كتب واصدارات

القوة الناعمة: فن الحرب.. فن الحياة

fatima almazroweiكنت اقرأ في كتاب يحمل عنوان: فن الحرب، من تأليف سون تزو، وما يميز هذا الكتاب أن عمره يعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد، وقد طلب تأليفه ملك الصين في تلك الحقبة من سون تزو، لما عرف عنه من الانضباط العسكري والمهارة في التخطيط ورسم الاستراتيجيات القتالية.

 بعد أن وضع الكتاب بين يدي الملك، أصدر قراراً بتعيين مؤلفه قائداً عاماً للجيش الصينية، وقد حقق إنجازات كبيرة على ساحة المعركة. ضم الكتاب الكثير من المقولات العسكرية التي تساعد القائد في ساحة القتال، وكيفية إدارة الجند، والاستفادة القصوى من إمكانياتهم الفردية لتنعكس على الجهد الجماعي للجيش بأكمله، كما تحدث عن التموين والروح المعنوية للجيش، وغيرها كثير من التوجيهات الدقيقة والهادفة.

ويقال إن الكتاب يحتوي على ستة آلاف جملة ضمن 13 باباً، جميعها تدور في الجانب العسكري، ويعتبر هذا الكتاب من أقدم الكتب في التاريخ البشري وفي المجال العسكري خاصة، ويعتبر البعض أن الكثير من النظريات العسكرية الحديثة تم بناؤها من الأفكار التي جاءت فيه.

من أهم المقولات التي احتواها الكتاب: "جميع الأمور المتعلقة بالحرب تعتمد على الخداع – الحرب خدعة -فعندما نستطيع الهجوم، يجب أن نبدو كما لو كنا عاجزين عنه، وعندما نناور ونتحرك بالقوات، يجب أن نبدو خاملين، وعندما نقترب، يجب أن نجعل العدو يظن أننا بعيدون.

وعندما نكون بعيدين، يجب أن نجعل العدو يظن أننا قريبين".

ويقول في موضع آخر من الكتاب عن الاستراتيجيات القتالية: "أعلى درجات البراعة العسكرية، هي إعاقة خطط العدو بالهجوم المضاد، يليها منع قوات العدو من الالتحام ببعضها بعضاً (عزلها وقطع خطوط الاتصال والإمدادات) يليها الهجوم على جيش العدو في الميدان، وأما أسوأ السياسات فهي حصار المدن ذات الأسوار العالية". وبطبيعة الحال مثل هذه الخطة باتت مستهلكة ومعروفة على نطاق واسع، لكن إذا تذكرنا أن الكتاب تم تأليفه قبل خمسة قرون من الميلاد، فعندها ندرك أننا أمام منجز كان سبق لزمنه. أيضا الكتاب في مجمله يتحدث عن الجيوش البرية، ولا يوجد جوانب أخرى من القوات، مثلما هو واقع في عصرنا الحاضر، مثل سلاح الجو والدفاع الجوي والبحرية، ونحوها.

لكننى توقفت عند عدة إشارات خرجت بها من هذا الكتاب من أهمها ما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والتنموية، والتي هي أيضاً لا تقل أهمية في التخطيط والبناء، ليس في ساحة المعركة، وإنما في ساحة الرقي الحضاري ومسابقة الأمم في مجالات حيوية لا تقل أهمية، حيث يمكن إسقاط عدد من تلك الخطط والرؤى العسكرية وتنفيذها في جوانبها المدنية، وهو ما يثبت في نهاية المطاف، أن الحياة العسكرية على مختلف أنواعها جزء لا يتجزأ من حياة أي مجتمع بشري.

لطالما قرأت كتباً في الأدب والفلسفة والعلوم، لكنها المرة الأولى التي أقرأ فيها كتاباً بمثل هذا القدم والتاريخ الطويل، وإن كان التاريخ الذي تم تحديده ضارب العمق في الزمن، مما يجعل التصديق به أمراً قد يجده البعض صعباً، ولاسيما أن هناك مقولات تتحدث عمّن كتب هذا المنجز وتجيره لاسم أسطوري، وهناك من يقول إن تلامذة هذا القائد ومحبيه هم من قاموا بتأليفه تكريماً له، وآخرون يذهبون إلى أن معظم الكتاب الأصلي ضاع واندثر، وما بقي منه أعيد كتابته مراراً وتكراراً، وحدثت الزيادة والنقصان فيه، وجميع هذه المقولات تؤشر لشيء واحد وهو استحالة أن يكون هذا الكتاب عمرة سبعة آلاف عام.

 لكنني لا أنكر أن الرحلة في عمقه كانت ممتعة وجميلة ومفيدة، وكأنك تلعب الشطرنج .

 

 

في المثقف اليوم