كتب واصدارات

حزب الدعوة الإسيلامية وجدليات الإجتماع الديني والسياسي (4)

ali almomenشعارات للاستغفال: ترفع سلطة الأقلية الطائفية ـ غالباً ـ شعارات الوطن والوطنية ومحاربة الاستعمار؛ لاستغفال القواعد الشعبية وتسويغ أي ممارسات قمعية وتمييزية واستبداية تقوم بها وضمان بقائها في السلطة.

هذه الحقائق ترفضها النخبة السنية في البلدان الثلاثة المذكورة (العراق ولبنان والبحرين) وتنفيها بشدة؛ لأنها لا تنسجم مع مصالحها؛ فهي أقلية ذكية متمرسة في لعبة السلطة، وظلت تمسك بها طيلة مئات السنين؛ بالرغم من أن حاضنتها الاجتماعية تقل عن ربع سكان البلد، ولذلك تحتاج دائماً الى شعارات ومقولات دينية ووطنية وقومية تخديرية؛ تدفع بها الشارع الشيعي الى التضحية والصمت والعض على الجراح؛ مرةً بذريعة الدفاع عن بيضة الدولة الاسلامية؛ كما كان يحدث

خلال صراع الدولة العثمانية مع الغرب ومرة أخرى بذريعة الدفاع عن الوطن؛ كما كان يحدث خلال العهدين الملكي والجمهوري في العراق، ومرة ثالثة دفاعاً عن القومية العربية والبوابة الشرقية للوطن العربي؛ كما كان يحدث في العهد البعثي، وهي الذرائع التي انتهكت السلطات تحت ظلها كل حقوق الشيعة وكبدتهم ملايين التضحيات.

 

النخبة الشيعية

كما أن جزءاً مهماً من النخبة الشيعية يرفض الكشف عن هذه الحقائق ومقاربتها؛ لأنه يفضل أن يعيش حالة الاستغفال، أو التماهي مع شعارات السلطة؛ أما تصديقاً لها؛ من منطلق الحس الديني والوطني والقومي الحقيقي، أو رغبة في اعتزال السلطة ومتاعبها وتبعاتها، فمثلاً  الخوف من إسالة الدماء والحفاظ على الوحدة الإسلامية ومصالح الوطن العليا؛ تسببت جميعها في خسائر أكبر بكثير جداً؛ إذ خسر فيها شيعة العراق وطنهم وقوميتهم وأرواحهم وأعراضهم وأموالهم؛ طيلة (40 ) عاماً من الحكم الطائفي العنصري (1963 – 2003)؛ كما كانوا يخسرون دائماً في كل العهود.

 

الجماعات السنية

ويقود هذا الموضوع الى الحديث عن التأثر الحسي للشيعة بالحراك الإسلامي السني المعاصر، ففي العام 1928 تأسست جماعة الأخوان المسلمين في مصر، ومثلت منعطفاً مهماً في الفكر السياسي الإسلامي السني؛ إذ كانت الحركة الإسلامية الأولى في التاريخ السني التي تدعو لحكم إسلامي على أساس (الشورى)، وليس لحكم سلطاني يقوم على الموروث الفقهي السياسي السلطاني السني؛ الذي حكم الواقع السني منذ ملكية معاوية الأموي وحتى سلطنة عبد المجيد العثماني.

وتزامن تأسيس جماعة الأخوان مع نشاط جماعة النور في تركيا بقيادة بديع الزمان النورسي الذي تأثر فيه حسن البنا مؤسس الأخوان، وأعقب جماعة الأخوان تأسيس الجماعة الإسلامية في الهند بقيادة أبو الأعلى المودودي، ثم حزب التحرير في الأردن على يد تقي الدين النبهاني عام 1953؛ الذي كان هو الآخر حركة سنية إسلامية تعارض الموروث السلطاني السني وتدعو لخلافة (راشدة)، إضافة الى جماعات إسلامية حركية سنية في بلدان أخرى، إلا أن ما كان يميز جماعتي الأخوان والتحرير هو فكرهما الحركي العميق وعالميتهما؛ بينما كانت الجماعات الإسلامية السنية الأخرى حركات محلية أو نضالية.

 

بين “الإخوان” و”التحرير”

وحيال ذلك؛ كانت النخب الدينية الشيعية العربية تنظر بإعجاب لجماعة الأخوان المسلمين وحزب التحرير؛ بالنظر لدعوتهما الدينية الفكرية الحركية المتجددة، وخطابهما التأصلي العصري القائم على تطبيق الشريعة الإسلامية بأدوات حديثة، وبنيتهما التنظيمية القوية التي تقارب بنى الأحزاب العلمانية الايديولوجية في رصانتها وهيكليتها، وعالميتها، وبعدهما عن الحالة التقليدية في الفرز الطائفي التي تتميز بها الجماعات السنية حيال الشيعة.

ولكن لم تتخلص هاتان الجماعتان من موروث الاجتماع الديني والسياسي الطائفي؛ الأمر الذي دفع معظم الإسلاميين الشيعة المتأثرين في هاتين الجماعتين؛ لاسيما في العراق والكويت ولبنان والبحرين؛ الى مفارقتهما؛ بعد التنبه الى انتمائهما الى ذلك الموروث الطائفي، والمضي بإيجاد البديل الإسلامي الشيعي المشابه تقنياً.

 

امتداد تاريخي

ولذلك جاء تأسيس حزب الدعوة الإسلامية مستجيباً في مضمونه لمتطلبات الواقع الشيعي ذي الامتداد التاريخي، ومتأثراً في الجانب الشكلي بحركية جماعة الأخوان المسلمين وحزب التحرير؛ أي أنه ليس تأثراً بالمعنى الفقهي والفكري؛ بل بمعنى تلمس غياب العمل الشيعي المشابه، في الوقت الذي كان الواقع الشيعي بأمس الحاجة إليه. وبالرغم من هذا التشابه الشكلي؛ إلا أن حزب الدعوة الإسلامية من خلال القوة الفكرية لمؤسسيه وأعضائه الأوائل من الشباب العشريني والثلاثيني، وحماستهم العالية، وعملهم الدؤوب، واحتمائهم بالسلطة الدينية الشيعية العليا، واستثمار النسبة السكانية للشيعة؛ باعتبارهم الأكثرية العددية في العراق ولبنان والبحرين؛ استطاع تجاوز جماعة الأخوان وحزب التحرير بمراحل متقدمة كبيرة من حيث العدة والعدد في هذه البلدان الثلاثة.

 

أهداف الحزب

ويمكن اختصار الأهداف التاريخية العملية لتأسيس حزب الدعوة الإسلامية؛ وهي الأهداف الخاصة؛ غير المثبتة في أدبيات الحزب؛ بثلاث نقاط جوهرية:

-1 إيجاد نخبة إسلامية شيعية في العراق والبلدان العربية والإسلامية ذات الأغلبية السكانية الشيعية أو التي توجد فيها كثافة سكانية شيعية؛ تعمل على تغيير الواقع الثقافي والفكري؛ وصولاً الى استلام السلطة وتأسيس دولة إسلامية تحكم بالشريعة الإسلامية.

-2 مواجهة الأفكار والأحداث والجماعات السياسية العلمانية والأنظمة الحاكمة في العراق والبلدان الإسلامية؛ لاسيما المد القومي البعثي والناصري والمد الشيوعي والحكومات الملكية والجمهورية.

-3 تأسيس تنظيم إسلامي شيعي عقائدي عالمي؛ على غرار الأحزاب الإسلامية السنية، والأحزاب الماركسية، والأحزاب القومية العربية والكردية؛ لسد الفراغ التنظيمي في الساحة الشيعية؛ العراقية خصوصاً، والعربية عموماً.

 

المؤسسون الأوائل

كانت الشخصية الأبرز التي ارتبط الحراك الإسلامي الجديد باسمها؛ هو الفقيه والمفكر الشاب السيد محمد باقر الصدر، الذي مثل أنموذجاً نادراً لعلماء الدين، أما السيد محمد مهدي الحكيم الى جانب مجموعة الحزب الجعفري: عبد الصاحب دخيل، محمد صادق القاموسي وحسن شبر، إضافة الى السيد طالب الرفاعي؛ فهم أصحاب فكرة إنشاء الحزب الاسلامي الشيعي، والذي حمل اسم حزب الدعوة الإسلامية فيما بعد، وفي هذا الصدد يقول السيد محمد مهدي الحكيم: ان “فكرة تأسيس حزب اسلامي طرحت خلال العام 1956، واستمرت التحركات والاجتماعات التحضيرية أكثر من سنة، تباعدت فيها الأفكار وتقاربت، وتراجعت شخصيات وثبتت أخرى، وحتى تم في النهاية الاتفاق على شكل العمل وطبيعة تحركه”.

 

إشكالية إقامة الحكومة الإسلامية

ويتابع السيد الحكيم: “كانت أول قضية طرحت على طاولة البحث (قبل التأسيس) هي: “مشروعية قيام الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة”؛  فكتب آية الله السيد محمد باقر الصدر (وهو الفقيه الوحيد بين مؤسسي الحراك الجديد) دراسة فقهية برهن فيها على شرعية قيام الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة، وكانت هذه الدراسة أول نشرة حزبية تتبناها “الدعوة”.

ويضيف السيد محمد مهدي الحكيم أنه “عرض فكرة تأسيس الحزب في عام 1956 على السيد طالب الرفاعي وعبد الصاحب دخيل ومحمد صادق القاموسي؛ فكان الأربعة يعقدون الاجتماعات التداولية الأولى لفكرة الحزب، ثم اقترح السيد طالب الرفاعي مفاتحة السيد محمد باقر الصدر؛ فوافق على الفور، حين طرح عليه السيد مهدي الفكرة، ثم اقترح السيد الصدر ضم السيد مرتضى العسكري للعمل (وكان يقيم في الكاظمية)، حيث فاتحه بذلك من خلال رسالة حملها إليه السيد مهدي الحكيم، ثم تمت مفاتحة السيد محمد باقر الحكيم ومحمد صالح الأديب والسيد حسن شبر والدكتور جابر العطا.

 

اجتماعا النجف وكربلاء

لقد استمرت مداولات تأسيس الحزب بين أصحاب الفكرة وأقرانهم الذين انفتحوا عليهم حتى أواسط عام 1957، و خلال الفترة من تموز وحتى أيلول 1957 عقد أكثر من اجتماع تأسيسي تحضيري في النجف الأشرف، معظمها في بيت السيد محمد باقر الصدر، وكان آخرها هو الاجتماع التأسيسي الذي سبق اجتماع أداء القسم في كربلاء.

وفي تشرين الأول عام 1957 (ربيع الأول 1377هـ) عقد اجتماع أداء القسم في دار إقامة المرجع الديني الإمام السيد محسن الحكيم في كربلاء؛ بحضور سبع شخصيات: السيد محمد باقر الصدر، السيد محمد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، محمد صادق القاموسي، السيد مرتضى العسكري، السيد محمد باقر الحكيم ومحمد صالح الأديب، وغياب ثلاث أخرى من المؤسسين: السيد طالب الرفاعي والسيد حسن شبر والدكتور جابر العطا، وهو الاجتماع الذي يعده بعض مؤسسي “الدعوة” آخر الاجتماعات التأسيسية، فيما يعتبره مؤسسون آخرون اجتماعاً لأداء القسم، وأن الاجتماع التأسيسي النهائي كان في النجف الأشرف وسبقه بشهر تقريباً، ومن هنا؛ فإن بعض الشخصيات كان من المؤسسين ومن الملتحقين بالتأسيس؛ مرده الى وجود اجتماعين، أحدهما في النجف الأشرف هو التأسيسي والثاني في كربلاء وهو لأداء القسم.

 

الرواية الرسمية

والرواية الرسمية لحزب الدعوة؛ التي يثبتها محمد صالح الاديب والسيد حسن شبر (بالرغم من أن الأديب لم يحضر اجتماع النجف وحضر اجتماع كربلاء، بينما حضر شبر اجتماع النجف ولم يحضر اجتماع كربلاء)؛ فتعد اجتماع كربلاء تأسيسياً نهائياً؛ لأن المؤسسين أدوا فيه القسم؛ ولأن الحزب حدد يوم 17 ربيع الأول 1377هـ الذي يوافق 12 تشرين الثاني 1957؛ تاريخاً لانبثاقه؛ ولكن هذا لا يعني أن بعض المؤسسين الذين لم يحضروا اجتماع كربلاء هم ليسوا من المؤسسين؛ وهو حال السيد طالب الرفاعي والسيد حسن شبر والدكتور جابر العطا دون غيرهم؛ والعكس صحيح بالنسبة لاجتماع النجف التأسيسي.

- يتبع –

 

 بقلم: د. علي المؤمن

 

في المثقف اليوم