كتب واصدارات

إحسان وفيق بؤس السفسطة

الفقرة (4) من متابعتنا لكتاب إحسان وفيق (الفن التشكيلي في البصرة.. والعمارة التراثية – قراءة وتأريخ).

 وإبتداءً من هذا العنوان المشوش الذي يخلط الفن التشكيلي مع العمارة التراثية ويضيف إلى ذلك خلطاً آخر من نوع غياب المنهجية في ملحق العنوان (قراءة وتأريخ) ففي (القراءة) إبلاغ بالتعميم والتغطية الصحفية وفي مفردة (التأريخ) ثوابت توثيقية لابد من توفرها .. لذلك وجدناه يتخبط مابين هذه وتلك. ولو حذف مفردة التأريخ وإكتفى بالقراءة (الإنشائية) السائدة في الكتاب لكان ذلك أسلم كما ولو حذف العمارة التراثية أيضاً لأنها هامشية في الكتاب، وتهدف إلى تزكية الفترة الزمنية التي شغلها إحسان ورهط من المسؤليين الإداريين في البصرة في السبعينيات الماضية وفي ذلك أغراض دنيئة غير خافية على من عاصره. كما أن أغلب كتاباته عن الفنانين خضعت للأهواء الشخصية كالصداقات والخصومات والعلاقات الشخصية فإبتعدت عن القيمة الموضوعية والموثوقية التأريخية.

إن القراءة الدقيقة لأية مادة أدبية نقدية للفن التشكيلي يجب أن تسلط الضوء على أُسلوب الكاتب مع تقدير وجهة نظره، لأن النقد التشكيلي مازال رهين وجهات النظر الشخصية. وحتى أصحاب النظريات،أمثال هربرت ريد وكلايف بل، يعترفون بذلك.

تسيّدت الأهواء العاطفية والأحكام المسبقة وأن لغته ترتفع إلى مستوى الضباب حين يتحدث عن الفن لحجب الرؤية وتشويشها، ومن باب المكابرة،على القاريء. وتهبط لغته إلى أدنى مستوى لها حين يتطرق إلى السياسة، ومن باب الموقف الجاهز والطعن المبطن للرأي الأخر، سياسياً أو طائفياً، في تلافيف الحذلقة الفارغة.

فالكاتب مازال يتحدث من منبر السلطة المفقودة ومن ثقافتها الخمسينية في حقبة الحرب الباردة ويمكن قراءة جهده الإنشائي لتضبيب الرؤية على القاريء وتعميته وتجهيله قدر الإمكان، لتغييب صورة (الواعظ) عنه، واعظ السلطة الزائلة والنعمة المفقودة... ومازالت نبرة الواعظ البائس متسيدةً على الكتاب ومنهج الكاتب. ومن هذه الأحكام والأهواء الجاهزة موقفه السياسي من اليسار ومن الشيوعيين بالذات.إذ تهيمن الثقافة الشمولية ذات الحساسية الجلدية من اليسار الماركسي مع أن السياقات التعبيرية تنثر الرماد لتمويه الصورة المعنية بالإساءة، تعابير بلون وطعم العسل مع تنقيطات السم تعبيراً وغمزاً وإشارةً وتهكماً...

ففي تغطيته لمعرض أقامته محلية الحزب الشيوعي في البصرة لمناسبة العيد الثاني والسبعين لميلاد الحزب، وكان مدعواً للحضور كضيف شرف وتحكيم على ما أتذكر... يطالعنا عنوان مبطن بالإساءة والتشويه نَصّه (البحث عن الفن في المنطقة الخضراء)! وهي إشارة خبيثة تربط الحزب الشيوعي بالإحتلال ويبدأ بما يسميه المفاجأة..- نضع في أدناه الإقتباسات من كتاب إحسان بين قوسين وكما هي في الأصل ليتأكد القاريء من أخطائها اللغوية والتعبيرية فضلاً عن الخلط والحذلقة الفارغة -* (إلاّ أن الواقع أثار الحيرة لأن الذين كانوا يحلمون بمدرسة مستقبلية تكشف...ومن 68 لوحة و21 فنان لم يظهر على السطح غير بعض المجددين مما لايقاس بزخم الأحداث التي مرت البلاد بها من حروب...) ويعزف على قوانة الإحتلال – كلمة الحق التي يراد بها باطل – ولكنه وضمن جريان الضغط السايكولوجي الذي يتطلب منه ذمّ التغيير والحديث عن الجانب السلبي منه يضطر إلى خلط الأوراق والوقوع في التناقضات بين سطر وما يليه وكأنه حمل ضغينة مسبقة لكل المشاركين في معرض الحزب فراح يبحث عن أسباب للهجوم على أساليبهم التي أبعدتهم عن رؤية (الخراب والفوضى) التي رافقت التغيير.أما لغة الهجوم العدائية فيجب أن ترتقي إلى مستوى النقد الفلسفي – السفسطائي – ولا ضير من عدم الوضوح أو زج المتناقضات في أكوام مترهلة بما في ذلك الأسماء الحاضرة والغائبة، الفاعلة وغير الفاعلة، والأدهى من ذلك المقاربات والتشبيهات مع الفنانين الأوربيين. يُشير إلى عمل للفنان عباس السعد (ص 183) ومن خلال التعابير اللفظية البعيدة عن فهم وإدراك موضوع العمل وإسلوب الفنان وهي من النمط الشعبي التعبيري القريب من السريالية لكنه يُشبهها بأعمال بول كليَ بينما أعمال بول كليَ تجريدية وتعتمد الأشكال الهندسية والزخرفية القريبة من الفنون الشرقية كالمربعات والحروفيات والأرقام وبألوان متضادة. ومثل ذلك مايقوله عن (الدكتور سالم السعد)؟ (فإن لوحاته المتناهية الصِغر قد تحولت إلى نبض حي عندما غمرت مساحات أكبر من التشكيلات الرقيقة وهي خلفيات تجريدية تتشابه والألوان التي رسمها "هنري روسّو" وتكوينات " مودلياني " " ساحرة الأفاعي" و" الراعية النائمة " وهنا لايستطيع القاريء أن يعفي الكاتب من الخلط بين (اللوحات المتناهية الصغر) وبين (المساحات الأكبر من التشكيلات الرقيقة والخلفيات التجريدية..) الخلط الثاني في المقاربة مع (هنري روسّو) و(مودلياني) كما أخطأ في تسمية اللوحتين (ساحر الأفاعي) التي سمّاها (ساحرة الأفاعي) و(الغجري النائم) والتي سمّاها(الراعية النائمة)ووكلا العملين لهنري روسّو، بينما نسبهما الكاتب لمودلياني. ونضيف أن روسّو فنان فطري وشعبي ولا تتضمن أعماله خلفيات تجريدية كما يزعم إحسان إنما هي مناظر طبيعية صافية، أما أُسلوب مودلياني فهو طراز خاص من التعبيرية القائمة على رسم الشخوص بهيئة البورتريت وهي ليست من التكوينات بل هي تشخيصات تأملية في أوضاع سكونية. ومثل زج المقولات الفلسفية نواجه ضرباً من التشويش اللفظي الذي لا ينتج المعنى في النص وننقله كما في الأصل..(أما الفنان سلمان الشهد فكان له أن يتجلى في عملين ضاقت آفاقهما بسبب التقعر المفروض على مساحة الرسم حتى ليشعر المتأمل لم وتبشر بطريق حر وأصيل غابت عن الحقيقة لأننا لازلنا نمشي على هدي الطبقة المسيطرة..)  قد نُفسر بداية النص (ضاقت آفاقهما بسبب التقعر المفروض على مساحة الرسم) بمعنى ضيق مكان العرض أمّا بقية السطر المطّول فلربما تدخل ضمن الهذيان . وفيما يتطرق إلى النحات أحمد السعد لاينسى بث الإشارات التهكمية الخبيثة، وهي اللغة السائدة في الكتاب، (أما لوحته الصغيرة – الأم والطفل – قد تكون مرسومة أيام الحرب المُفجعة....وهي ما دلت عليه صبغة الألوان التعبيرية التي تعمدها أن تكون طينية ميتة وكأنها جزء من ماضي نضالي غادرنا مع الأيام.) وهنا نقف على الموقف – موقف مفكر السلطة البائدة بكل رسوخها وتكلس آيديولوجيتها المعادية للشيوعية وللفكر اليساري. فهو يرصد عملاً فنياً ويرى فيه نتاج الحرب المُفجعة، ولم يحدد أية حرب، لابأس لو فهم إحسان أنها حرب الإنسان ضد قوى الشر،مصير الإنسان الوجودي... لكن كيف إستنتج أن الألوان الطينية إنما هي جزء من ماضي نضالي غادرنا مع الأيام؟

 يذكرنا هذا التأويل المُغرض بتفسير إحسان لألوان فاروق حسن عن الأسواق والخيول ونَسبَ علاقتها (برمال سيناء).

في تأويل الفن بروح الدعاية يلجأ إلى المزايدة حين يطالب الفنانين بعدم نسيان التضحيات. المقصود تضحيات الشيوعيين في أنظمة الحكم السابقة.(وحتى أصحاب الماضي النضالي لم يقدموا غير ملامح فردية لم تُعبر أبداً عن الإلتزام ولا عن الشعور بثقل الأمس). ولكنه لم ينتبه للتناقض في أقواله حين يقول أن المشاركين في المعرض وقعوا تحت هيمنة الماضي – الآيديولوجي – بعد ذلك يتهمهم بالقطيعة مع (فالفكر المهيمن حاول و بكل الأساليب العمل على قطع الماضي بحجة عدم التذكير بالهموم والمآسي أو تقديمها في الآداب والفنون إلاّ بحدود ضيقة فكانت المعادلة ناقصة ليس من تجديد لها..)-184 – ونسأله:

- أين وجد الفكر المهيمن؟

- وكيف إستنتج القطيعة مع الماضي – وبكل الأساليب-؟

- وكيف فسَّر القطيعة مع الماضي بأنها – عدم تذكير بالهموم والمآسي -؟

- ومن يدعو إلى عدم تقديمها إلاّ بحدود ضيقة في الآداب والفنون؟

ثم يتوصل إلى إستنتاج بليد حين يقول(فكانت المعادلة ناقصة ليس من تجديد لها) وهنا يتضح أن إحسان وفيق لم يقرأ ما يُكتب ويُنشر من قصص وروايات ودواوين شعر وما رُسم ويُرسم حتى قبل سقوط النظام البعثي ولغاية هذا الوقت، أقول لم يقرأ طبيعة الثقافة ولا روح العصر وأشبهه بذلك الكاتب البليد الذي عارض طه حسين يوماً فرد عليه بمقال عنوانه " يوناني لايقرأ ".

ثم نقرأ الضد تماماً فالذين قطعوا الصلة مع الماضي يتهمهم بالإنشداد إلى الماضي. نراه يتعثر في عدم إدراك العلاقة بين موضوع مستمد من أثر الماضي بالرؤية الجديدة لذلك الأثر..(إذ رغم السمات البديعة عند الرواد إلاّ أن التكرار في العروض والإعتماد على الماضي قد خلق ثغرةً في الرؤيا فأدى إلى بعثرة التشكيل وتوقف الشكل..) ص-186-

وجد اليوناني سمات بديعة عند الرواد...

لم يذكرها ولم يدركها...

ووجد أن التكرار في العروض والإعتماد على الماضي خلق ثغرةً في الرؤيا. وأدى إلى بعثرة التشكيل وتوقف الشكل.

كيف حصل هذا التفسير الساذج وما المقصود منه؟ ومثل ذلك قوله (إن منهجهم العلمي الواضح لم يُغير من مضامينه ومنطلقاته فالألوان ذات التشكيل الموسيقي والتعبير جعلهم محددين في إطار الخلفية النفسية فقط)...

أولاً إعتراف بمنهج علمي واضح له مضامين ومنطلقات .

ثانيا مالخظأ في علاقة الألوان ذات التشكيل الموسيقي بالخلفية النفسية فقط؟.

.......

التجني الأكبر كان في تغطيته لمعرض الحزب الثاني – الذكرى 73 لميلاد الحزب الشيوعي العراقي – ويتمثل في إعادة تكرار التناقضات وخلط المفاهيم – النقدية- الجاهزة، مرةً بالبكاء على الماضي ومرةً على نسيان – المأساة الحالية – وتشتيت الرؤية بالأشكال المجردة فقط.

يرى إحسان أن مأساتنا تكمن بالإحتلال، - كلمة حق أُريد بها باطل – وإذا قرأنا تداعيات الإحتلال في كتابه ومنها (الإرهاب و الشعائر الحارقة و...) نفهم أن مفهوم الإحتلال يشمل الوضع الحالى بصيغته السياسية في الحكم والإشارة إلى (طائفة) بعينها وبالتالي المطلوب مقاومتها من قبل الجميع ومنهم الحزب الشيوعي...المعلوم أن الإحتلال أسقط سلطة جائرة ومعها منظومة كاملة من الأدعياء ووعاظ السلاطين.. وحصل تغيير حقيقي أبرز مافية حرية التعبير. ومن الدلائل أن إحسان وفيق يستطيع أن يكتب وينشر،لأول مرة في حياته، بكل حرية وينتقد القوى الحاضرة والحاكمة في العملية السياسية وبلا مساءلة ولا إعتراض. إن تكرار الكلام عن الإحتلال أصبح دارجاً لغرض التسويق وإدانة التغيير والديمقراطية والترحم المبطن على النظام القديم.

في ص -189-  وتحت عنوان (دعوة لفن ملتزم) وبعد سطور تعريفية بالمعرض يُذكر القاريء بعنوان مقاله عن المعرض السابق (البحث عن الفن في المنطقة الخضراء)...نقرأ(وجاء المعرض – الذكرى 73 – خيبة أمل كبيرة ومخاضة ضبابية قاتمة لأن غرابة العروض وإبتعادها عن الشعار التوحيدي المرفوع وشمولها على جوانب تجريدية وزخرفية ورموز غطت المعرض بضبابية مُنفرة بدت وإنها تخطت العثرات الداخلية والمذابح والتعصب المذهبي وطقوس الإرهاب والمفخخات وأخيراً جزمات الإحتلال...) وما زلنا نعتقد أن رؤية إحسان وفيق للفن قديمة وتبسيطية تتلخص في الوظيفة الدعائية ذات التعبير المباشر وهي لغة التبشير والسلطة والتي ترى العالم من زاوية أُحادية مباشرة وتعليمية، وحتى هذه النظرة تخطت التعبير الوظيفي الدعائي في زمن التطورات التكنولوجية في المعلومات والمعرفة، وتطعمت وتداخلت مع التصورات والمرئيات الجديدة والأمثلة كثيرة على هذا التطعيم والتداخل و كما حصل في تجارب الفنانين العراقيين أمثال ضياء العزاوي الذي أدخل العناصر التأريخية في التكوينات التجريدية ومحمد مهر الدين ومضامين أعماله التجريدية وأبعادها السياسية ومثله فيصل لعيبي وكاظم حيدر وشاكر حسن آل سعيد فإتجاهات هؤلاء تنتمي إلى عصرنا، عصر الحداثة بموضوعاتها وتجريداتها.

كيف أصبحت التجريدات والأشكال الزخرفية والجماليات (أشكالاً منفرة وضبابية)؟ لم يفهم منها شيئاً سوى الإبتعاد عن مضمون محدد يريد فرضه على الجميع ولم يُدرك أن في التجريد والسريالية وما بعد الحداثة مضامين ورموز ولغة باطنية إحتجاجية. فقد إختار الفنانون لغة الجمال عبر الألوان والخطوط والكتل والمواد، ولم نجد،في معرض الحزب، عملاً طائفياً ولا نحتا ورسماً يزكيان الإرهاب والإرهابيين ولم نعثر على فرضية إلزامية بنهج سياسي، على العكس من ذلك يعترف إحسان بعدم إنشداد الفنانين إلى الماضي (السياسي) لأن عروضهم كانت تعبيراً عن الحرية الفردية غير المقيدة، الحرية التي لم يتعرف عليها ولم يفهمها بعد ولهذا يرى (الشكل العمومي للمعرض كان خطوطاً تزيينية إمتلأت ب (figures) خبطت مع بعضها لتأخذ أشكالاً هندسية ونسب متضادة فليست هناك فلسفة توحيدية أو موضوعات محددة..) ص 190.

وفي السطور التالية من الصفحة نفسها يكشف تناقضه (كشف لنا المعرض عن شكل واحد هو المهيمن الرئيس الذي ضم التجريد الميتافيزيقي والفراغية الهندسية التي حورت الحقائق الدالّة وإستعاضت عنها بالمتخيلات اللونية والشكلية..) ولو إتفقنا مع هذه التحليلات الضبابية نتوصل إلى سمات متقاربة في المعرض (فلسفة داخلية...وعي بالحرية الفكرية.) أساسها التجريدات والمتخيلات اللونية والشكلية وقد أخطأ في تعبيره (فلسفة توحيدية) مثل خطأوه في المزج بين التشخيصات (figures) وبين الأشكال الهندسية وما يسميها (نسب متضادة).

نقرأ لكتّاب، في هذا الظرف،مَن يمتدح النظام السابق أو لم يتناسى سيئآت ذلك النظام خصوصاً إذا شمله النظام بشيء منها.. الأمر الذي حصل مع إحسان ولكن منهجه الفكري القديم – ثقافته البعثية – لحقبة الحرب الباردة تجعله لايرى الفكر إلاّ عبر منظور تلك الثقافة ورواسبها الكلاسيكية فلايحتاج المتابع لكتاباته للتدقيق وإضاعة الوقت لكي يقرأ العينات الشبيهة بالعسل في سطوحها دون أن يتوقف عند نقاط السم في السطر الواحد والجملة الواحدة والكلمة ووضعها من خلال موجة سايكولوجية تدميرية تُعاني من رواسب الخوف من الشيوعية، الهاجس التأريخي. فإذا قرأنا إشارةً تذم النظام السابق – على إستحياء – نجده في نهايتها يمتدح ذلك النظام ضمناً ومن خلال المقاربة مع الظواهر السلبية والإرهاب والإحتلال وبصيغة التعميم وبعيداً عن التحليل الموضوعي والأسباب والظروف الجديدة.

يقول (فإذا كان الفنان فترة الإستبداد يرى المشاركة في العمل الجماعي نوعاً من أعمال السخرة فماذا له أن يعمل في زمن "صيد الرؤوس البشرية والإحتلال" وهو في غيبوبة القرون؟ متى ستبدأ الرحلة؟..) – التشديد في النص -. نلاحظ أن التهمة تؤشر على الفنان الذي يرى العمل الجماعي سخرةً وليس نظام الإستبداد. ويؤكد أن الفنان يعيش غيبوبة القرون في زمن "صيد الرؤوس البشرية والإحتلال" ولو قرأ الواقع بموضوعية وأمانة لأكتشف أن الإرهاب والإحتلال من نتائج سياسات زمن الإستبداد وما زالت مخلفات الإستبداد – الشبكات الإرهابية – تعمل في المواضع والفرص التي تناسبها. بعد نصف سطر يتراجع ليقول إن مهمة الفن ليست (الوعظ)...(إنما المبادرة والعمل وتأجيل الرمزيات ليتمكنوا من رؤيا وطن ممزق وعدو جاء ليبقى؟) وهنا يستوقفنا هاجس الخوف من (عدو جاء ليبقى) في لغة الظاهر والباطن ففي الإشارات المموهة عن الإحتلال ظاهراً تُخفي عدواً آخر مقصوداً بها، الطرف الذي كان ضحيةً لزمن الإستبداد، وهو الشعب العراقي الذي إستعاد حريته، والشرائح الأوسع منه والأكثر مظلوميةً، وهو يكافح الآن لأجل البقاء فيما غادرنا الإحتلال وإنسحب.

إن الإلتزام الذي يطالب به إحسان (رفع شعار المقاومة) بذريعة مقاومة المحتل، أي شعارات القاعدة وداعش والبعثيين. وتوجيه التُهم للفنانين بالإستسلام لكنه يكتشف وجود أعمال مميزة وذات مضامين (هادفة) و(لكنها بعيدة عن الهدف) ! تناقض مكشوف وتخبط (لقد كانت هناك ثمان لوحات إلاّ أنها عبّرت عن تصورات قد تكون مقبولةً عند المثقفين لو حاولوا فهمها كسفسطة بنيوية أو تجزئتها إلى رموز ومعادلات؟).

قبل قليل قرأنا أن الفنانين تركوا الواقع وإتجهوا الى الرموز والمعادلات والتجريد، والآن يرى أن اللوحات الثمان – الهادفة – مقبولة إذا تمت تجزئتها إلى رموز ومعادلات أو حاول المثقفون – من نمط إحسان – فهمها كسفسطة بنيوية.وأخيراً نتساءل لماذا وضع علامة إستفهام(؟) في آخر النص، فالنص لم يتضمن جملةً إستفهامية.

إكتشف أخيراً أن الفنانين قدموا ما يرونه مفهوماً لكنه لايفهم ولايريد أن يفهم ولا يرى إلاّ ما يريد أن يره وأن يُري الآخرين مايراه هو فقط كقول الفرعون لا أُريكم إلاّ ما أرى..(إن ما يؤشر الدورة الذاتية للفنانين المشاركين وجود خزين ذكي وأفكار عدة مع وجود فكر مُكتظ لذا فإن أول علامة نتحسسها هي كثرة المواضيع – figure- تداخلاً غير مشفوع بقواعد عقلية قادرة على الشد والتأثير وبما يترك اللوحة تعاني إختلاطات غير متناسبة) ص 194. نلاحظ إعتراف بمنجز من جانب وبحث عن ذرائع لتحجيم ذلك المنجز:

- وجود خزين ذكي وأفكار عدة.

– وجود فكر مكتظ وكثرة المواضيع.

أما الخلط ففي تعابير سفسطائية مثل (تداخلاً غير مشفوع بقواعد عقلية قادرة على الشد والتأثير....)

لقد إكتشفنا الإختلاطات غير المتناسبة في عقل إحسان وفيق فهو لايعرف الفرق بين ال- figure- الشخص وبين الموضوع subject، مثلما لايُفرق بين اللون الحار واللون البارد وبين السريالية والتكعيبية.

.....

إنه موقف جاهز للنقد بسبب إرتباط المعرض بمناسبة إحتفالية الحزب الشيوعي أولاً وعدد المشاركين والأعمال المميزة لبعضهم ثانياً.في الواقع أن الجهة المنظمة للمعرض وللمعرض التالي في الذكرى 73 أخذت بعين الإعتبار المباديء الأساسية لتقييم الأعمال الفنية التالية:

- حرية الفنان المشارك في إختيار موضوع وإسلوب وتقنية عمله الفني.

– إلغاء فرضية أن الفن الواقعي هو الفن التسجيلي فقط وإهمال أو رفض منجزات الحداثة وما بعد الحداثة.

– أن الدعوة موجهة لجميع الفنانين للمشاركة بغض النظر عن أفكارهم ومواقفهم من الماركسية ومن الحزب الشيوعي، أو عن المناسبة ولم يكن معرض ملصقات. 

وهكذا فإن العروض غير المقيدة، هنا،تكون قد عكست الرؤية الصحيحة من الفن ومن حرية التعبير، ولو حصل العكس لنشطت الأقلام (اللبرالية) في توجيه التهم للشيوعيين بالستالينية والجمود العقائدي.

غير أن إحسان ذهب إلى المعرض معبأً بفرضيات جاهزة لتوظيفها ضد الفنانين ومن هذه الفرضيات المطالبة بفن (إحتجاجي) ضد الوضع الجديد، حتى أنه إستنسخ أفكاراً وأمثلة، لمجرد المزايدة، تعود لما قبل الثورة الفرنسية كالإستشهاد بلوحة ديلاكروا(الحرية تقود الشعب) أو مقولة لينين عن الفن التحريضي غافلاً التطورات والتحولات التي عصفت بالفنون وبأساليب التفكير ومناهج وطرق التعبير. فلوحة ديلاكروا كانت نتاجاً لمرحلة الرومانسية التي سبقت الشعور الشعبي العام الذي سبق الثورة الفرنسية وينطبق ذلك على تفسير لينين لموقف الفن من الثورة وما بعدها وأن يتحدد التعبير بالواقعية فقط لأجل إيصال الأفكار – نعم الأفكار- لأوسع الطبقات الإجتماعية. ولانسطيع التقليل من أهمية المنجزات الواقعية والثورية التي أنتجها هذا الإتجاه لكن ينبغي عدم إغفال الشروط التأريخية المنتجة، فثمة شروط أُخرى مغايرة أنتجت فناً ثورياً بأساليب جديدة كما هو الحال في أعمال بيكاسو، والسرياليين والتجريديين والدادائيين وقد عدّت هذه الحركات من قبيل الإحتجاج والتمرد على الرأسمالية والحروب الإستعمارية. ولاينبغي الخلط في المفاهيم ولا توظيف المقولات لأغراض مضادة،كما يجري في كتابات البعثيين بالإستناد على مقولات ماركسية حتى في حملات الهجوم على الشيوعية والشيوعيين. 

 

شاكرحمد 

فنان تشكيلي وكاتب

 

في المثقف اليوم