كتب واصدارات

إشكالية التراث- والحداثة في الفكر العربي المعاصر باكورة أعمال محمد حسين الرفاعي

902-husanصدر عن مؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث"- الرباط، كتاب "إشكالية التراث- والحداثة في الفكر العربي المعاصر- مقدمة نظرية في قراءة المعرفة السوسيولوجية الآتية إلينا من بلدان العلم في الغرب (دراسة في إبستيمولوجيا السوسيولوجيا)"، للباحث العراقيّ محمَّد حسين الرفاعي. وهو الجزء الأول من ثلاثية يعد بها الرفاعي تدرس (إبستمولوجيا السوسيولوجيا).

ويعتبر الكتاب الأول من نوعه في تناول موضوع في الفكر العربي المعاصر. إنه الكتاب الأول، لا في موضوعه (كونه موضوعاً مستهلكاً بشكل كبير)، بل في منهجه، ومنطق فهمه، وتوجُّهه، وحقل الفهم الذي يقدمه بشأن الإشكالية.

يقع الكتاب كله في لحظة المقدمة، ولا يغادرها، وهو بحث قائم فوق البحث. (فوق البحث) أي فوق النظرة الشائعة للأبحاث الآكاديمية، والعلمية، من جهة، وفوق كيفية قيام البحث العلمي، والآكاديمي، من جهة أخرى. فهو لا يقع ضمن الإضافة المعرفية، بقدر ما يقع ضمن كيفية الإضافة المعرفية.

902-husanوعن ذلك يوضح محمَّدحسين الرفاعي، بصرامة علمية: "هذه الإشكالية المهمة -والمعقدة تخضع هنا، لأول مرة في الكتابة باللغة العربية، للفحص الإبستيمولوجي.. التعقيد فيها يتطلب ألاّ نوحي بالبساطة، أو أن نسأل ونناقش بسطحية عنه، حينما يكون الأمر هو بذاته معقدٌ، وبالتالي يتطلب التعرف إليه بالتعقيد ذاته الذي من شأنه؛.. لأول مرة تخضع في الكتابة باللغة العربية للفحص الإبستيمولوجي، وذلك لأن كل التناولات للإشكالية في الفكر العربي المعاصر، تناولتها وتتناولها:

إما في حقل الفكر، أو في حقل الآيديولوجيا، أو في حقل العلم.. وكل الدعوات المتعلقة بالدراسة الإبستيمولوجية عن الإشكالية، بقيت مجرَّد دعوات؛ نجدها عند زكي نجيب محمود، في مؤلفه "تجديد الفكر العربي"، وعند فؤاد زكريا، في مؤلفه "الصحوة الإسلامية في ميزان العقل"، عند أدونيس، في مؤلفه "الثابت والمتحول"، وعند صادق جلال العظم، في مؤلفه "نقد الفكر الديني"، وعند محمد عابد الجابري، في مؤلفه "نحن والتراث"، و"التراث والحداثة"، وعند محمد آركون، في مؤلفه "الفكر الإسلامي: قراءة علمية"، وعند جورج طرابيشي، في مؤلفه "هرطقات".. هذه هي الكتب التي وعت ضرورة الوعي الإبستيمولوجي للإشكالية؛ بيد أنها، كلها، من دون إستثناء، بقيت دعوات إلى ممارسة إبستيمولوجية حول إشكالية التراث- والحداثة، ولم تبلغ، بعد، مستوى الممارسة الإبستيمولوجية بالفعل": (الكتاب، مقدمة للمقدمة).

يقع الكتاب إذن في حقل فهم معرفيٍّ يفوق الصراع المعرفي: "... فإن الممارسة الإبستيمولوجية، هنا، لابد من أن تؤدي إلى إحداث أزمة علمية (Scientific Crisis) في الوعي العربي المتعلق بفهم العلم، وبتناول العلم، وبممارسة العلم.. نقول: أزمة علميّة، لأن البحث يقع خارج العلم السائد والشائع في بلداننا؛ فإذن كيف يُحْدِث أزمة؟ من خلال حقل الفهم المختلف الذي يقدمه؛ والمنحى المختلف في رؤية إشكالية التراث-والحداثة، واللغة المختلفة في التعبير عن الأشياء العلمية Scientific Things": .(الكتاب، مقدمة للمقدمة)

وينقسم الكتاب إلى قسمين؛ كل قسم يتضمن محطة من المحطات التي يتوقف عندها البحث، أيُّ بحث، ضمن التفكير الذاهب، أولاً، وفوق كل شيء، إلى بناء فهم، وإعادة بناء الفهم، بشأن التساؤلات المطروحة في الفكر العربي. إنه والحال هذه، ينقسم إلى: القسم الأول: فكرة البحث، ومضمون الفكرة النظري، والقسم الثاني: معاينة فكرة البحث، والذهاب إلى المعايَن.

كل قسم يتضمن فصلين؛ وفقاً لما يقوله موضوع البحث. ولكن، ماذا يقول موضوع البحث؟ "نطلق تسمية "إشكالية الإشكاليات" على إشكالية التراث – والحداثة. وذلك نابع من رؤية ومنطلق ومنحى في رؤية الحركة في عالم الفكر والعلم في بلداننا العربية، من خلال موقع إبستيمولوجي يقع فيه البحث هذا والباحث، من أجل تبيانِ حضور الإشكالية في الفكر العربي بمختلف اتجاهاته وتوجهاته وتفرعاته وتشعباته، من جهة، ومن جهة أخرى، وبعد وعي حضور إشكالية الإشكاليات: إشكالية التراث- والحداثة، تقديمِ وعي بالإشكالية، بوصفها العقبة الأساسية في وجه التعرف إلى العلم المنتقل إلينا من الغرب": (الكتاب، القسم الأول، الفصل الأول).

وفي سبيل وعي العقبة المعرفية التي أدت إلى وقوع النتاج الفكري داخلها، والتي وضعت الفكر العربي السوسيولوجي المعاصر داخل الانحطاط المعرفي، منذ قرنين من الزمان، لابُدَّ "يسبق وعي الفكر العربي، وعيَ حضور الفكر العربي داخل إشكالية التراث –والحداثة؛ وعليه، فإن الوعي الذي يُبنى في تلك اللحظة التي يتعرف فيها العقل على الفكر العربي، يسبق الوعي الذي يُبنى بـ[إشكالية التراث – والحداثة]، وبـ[تضمُّنِها] لمختلف النتاجات الفكرية العربية" (: الكتاب، القسم الأول، الفصل الثاني).

في الفصل الثاني، يضع الباحث كليَّةَ المفهوم، والموضوع، والإشكالية، أمام الفهم؛ يضعها أمام التساؤل، ووعي التساؤل من خارجها. "فإذا كان التساؤل العلمي، في العلوم المجتمعية والإنسانية، ومن ضمنها السوسيولوجيا، يضع نصب أعينه، وضمن مهماته الوصول إلى نظرية حول الإنسان في أنَّه وفي كيف أنَّه؛ وذلك عن طريق التجريد العلمي الذي يتضمن مفاهيم علمية تفهم وتبني فهماً بـ[الإنسان- في- أنه- إنسان]، وبـ[الإنسان- في- أنه- كيف- إنسان]؛ فإن التساؤل الإبستيمولوجي الذي يتعلق بالتساؤل العلمي في العلوم المجتمعية والإنسانية (ونحن هنا نشير إلى مهمة إبستيمولوجيا السوسيولوجيا) يضع التساؤل عن الفهم [في أنه فهم]، وعن الفهم [في كيف أنه فهم].. عن [فهم- الإنسان- في- أنه- فهم- للـ - إنسان]، وعن [فهم- الإنسان- في- أنه- كيف- فهم- للـ - إنسان]؛ المتعلق (أي الفهم) أساساً بالإنسان في أنه، وبالإنسان في كيف أنه": (الكتاب، القسم الأول، الفصل الثاني).

يحمل الباحث، في الفصل الثالث، الوعي الإبستيمولوجي، ويذهب به إلى حقل الفكر العربي السوسيولوجي المعاصر. فماذا يجد؟ يجد ذهاباً إلى الماضي، لا يبرره الواقع، وذهاباً إلى الحاضر لا يبرره الواقع، وذهاباً إلى المستقبل لا يبرره الواقع، في المفهوم، وفهم المفهوم العلمي، وكيفية فهم المفهوم العلمي. "فمع التصور الآيديولوجيِّ لـ[الزمان- في- موضوع- العلم]، يَحِلُّ ظرفاً زمانياً ما، والذي من شأن الآيديولوجيا، والذي تضعه الآيديولوجيا وتريد أن يوضع محل ماهيَّة بنية موضوع العلم، محل ماهية بنية موضوع العلم؛ فيُشكِّل هذا الظرف [ماهية- بنية- موضوع- العلم- في- كليَّتها].. أي يصبح ما هو في ماهيته طارئاً- مؤقتاً- زمانياً- ظرفياً، يصبح، من خلال ما تريده الآيديولوجيا من [الزمان-في-موضوع-العلم]، دائماً-وأبدياً- وثابتاً في موضوع العلم، وموضوع الفكر. ويصبح ظرفاً ما، كان في الواقعيِّ، هو الظرف الدائم.. فينتقل من حيث كونه ظرفاً، إلى كونه بنية": (الكتاب، القسم الثاني، الفصل الثالث).

"فمع استبدال الزمان والمكان- في- الواقعيِّ اللذين يُعتبران أساسيْن يقوم عليهما الواقعيُّ في تجليه في حقل موضوع العلم، يستبدل موضوع العلم بموضوع غيره.. فيصبح موضوع العلم في بلدان العلم في الغرب، موضوعاً داخل حقل موضوع العلم الخاص ببلداننا؛ ومع هذا الإستبدال الذي يؤدي إلى حجب غياب العلم عندنا، يستبدل [العلمُ بالواقعيِّ]بـ [العلم بما موجود من أفكار علمية أساسية في الغرب] لم تُنتجْ ولم تَظهرْ إلاّ في تعالقها الصريح والواضح بـ[المكان في الواقعيِّ]، وبـ[الزمان-في-الواقعيِّ] الخاصّين بتلك البلدان في الغرب": (الكتاب، القسم الثاني، الفصل الثالث).)

أما في الفصل الرابع، فيقدم الباحث تساؤلاً في وعي الإشكالية داخل المفاهيم العلمية. "بعد حضور الوعي بالفكر العربي، في اللحظة المعرفية الأولى، من البحث، وبعد حضور الوعي بإشكالية التراث – والحداثة، وحضور الفكر العربي داخلها، في اللحظة المعرفية الثانية، من البحث، وبعد وعي غياب التساؤل عن العلم، وممارسته، بواسطة إشكالية التراث – والحداثة، في اللحظة المعرفية الثالثة، من البحث، نطرح هنا وهم الفهم الذي يقدمه الفكر العربي في فهمه للمفاهيم العلمية الخاصة بعلم الإجتماعي السياسي": (الكتاب، القسم الثاني، الفصل الرابع).

يتضمن التساؤل، ويقوم على أرضية: "إنَّ التَساؤلَ الذي يجري في النتاج المعرفي-العلمي العربي، في العلوم المجتمعية والإنسانية، وفي النتاج الفكري العربي، في إشكالية التراث- والحداثة، ليس تساؤلاً عن، ولا يتضمن البحث والتفتيش عن، الإشكاليَّة بوصفها موضوعاً عند الممارسات الفكرية والمعرفية- العلمية في العالم العربي، بل أنه، يبحث عن الكشف عن وقوع الممارسات العلمية والفكرية المختلفة في العالم العربي، في سبيل فهمها للمفاهيم العلمية الآتية إلينا من بلدان العلم في الغرب، داخل الإشكالية": (الكتاب، القسم الثاني، الفصل الرابع).

فإلى أين تؤدي عملية بناء التساؤل بشأن الإشكالية، وبشأن المفاهيم العلمية داخل الإشكالية، وإعادة بنائه؟

يخرج العلم إلى أن يكون في خدمة الفكر، أداةً له ووسيلةً بيده، وبالضبط في خدمة وجود الفكر، وإستمراره في الوجود. فيجد الملاحظ: الباحث الإسلامي الذي يبذل قصارى جهده في إثبات أن المفاهيم العلمية التي تأتي إلينا من الغرب، تحتاج إلى الأسلمة؛ والباحث الليبرالي أو العلماني يبذل قصارى جهده في سبيل إثبات أنه يجب الأخذ بالمفاهيم العلمية الغربية؛ والباحث الشيوعي في سبيل إثبات أن المفاهيم الماركسية، والتفسير الماركسي والمعالجة الماركسية، والمنهج الديالكتيكي الماركسي، لا بُدَّ من أن يُطبق/ تُطبق على الواقعيِّ- المجتمعيِّ في بلداننا العربية؛ والباحث القومي في سبيل إثبات أنه يجب أن نأخذ بالمفاهيم العلمية الغربية في سبيل وحدة قطرية عربية، وحدة قومية عربية، وحدة عربية؛ والباحث الـ [بين- بين] يبذل قصارى جهده في الأخذ بالمفاهيم العلمية الغربيةوضرورة تكييفها وتبيئتها لتناسب وتلائم الواقعيِّ المجتمعيِّ في بلداننا...إلخ": (الكتاب، القسم الثاني، الفصل الرابع).

بشأن المهمة المعرفية الأساسية للكتاب، يبين محمَّدحسين الرفاعي ذلك، في رسالة خاصة إلى المفكر العراقي عبدالجبّار الرفاعي، قائلاً: "حينما يكون تناول العلم هو المسألة، وحينما يكون العلم هو التساؤل القائم برأسه، ومتى ما جعلنا من العلم بالإنسان والمجتمع قضيّةَ جيل، أو أجيال بأكملها، لا يمكن ان نكون إلاّ أمام تلك العقبات التي حالت دون قيام تساؤل العلم في مجتمعاتنا.

إنه كتاب يسعى للتأسيس، من أجل [إستنهاض- تساؤل- العلم]؛ وهو حصيلة ست سنوات من الجدل والتجربة العلمية المُعاشة مع المفكرين والعلماء والأساتذة الجامعيين، في بلداننا العربية.

وفي حال كهذه، يكون هذا الكتاب في موقع يتناول العقبة الأساسية في وجه قيام التساؤل.

إنه الجزء الاول من مشروع معرفي تأسيسي: [استنهاض- تساؤل- العلم]، في حقل العلم بالإنسان والمجتمع، في بلداننا العربية

ويشير الرفاعي قائلا "لقد قُدِّم هذا الكتاب بجزئين إلى المطبعة، وكان من المفروض أن يصدر عن "المركز الثقافي العربي"، بالتعاون مع "مؤسسة مؤمنون بلا حدود"؛ ولكن، جملة قضايا إجرائية حالت دون صدور الجزأين في نفس الوقت"، مضيفا "يأتي الجزء الثاني منه، بعد أشهر، كما أخبرتني المطبعة. وهو هدية الى الأساتذة الذين تعلمت معهم معاني العلم، والوجود: استاذنا د. عبدالجبار الرفاعي، د. فالح عبدالجبار ، د. عبدالله ابراهيم، د. حسن الضيقة، د. سعود المولى، د. نظير جاهل، د. سميح دغيم، د. فردريك معتوق... إلخ. والى عبدالله العروي، ود. عبدالسلام بنعبد العالي. وأخيراً: الى روح محمد عابد الجابري، وجورج طرابيشي. ... انه كتاب من أجل جيل بأكمله؛ إنه في قلب المستقبل."

أما حول الكتاب، ومهمته المعرفية، فقد قال العلاّمة السيد محمد حسن الأمين، في وقت سابق، بشأن الباحث وأبحاثه: "على غزارة مطالعاتي، وتنوعها؛ فإنني للمرة الأولى أتلمس بوضوح الحدود الفاصلة بين العلم، وبين فلسفة العلم، وبين الإبستيمولوجيا. طالعت أبحاث الباحث أكثر من مرة.. هذا بحث عميق ودقيق يتطلب مطالعة متأنية". وبشأن الباحث والبحث، قال د. فردريك معتوق، عالم وأستاذ جامعي لبناني في سوسيولوجيا المعرفة: "إننا، مع هذا البحث والباحث، في لحظة تأسيسية داخل العلم، والفكر، في العالَم العربي، مهمة للغاية.. إنها لحظة تشبه كثيراً لحظة تأسيس السوسيولوجيا، إذ إن محمَّدحسين الرفاعي يُعتبر رائداَ ومؤسساً لحقل إبستيمولوجيا السوسيولوجيا في العالَم العربي".كما شرح د. سعود المولى، وهو عالم إجتماع لبناني، ومتخصص في علم الإجتماع السياسي: "هذا البحث ينحو منحى تأسيسيَّاً في مجاله، ويفتح آفاقاً معرفية لأبحاث مكملة، ومتجاوزة له... إنه كتاب يقوم على أرضية علمية تم بناؤها بواسطة كبار الأساتذة الجامعيين في الجامعة اللبنانية- معهد العلوم الإجتماعية- والمعهد العالي للدكتوراه، وكبار العلماء في السوسيولوجيا (أمثال: بول فايرابند، وكارل مانهايم، وفيلسوف العلم ميشيل بولاني، وكارل بوبر، وتوماس كون، وماكس فيبر)... إنه بحث يقع في نقطة التقاطع بين سوسيولوجيا المعرفة، وسوسيولوجيا السياسة، والإبستمولوجيا... إننا أمام باحث عرفته جديَّاً مثابراً ومنفتحاً متعلماً بشكل مستمر، ويتمتع بقدرات ذهنية وفكرية راقية".

 

بغداد - بهاء حداد

 

 

 

في المثقف اليوم