كتب واصدارات

حزب الدعوة الإسلامية وجدليات الإجتماع الديني والسياسي (5)

ali almomenتكامل روايات التأسيس: إن التعدد في الروايات التي يذكرها مؤسسو الحزب ورواده وتشكيلته القيادية الأولى حول زمان ومكان تأسيس الحزب؛ يعود الى أن الاجتماعات التأسيسية استمرت من العام 1957 الى العام 1958، بل يعتقد بعضهم أن الاجتماعات التمهيدية والتأسيسية استمرت من العام 1956 وحتى العام 1959، إلّا أن التاريخ الدقيق ـ وفقاً للمعطيات التي حصلت عليها من خلال مقابلاتي مع بعض مؤسسي الحزب وقادته وأعضائه الأوائل؛ لاسيما السيد حسن شبر والسيد محمد مهدي الحكيم وكثيرون غيرهما ـ هو أن الحزب تأسس في أواخر العام 1957، وأن اجتماعي النجف الأشرف وكربلاء هما اجتماعان تأسيسيان، وأن من حضر أحدهما يعد من المؤسسين.

 

المؤسسون العشرة لحزب الدعوة الإسلامية

ونخلص الى النتيجة التالية؛ بأن المؤسسين العشرة لحزب الدعوة الإسلامية؛ على وفق معطيات وجودهم في مرحلة التأسيس العام 1957، وحضورهم أحد اجتماعي النجف الأشرف وكربلاء؛ هم:

1- السيد محمد باقر الصدر: عالم دين، 22 عاماً، مواليد الكاظمية العام 1935، كان يدير معظم الاجتماعات التحضيريـــة والاجتماعين التأسيسيين، ويعد منظر حزب الدعوة والأبرز بين المؤسسين؛ باعتباره مجتهداً ومفكراً، ومحل ثقة علمية وفكرية وشخصية لدى المرجعيات الدينية النجفية والحوزة العلمية والوسط الثقافي الديني، وهو الذي كتب أسس حزب الدعوة وأطلق عليه اسم “الدعوة الإسلامية”.

2- السيد محمد مهدي الحكيم: عالم دين، 22 عاماً، مواليد النجف الأشرف عام 1935، وهو أول من فاتح الآخرين بفكرة الحزب، وتكمن أهميته المعنوية والاجتماعية في كونه نجل المرجع الأعلى للشيعة الإمام السيد محسن الحكيم؛ فضلاً عن علاقاته الدينية والاجتماعية والسياسية الواسعة، وكان السيد محمد باقر الصدر يميزه بدروس فقهية وأصولية خاصة، وبذلك فهو يمثل حلقة تأثير مهمة بين أبيه الإمام الحكيم والسيد محمد باقر الصدر.

3- السيد مرتضى العسكري: عالم دين، 43 عاماً، مواليد سامراء عام 1912، وهو أول من أدى القسم؛ باعتباره أكبر حضور اجتماع كربلاء سناً، وهو مؤلف وباحث معروف، وصاحب حضور مهم في الوسط العلمي والاجتماعي في بغداد حيث كان يقيم.

4- عبد الصاحب دخيل: ناشط اسلامي وتاجر، 27 عاماً، مواليد النجف الاشرف العام 1930، يمتلك وعياً حركياً مميزاً وخبرة في العمل التنظيمي الإسلامي؛ لأنه أسس مع آخرين “الحزب الجعفري” قبل عدة سنوات.

5- محمد صادق القاموسي: ناشط إسلامي وإداري وشاعر، 35 عاما، ولد في النجف الأشرف العام 1922، تكمن أهميته في قربه من الفقيه المصلح الشيخ محمد رضا المظفر وعمله معه، فضلاً عن وعيه السياسي وخبرته في العمل التنظيمي الإسلامي؛ لاشتراكه في تأسيس “الحزب الجعفري” سابقا.

6- محمد صالح الأديب: ناشط اسلامي ومهندس زراعي، 25 عاماً، مواليد كربلاء العام 1932، كانت له خبرة تنظيمية سابقة في “منظمة الشباب المسلم”.

7- السيد محمد باقر الحكيم: عالم دين، 18 عاماً، مواليد النجف الأشرف العام 1939، وهو أصغر المؤسسين سناً، وهو نجل المرجع الأعلى الحكيم والتلميذ المقرب للسيد محمد باقر الصدر، وكان الانتماء الأسري للإمام الحكيم والعلاقة الخاصة بالسيد الصدر تميز ان السيد محمد مهدي والسيد محمد باقر عن باقي المؤسسين.

8- السيد طالب الرفاعي: عالم دين، 29 عاما، مواليد الناصرية العام 1928، كان متميزاً في وعيه الحركي؛ بسبب علاقاته بالأحزاب الإسلامية السابقة في تأسيسها؛ كجماعة الاخوان المسلمين وحزب التحرير.

9- السيد حسن شبر: محام وناشط إسلامي، 28 عاما، مواليد النجف الأشرف العام 1927، كان يتميز باختصاصه الأكاديمي في القانون، وخبرته التنظيمية السابقة في الحزب الجعفري.

10- الدكتور جابر العطا: طبيب وناشط اسلامي، 29 عاما، مواليد النجف الأشرف العام 1928.

مع التأكيد على أن السبعة الأوائل حضروا اجتماع أداء القسم في كربلاء، والثلاثة الأخيرين ( الرفاعي وشبر والعطا)؛ حضروا اجتماعات النجف الأشرف التأسيسية التي سبقت اجتماع كربلاء. وكانت أسباب عدم حضورهم اجتماع كربلاء تعود الى السفر والعمل الطارئ.

 

الحزب الجعفري

ولابد من الإشارة هنا الى الدور المركزي الذي لعبته ما كانت تعرف بـ”مجموعة الحزب الجعفري”: عبد الصاحب دخيل ومحمد صادق القاموسي والسيد حسن شبر في تأسيس حزب الدعوة؛ فهذه المجموعة كانت منسجمة في حركتها وأفكارها، وكانت تحمل فكرة تأسيس حزب اسلامي منذ أوائل الخمسينات، وكانت لديها تجربة الحزب الجعفري الذي تأسس العام 1952، ثم تم حله بعد سنة تقريبا؛ً نتيجة الضغوطات داخل منظومة الاجتماع الديني النجفي بكل تعقيداتها، وظلت فكرة الحزب تختمر في عقل المجموعة؛ حتى تمت المفاتحة بين السيد مهدي الحكيم وعبد الصاحب دخيل، وكان من الطبيعي أن يتداول عبد الصاحب دخيل الفكرة مع محمد صادق القاموسي وحسن شبر خلال العامي 1956 و 1957، وعندها كان الشغل الشاغل لهذا الثلاثي هو الدفع باتجاه تفعيل فكرة تأسيس الحزب.

وهناك من يطرح إشكالاً حول اشتراك المحامي حسن شبر والدكتور جابر العطا في تأسيس “الدعوة”، ولكن القرائن تؤكد أن حسن شبر وجابر العطا كانا في أجواء التحضير واجتماعاته منذ عام 1956، وظلا متواصلين معه في فترة اجتماع أداء القسم في كربلاء في تشرين الأول 1957؛ لكنهما لم يحضراه، كما لم يحضره السيد طالب الرفاعي؛ لانشغالهم في سفر ضروري وعمل طارئ،و هو ما أكده لي السيد حسن شبر أكثر من مرة.

 

أجواء التأسيس

وهناك شخصيات كانت موجودة أيضا في أجواء التأسيس منذ البدايات الأولى؛ ولكنها كانت تبتعد مرة وتقترب أخرى، أو أنها كانت تشارك بشكل مساعد وليس مركزياً، وبالتالي لم تحضر اجتماع النجف التأسيسي الأول الذي سبق اجتماع كربلاء، كما لم تحضر اجتماع كربلاء؛ فلم تعد من المؤسسين؛ كالسيد محمد بحر العلوم والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ عبد الهادي الفضلي وغيرهم، ولكن بعد التأسيس أصبح لها وجود مؤثر في “الدعوة”، وهناك من يرى أن مرحلة التأسيس استمرت حتى العام 1959؛ فيضع بعض الدعاة الأوائل الذين التحقوا العام 1959 ضمن المؤسسين؛ وأبرزهم المهندس محمد هادي السبيتي؛ أي أن السبيتي انتمى الى الحزب بعد حوالي سنتين من تأسيسه.

 

رؤية الرفاعي

ويعتقد السيد طالب الرفاعي ـ مثلاً ـ بأن كل اجتماعات حزب الدعوة التحضيرية والتأسيسية كانت في النجف حصراً، ولا وجود لاجتماع كربلاء الذي تم فيه أداء القسم، وأن الحزب تأسس بعد انقلاب 14 تموز 1958، وهو ما ذكره في كتابه ((أمالي السيد طالب الرفاعي))، والسبب يعود الى أن السيد طالب الرفاعي لم يحضر اجتماع اداء القسم في كربلاء، وأنه أدى القسم في النجف الأشرف بحضور السيد محمد باقر الصدر بعد اجتماع كربلاء بسنة تقريباً؛ أي بعد انقلاب 14 تموز 1958؛ ولذلك يقرن تاريخ تأسيس حزب الدعوة بأدائه القسم شخصياً.

 

اجتماع كربلاء

أما اجتماع كربلاء فقد وثّقته توثيقاً مباشراً نقلاً عن ثلاثة ممن حضروه: السيد محمد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الحكيم وصالح الأديب، كما وثقه السيد حسن شبر عن جميع السبعة الذين حضروه توثيقاً تفصيلياً، كما دوّنه في بحوثه عن حزب الدعوة، وهو ما تقره أدبيات حزب الدعوة الرسمية بمزيد التفصيل، والمفارقة أن السيد طالب الرفاعي أشاد برواياتي في كتاب “سنوات الجمر” خلال لقائي به، وأبدى رضاه عن إنصافي لدوره؛ لأني أول من ذكر دوره في التأسيس والإنطلاق.

ثم قرأت بدقه ما ذكره السيد الرفاعي في أماليه، ولا بد من أن يكون كلامه دراية وليست رواية؛ لأن الرفاعي كان فاعلاً أساسياً في مشهد التأسيس منذ اللحظة الأولى لنشوء الفكرة خلال العامي 1956 و1957؛ فوجدت تعارضاً في بعض تحليلاته عن مرحلة التأسيس مع ما سمعته ودونته على لسان السيد محمد مهدي الحكيم والسيد محمد بحر العلوم والسيد محمد باقر الحكيم والسيد حسن شبر وآخرين، وقد ذكر لي السيد محمد بحر العلوم والسيد حسن شبرـ بشيء من الاستغراب ـ ما يتعارض مع ما ذكره السيد الرفاعي في رواية التأسيس؛ بل عبّر السيد محمد بحر العلوم في لقائي به العام 2013 عن انزعاجه من مصادرة السيد طالب الرفاعي لدوره وأدوار الآخرين وإلغائه بعض الوقائع.

 

رواية الكوراني

ومن جانبه؛ يؤكد الشيخ علي الكوراني وآخرون بأن مرحلة تأسيس حزب الدعوة وانطلاقه هي مرحلة “عبد الصاحب دخيل” بامتياز، كما يؤكد المؤسس السيد حسن شبر بأن محمد هادي السبيتي التحق بهم بعد سنتين من التأسيس؛ وتحديداً في العام 1959، وتعارض روايتا شبر والكوراني مع رواية عز الدين سليم الذي يعتقد بأن محمد هادي السبيتي كان في أجواء التأسيس، وإن فضل الانطلاق والتبلور يعود إليه، وأن “دخيل” كان الرجل الثاني.

- يتبع –

 

بقلم: د. علي المؤمن

 

في المثقف اليوم