أما حين يتعارض النص مع فكرة ووجود الانسان فلا وجوب للعمل به.  

ثمة تأسيس مهم وواع في الثقافة العراقية، راح يتشكل خارج حيز الأدب والفنون يعمل عليه الدكتور عبد الجبار الرفاعي، من خلال كتبه، التي أصبحت بمتناول كثيرين اليوم، وممن يتعاطون المعرفة والفكر والحياة الجديدة، واتخاذ الدين، لا بوصفه عبادات وممارسات تقليدية، بعد انقشاع غيمة التشدد والطائفية والفهم القاصر والضيق للدين ومبادئه، أظنه سيزحف (التأسيس) بمنافعه على القراء الثانويين، من خارج طبقة المثقفين، وسيكون تأثيره المجتمعي شاملاً، في القريب من السنوات لا محالة، ذلك لأن الرفاعي لا يعمل على الإطاحة بالدين، مثلما يدعو البعض من المفكرين العرب، إنما يسعى في مشروعه إلى ما سماه (انقاذ النزعة الانسانية في الدين). وهو عنوان لأحد كتبه. أي أنه يعمل على انقاذ الإنسان من مقصلة النص.

وكأيّ من المتعجلين، الذي أخذوا فهمهم للدين عن الممارسات الشائنة لعناصر القاعدة وداعش والمليشيات أيضاً، ممن يستلون ويتعكزون في تمرير ممارساتهم وتعاليمهم على الكتب والروايات المقدسة (القرآن والحديث وكتب السير)، سألته (الرفاعي): ما إذا كانت هناك نزعة انسانية في الدين؟! لم يجبْني، إنما هداني لقراءة كتابه (انقاذ النزعة الانسانية في الدين)، ثم أنه تكرم وأهداني نسخة من كتابه (الدين والظمأ الأنطولوجي). وهكذا رحت، مأخوذاً بنوع جديد من الفهم، العابر لحدود النصوص إلى ما هو انساني وحياتي، يمس روح وجسد المخلوق، من غير تشدد وعنت، ومنذ السطور الأولى وجدتني مع رجل مفكر، فيلسوف، يخرق الفهم التقليدي للدين بروح صافية، ملقياً بمئات النصوص المتشددة وراء ظهره، غير عابئ بها. وحين سألته ما إذا كان قد قرأ رواية (قواعد العشق الأربعون) لأليف شافاق؟ قال: طالعتها وقت صدورها، وروجّتها لتلامذتي وزملائي.

واضح أن الدكتور عبد الجبار الرفاعي يسعى بشكل غير مباشر الى تقويض أفكار ابن تيمية وسيد قطب، الأفكار التي تعد المرجعية الرئيسة لداعش والقاعدة والاخوان، ومثل ذلك يمكننا القول بان أفكار الرفاعي الجديدة ومشروعه في التنوير يتجاوز حدود ذلك إلى فك شيفرات تقاليد وتعاليم الحوزات الشيعية، فهو يشير الى ذلك بقوله: ربما لا تتطابق أسفار روحي وقلبي وعقلي من بعض الأحبّة، لكن ما يشفع لي هو أنني أمضيت أربعين عاماً، تلميذاً ومعلما في الحوزة.

 

بقلم: طالب عبدالعزيز

شاعر وكاتب عراقي.

في المثقف اليوم