كتب واصدارات

د.عبد الجبار الرفاعي وظمأه الانطولوجي للدين

dawd alkabiمقدمة: اهدى لي د.عبد الجبار الرفاعي، مشكورا، نسخة الكترونية من  كتابه الموسوم (الدين، والظمأ الانقلوجي) . وعند قراءتي لهذا الكتاب، وجدت فيه فلسفة لايقرها الواقع، وامور يرفضها المنطق، والبحث محاولة لأعادة ترميم بناء هيكلية الدين، بعد تعرضه الى براكين وهزات، اقلعت ارضه الهشة وجعلته يبابا. متخذا، المؤلف، من الفلسفة الاسلامية، والتصوف منهاجا، واساسا لتشييد ذلك البناء، الذي تعرض للهدم والهزات، بهيمنة الايديولوجية، والمؤلف يعترف بذلك: (ما وقع الدين اليوم في مأزق تاريخي، هو ترحيلة من مجاله الانطلوجي الى المجال الايديولوجي، هذا من جهة . ومن جهة اخرى، ازدراء بعض النخب للدين واحتقارهم للدين، اثر الفهم الساذج المبتذل لحقيقة فهم الدين). راجع ص 10.

فالمؤلف يريد ان يقول: ان رجال الدين هم الذين اوصلوا الدين لما وصل اليه، من نكوص وتردي ونفور. ويتهم علي شريعتي بأنه حول الدين من انطولوجي الى ايديولوجي، حيث ينتقده بشدة. كما ينتقد ابن تيمية واتباعه، ومن سار على نهجه، واتخذ كتبه وفتاواه منهاجا قويم. وثمة رجال دين آخرين لهم نفس تأثير ابن تيمية على اتباعهم، لكن السيد الرفاعي لم يشر الى احد منهم، من قريب ولا من بعيد. وهذه تحسب على الاستاذ الرفاعي، وليس اليه .

والصحيح، ان الاديان كلها تعتمد الايديولوجية طابعا لها ومنهاجا، وهو مما لاشك فيه. بل ان كل الاديان لا تخلو من خرافات واساطير. {وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا} الفرقان: (5).

الرفاعي يحاول رسم صورة ملونة، مزخرفة، جذابة للدين، اذ يعتقد انها اليوم صورة مشوهة، صورة مقززة، ينفر منها الرائي. بسبب ما ذكرنا اعلاه. ويعتبر الرفاعي: (ان الدين.. هو: ما يروي الظمأ للمقدس، ويشبع الحاجة للخلود، بوصف الكائن البشري ينزع للكمال، وهو توق ابدي للخلود) راجع ص7.

بينما يرى (رودولف أوتو) الدين احساس اولاني متمكن من سيكولوجيا الانسان، هذا الاحساس هو واقعية نفسانية، لا تنشأ عن اية ارادة او تصميم، مسبق، بل العكس هو الصحيح تماما؛ لذك ان الفرد يجد نفسه تحت سلطان هذا الاحساس، دون مقدرة منه على توجيهه او الحكم به فهو ضحية اكثر منه خالقا له. (راجع: فراس السواح، دين الانسان، ص، 31، منشورات علاء الدين الطبعة الرابعة 2002 بسوريا). ويقول ماركس: (ان الدين افيون الشعوب) . وهناك عشرات الفلاسفة الذين انتقدوا فكرة الدين، لا اعتقد أن الدكتور الرفاعي غير مطلع عليها.

الدين: يعني قيود الحرية، بما يفضي الى وجود ذات، وجودها مراقبة، لا وجود خافز، يحافظ على بنية الانسان، كثابت يحرك مسيرة الحياة نحو وجود حقيقي، يدعم تفاصيل كينونة البعد الانساني، الذي يتجاوز نمط كل عقيدة تعترف وجودها بنمطية ترفض الغير. هذا هو فهمي للدين.

يقول الرفاعي: (كذلك يفسرلنا الدين الغاز هذا العالم، الذي تسوده الالغاز، وكل ما هو غير مفهوم)! راجع ص 8. وهل يُعقل هذا؟ ؛ اذن اين دور العلم؟؛ العلم الذي حل آلاف النظريات، الكونية، والجيولوجية، والهندسية، والطبية. بينما الدين يقول لنا: عوج بن عناق كان رأسه في السماء ورجليه في الارض!، وكان يطهي السمكة على قرص الشمس. الدين يقول لنا: ان ثمة فأرا هدم سد مأرب في اليمن، ويقول ايضا: ان جماعة جاءت بفيل من اقصى افريقيا، وهو بهذا الظخامة، وبهذا الوزن، والحجم الضخم، يسيرون به مئات الاميال، ليهدموا به الكعبة. الى غير ذلك من الاساطير والخرافات التي جاء بها الدين . (راجع: احمد كمال زكي، الاساطير، وغيره).

نسي الدكتور الرفاعي، الكوارث الانسانية، والبيئية، والنفسية، التي سببها الدين، بكافة تعددياته ومناهجه ومنابعه. منذ وجد الدين، ومنذ اكتشاف الدين، والى يومنا هذا، وحروب الدين قائمة على قدم وساق. 

الدين وباء بشري:

عند تصفحك لتاريخ الحروب، ستكتشف، وللوهلة الاولى، أن اكثر من ثلاثة ارباع الحروب التي دار رحاها، سواء بين شعب، وشعب آخر، دولة ودولة اخرى، امبراطورية وامبراطورية اخرى، بين ثقافة وثقافة اخرى، قومية، وقومية اخرى. تجد أن تلك الحروب اسبابها دينية بحتة.

الحملات الصليبية – سلسلة من الحملات من القرن 11 وحتى القرن 13 وكان هدفها المعلن هو تحرير الأراضي المقدسة من الغزاة المسلمين ومساندة الإمبراطورية البيزنطية. الحروب الدينية الفرنسية – حروب متتابعة في فرنسا أثناء القرن 16 بين الكاثوليك والبروتستانت الفرنسيين. حرب الثلاثين عاماً – حرب أخرى بين الكاثوليك والبروتستانت خلال القرن 17 في ما يعرف اليوم بألمانيا. وما فعله هتلر صاحب اكبر محرقة في التاريخ .

ولو رجعنا الى الإسلام، نجد مفهوم "الجهاد" أو "الحرب المقدسة". وقد إستخدم هذا المفهوم لوصف الحرب للتوسع والدفاع عن الأراضي الإسلامية. إن الحرب التي تكاد تكون مستمرة في الشرق الأوسط عبر النصف قرن الماضي ساهمت بالتأكيد في تعزيز فكرة أن الدين سبب الكثير من الحروب. إن هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة تعتبر جهاد ضد "الشيطان الأكبر" أي أمريكا، والتي تكاد تكون مرادفة للمسيحية في نظر المسلمين. في اليهودية، إن الحروب المسجلة في العهد القديم (خاصة في سفر يشوع) بناء على أمر الله، أخضعت أرض الموعد.

واليوم ما يقوم به (داعش) من جرائم نكراء ضد الانسانية، في العراق وفي سوريا، كذلك ما تفعله الوهابية من تكفير الشيعة والتحريض على قتلهم، وما تفعله اليوم السعودية في اليمن، كلها بوازع ديني. فالدين، باختصار شديد، هو بلاء العالم، والطاعون الذي يفضي للابادة الجماعية. أن آلاف البشر اليوم يقتلون تحت طائلة الدين، فالذي يفجر بلادا مثل فرنسا او مثل بلجيكا وبكين وطوكيو، وغيرها من مدن العالم المستقرة، الم يكن دافعه دافع ديني؟.

الدين يعقـّد المشاكل لا يحلها:

الدين يعقد المشاكل ولا يستطيع ان يعطي الحلول الناجعة لها، لأن الدين مبني على غيبيات، وعلى قضايا اخرى، لا نفقه معناها، فمثلا ان الحجاج يرجمون الشيطان ببعض الحصى، في مكة كل عام، لا ندري ما هي الغاية؟، ولماذا لا يتأثر الشيطان بذلك، بل يظل ينتظرهم الى العام المقبل.وهكذا دواليك. وهذا سؤال بلا اجابة.

يقول الرفاعي: (في الفلسفة والآداب والمعارف والفنون محاولات لتفسير معنى الحياة، وشيء من اجابات سؤال واسئلة ميتافيزيقية اخرى، لكن الدين هو مصدر التفسير الاخصب والاثرى لمعنى الحياة والموت)!. راجع: ص 7.

واعتقد ان هذه العبارة ليست دقيقة، واشم منها رائحة التعصب للدين، والانشداد غير الطبيعي له.

ان الدين رسم لنا صورة سوداوية للموت، وصورة معقدة للحياة {وما خلقنا الجن والانس الا ليعبدون} . ونفهم من هذه الآية: ان الله لم يخلقنا الا لغرض العبادة، ليس الا . والحقيقة ان الله ليس بمحتاج لنا ولا لعبادتنا، بقدر ما نحن محتاجون اليه، ليرحمنا ويعيننا على قضاء حوائجنا.

رسم لنا الدين صورة مهولـّة لما بعد الموت، حيث جهنم، واهوالها التي لا توصف، حتى اننا نخضع للعذاب الابدي حتى تتبدل جلودنا!، واذا ما نضجت، اي وصلت حد الشواء، بُدلت جلودا غير جلودنا، ليستأنف العذاب، وهكذا تستمر عملة العذاب، الى ما لانهاية.

اخيراً :

والحقيقة، هناك امور كثيرة، واشكالات جمة، طرحها الاستاذ الدكتور في بحثه هذا، لكنني اختصرت ردي هذا، خوفا من السأم، وضجر القارئ الكريم. واتمنى أن يتسع صدر الاستاذ الرفاعي، ولا يعتبر ردي هذا تهجما، او استخفافا بطرحه خلاصة افكاره لنظرية الدين لديه.

واختم كلامي بقول الشاعر العراقي الزهاوي:

هذا الذي مبديه لكم نظري ...... وانما كل إنسانٍ له نظرُ

 

داود سلمان الكعبي

 

في المثقف اليوم