كتب واصدارات

حزب الدعوة الإسلامية وجدليات الإجتماع الديني والسياسي (11)

ali almomenمن المجلس الفقهي الى إدارة الدولة: يمكن تسمية الفترة من 1981 وحتى العام 1984 بمرحلة هيمنة الفقهاء على الحزب؛ إذ كان توجيه الحزب يتم عموماً من علماء الدين؛ وتحديداً الشيخ محمد مهدي الآصفي والسيد كاظم الحائري والسيد مرتضى العسكري والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ محمد علي التسخيري، وقد حصلت هذه الهيمنة بعد التحولات الداخلية التي خرج فيها محمد هادي السبيتي من القيادة، ثم انشقاق معظم من كان يمثل خطه؛ يتزعمهم الشيخ علي الكوراني وعز الدين سليم (الشهيد عبد الزهرة عثمان)، والذي انتهى بتأسيس “حركة الدعوة الإسلامية” التي بقي يترأسها الداعية القيادي عز الدين سليم حتى اغتياله في بغداد العام 2004، إضافة الى استحداث منصب “فقيه الدعوة” الذي شغله السيد كاظم الحائري، ثم تأسيس “المجلس الفقهي” بعد تصويت “مؤتمر الزهراء” للحزب على إلغاء المنصب. إلّا أن مرحلة هيمنة الفقهاء بدأت بالأفول تدريجياً بعد العام 1984 بخروج الحائري والتسخيري من الحزب، وابتعاد العسكري وشمس الدين عنه، وانتخاب قيادة جديدة كانت فيها نسبة علماء الدين أقل من غير العلماء، وقد تسبب إلغاء مادة “المجلس الفقهي” من النظام الداخلي في انشقاق عدد من الدعاة وأسسوا “حزب الدعوة ـ المجلس الفقهي” الذي ما لبث أن انحل بعد سنوات قليلة.

 

الانتفاضة الشعبانية 1991

كما شهدت المرحلة الخامسة من تاريخ الحزب؛ بوادر سقوط نظام البعث في العراق؛ إثر إعلان غزو صدام دولة الكويت في العام 1990؛ أعقبه إخراج جيشه بالقوة منها في العام 1991، واندلاع الانتفاضة الشعبانية في العراق في 14 آذار من العام 1991؛ التي سقطت فيها 14 محافظة عراقية بيد الثوار من مجموع 18 محافظة عراقية، وقد أدخل هذا الواقع حزب الدعوة في مرحلة ممارسة سياسية صعبة؛ دخلت فيها الحركة الإسلامية العراقية المدعومة إيرانياً مرحلة التراجع؛ مقابل صعود الحركات العلمانية المدعومة أميركياً.

 

المرحلة الأوروبية

6- المرحلة السادسة (1992 –2007): وهي مرحلة الدكتور ابراهيم الجعفري الأوروبية ثم العراقية؛ يليه في التأثير داخل الحزب: علي الأديب ونوري المالكي. وفي هذه المرحلة أخذ نجم الشيخ محمد مهدي الآصفي يأفل بالتدريج، مقابل صعود نجم الدكتور إبراهيم الجعفري وعلي الأديب ونوري المالكي؛ فأصبح هذا الرباعي أبرز شخصيات “الدعوة”؛ حتى استقالة الآصفي من القيادة العام 1999، وحينها أصبح الفعل الأساس داخل “الدعوة” للثلاثي ابراهيم الجعفري وعلي الأديب ونوري المالكي.

 

سنوات الرماد

وفي هذه المرحلة؛ وبالتحديد حتى العام 2003؛ أخذت مرحلة تراجع دور الحركة الإسلامية العراقية المدعومة إيرانياً، مقابل صعود الحركات العلمانية المدعومة أميركياً، تتبلور بالتدريج، وقد أسميتها بـ “سنوات الرماد”. وفضلاً عن دعم واشنطن لأهم الجماعات العلمانية العراقية المعارضة؛ فقد دخلت لندن والرياض والكويت وعمّان على خط المعارضة العراقية أيضا، وأصبح لكل منها جماعات تدعهما؛ بعد أن ظل دعم المعارضة العراقية محصوراً من العام 1979 وحتى العام 1990 على دمشق وطهران فقط؛ وهو ما أحرج حزب الدعوة كثيراً حيال مسؤولياته وقواعده وجمهوره؛ بعد أن كان الجمهور الشيعي ينظر الى حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بأنهما يمثلانه في المعركة مع نظام صدام، والوحيدان الجديران بقيادة المعركة.

 

حزب الدعوة - تنظيم العراق

وقد أسهم انشقاق مجموعة من القياديين والكوادر في العام 1999 في إضعاف حزب الدعوة ودوره، وانتهى الانشقاق الى تأسيس تنظيم جديد حمل اسم “حزب الدعوة ـ مؤتمر الإمام الحسين”، ثم عرف فيما بعد بـ “تنظيم العراق”.

وكان “تنظيم العراق” سباقاً في تغيير النظام الداخلي للحزب وفي استحداث منصب الأمين العام؛ وذلك في العام 2004، وقد تم تعيين مفكر الحزب السيد هاشم الموسوي أميناً عاماً للتنظيم.

وفي هذه المرحلة أيضاً اجتمعت قيادة حزب الدعوة للمرة الأولى في تاريخه في بلد واحد؛ هو العراق؛ بعد سقوط دولة حزب البعث العام 2003. وعلى إثر ذلك تسلم ممثل حزب الدعوة والقيادي الأبرز فيه ابراهيم الجعفري منصب رئيس مجلس الحكم الانتقالي ثم نيابة رئاسة الجمهورية ثم رئاسة الوزراء، وهي مرحلة مهمة؛ إذ تمت فيها إعادة البناء السياسي للحزب، وتفعيل تأثيره في الواقع السياسي العراقي؛ بعد أكثر من عقدين تراجع خلالهما تميزه السياسي والإعلامي.

ومن أبرز مظاهر هذه المرحلة التوقف الفكري للدعوة؛ وصولاً الى حالة التشتت في المسار الفكري، وغلبة فكر الحكم وممارساته على فكر الدعوة وممارستها.

 

مرحلة المالكي القوية

7- المرحلة السابعة (2007–  حتى الآن): هي مرحلة نوري المالكي العراقية؛ يليه في التأثير علي الأديب والدكتور طارق نجم والدكتور حيدر العبادي والشيخ عبد الحليم الزهيري، وهي مرحلة القوة التاريخية بالنسبة لحزب الدعوة، والتي تميّز فيها الحزب سياسياً وإعلامياً بشكل لم يتسن له من قبل، إلّا في مرحلة ظهوره الإعلامي القوي خلال العام 1980. ويعود ذلك الى الكسب السياسي والجماهيري غير المسبوق الذي حققه نوري المالكي للحزب خلال دورتي رئاسته الحكومة العراقية، والذي حوّله الى الحزب الأول في العراق طيلة ثماني سنوات. وفي هذه المرحلة تم ولأول مرة انتخاب قيادة الحزب في مؤتمر علني، واستحداث منصب الأمين العام؛ وذلك في بغداد في العام 2007. وإثر انتخاب رئيس وزراء العراق نوري المالكي أميناً العاماً للحزب؛ انسحب ابراهيم الجعفري من حزب الدعوة، وأسس حركة مستقلة؛ أسماها “تيار الإصلاح الوطني”؛ وهو أول جناح من مدرسة حزب الدعوة لا يطلق على نفسه تسمية دعوية أو إسلامية.

 

تلاحم أجنحة الدعوة

وفي هذه المرحلة (السابعة) جمع نوري المالكي بين رئاسة وزراء العراق والأمانة العامة للحزب ورئاسة ائتلاف دولة القانون الذي يضم حزب الدعوة والكتل الحليفة له، وأصبح نوري المالكي يمثل الرمزية القانونية لحزب الدعوة؛ كما نص النظام الداخلي الجديد، وهي سابقة لم تكن موجودة في الحزب قبل العام 2007. وفي هذه المرحلة أصبح التنسيق بين أجنحة "الدعوة" في أفضل حالاته؛ إذ تشكلت لجنة تنسيق دائمة بين حزب الدعوة (الأم) الذي يتزعمه نوري المالكي وحزب الدعوة (تنظيم العراق) الذي يتزعمه هاشم الموسوي، كما دخل التنظيمان في ائتلاف واحد في جميع الانتخابات المحلية والبرلمانية. وخلال ذلك حصل إنشقاق داخل تنظيم العراق؛ نتج عنه الإعلان عن تنظيم جديد تحت مسمى حزب الدعوة (تنظيم الداخل)؛ بقيادة القيادي السابق في تنظيم العراق عبد الكريم العنزي.

وفي نهايات هذه المرحلة؛ برز القيادي في الحزب الدكتور حيدر العبادي؛ بعد أن حاز على منصب رئيس وزراء العراق في آب من العام  2014؛ إثر تنحي أمين عام الحزب ومرشحه الرسمي نوري المالكي عن الترشح لرئاسة الحكومة، وهي قضية انطوت على ملابسات تنظيمية وقانونية وسياسية، وتسببت في تصدع الحزب وحدوث شرخ نفسي في لحمة قيادته. وقد قاربنا هذا الموضوع في الفصلين الثالث والخامس من هذا الكتاب.

 

خلاصة البحث والتقصي

يمكن تلخيص نتائج عملية البحث والتقصي في خلفيات فكرة حزب الدعوة الإسلامية وتأسيسه ومؤسسيه وانتشاره (الفصل الأول من الكتاب)؛ بما يأتي:

• تأسس حزب الدعوة الإسلامية رسمياً في تشرين الأول 1957.

• إن جغرافيا مرحلة تأسيس حزب الدعوة الإسلامية هي مدينة النجف الأشرف.

• ينتمي حزب الدعوة الى النجف الأشرف في تقاليد الاجتماع الديني والاجتماع الثقافي والاجتماع السياسي.

•  إن مدينة كربلاء هي جغرافيا أول أداء للقسم (القسم الذي أداه مؤسسو الدعوة)؛ ابتعاداً عن أضواء النجف، واستثمار أجواء الزيارة.

•  استمرت مرحلة التحضير للحزب وتأسيسه وانبثاقه طيلة الأعوام 1956 و1957 و1958.

•  كان العمل يجري تحت عنوان “حزب إسلامي” لنحو سنة ونصف السنة، حتى تم إطلاق اسم “الدعوة الإسلامية” عليه في بدايات العام 1959.

• إنّ أركان فكرة الحزب هم خمسة، وترتيبهم حسب التسلسل الزمني لالتحاقهم بالفكرة: السيد محمد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، السيد طالب الرفاعي، محمد صادق القاموسي والسيد محمد باقر الصدر.

•  مؤسسو حزب الدعوة هم عشرة، وترتيبهم حسب التسلسل الزمني لالتحاقهم بأجواء التأسيس: السيد محمد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، السيد طالب الرفاعي، محمد صادق القاموسي، السيد محمد باقر الصدر، السيد مرتضى العسكري، السيد محمد باقر الحكيم، السيد حسن شبر، محمد صالح الأديب والدكتور جابر العطا، وقد حضر ثمانية منهم اجتماع النجف التأسيسي: السيد محمد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، السيد طالب الرفاعي، محمد صادق القاموسي، السيد محمد باقر الصدر، السيد محمد باقر الحكيم، السيد حسن شبر، والدكتور جابر العطا، ولم يحضره السيد مرتضى العسكري وصالح الاديب؛ بينما حضر سبعة منهم اجتماع أداء القسم في كربلاء: السيد محمد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، محمد صادق القاموسي، السيد محمد باقر الصدر، السيد مرتضى العسكري، السيد محمد باقر الحكيم، صالح الأديب، ولم يحضره ثلاثة: السيد طالب الرفاعي، السيد حسن شبر، والدكتور جابر العطا، ويعد مؤسساً من حضر اجتماع النجف التأسيسي واجتماع أداء القسم في كربلاء.

•  أول من أدى قسم الانتماء الى حزب الدعوة هو السيد مرتضى العسكري، لأنه الأكبر سناً، تبعه السيد محمد باقر الصدر مباشرة.

• اللجنة القيادية الرباعية التي أمسكت بالعمل بعد مرحلة التأسيس؛ تألفت من السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم وعبد الصاحب دخيل والسيد مرتضى العسكري.

• السيد محمد باقر الصدر كان محور عملية التأسيس، والمؤسس الأبرز، وهو من كتب النظرية الفقهية السياسية للحزب وأسسه الفكرية، وأطلق عليه اسم “الدعوة الإسلامية”، وكان الأبرز في اللجنة القيادية الرباعية التي أمسكت بالعمل بعد مرحلة التأسيس.

• الشخصيات الأكثر تأثيراً في تكوين حزب الدعوة وبنائه وقيادة تحولاته ومسيرته منذ تأسيسه وحتى كتابة هذه السطور؛ حسب التسلسل التاريخي؛ هم ست شخصيات: السيد محمد باقر الصدر، عبد الصاحب دخيل، محمد هادي السبيتي، محمد مهدي الآصفي، إبراهيم الجعفري ونوري المالكي.

• ينتمي المؤسسون والدعاة الأوائل الى طبقة النخبة الشيعية؛ فعلى مستوى الاجتماع الديني ينتمون الى الطبقتين العالية والمتوسطة (البيوتات الدينية العلمية النجفية)، كما ينتمون الى الطبقة المتوسطة اجتماعياً واقتصادياً، والى الطبقة المتعلمة تعليماً عالياً من ناحية الاجتماع الثقافي.

• حزب الدعوة هو أول حزب إسلامي شيعي في التاريخ؛ بالمعني المعاصر لكلمة الحزب.

• حزب الدعوة هو أول جماعة دينية إسلامية شيعية تؤسس لإمكانية قيادة غير علماء الدين للعمل الإسلامي.

• إن حزب الدعوة أسس ولأول مرة على مستوى التاريخ الشيعي منظومة في الفقه السياسي الإسلامي الشيعي تجيز قيام دولة إسلامية في عصر غيبة الإمام المهدي.

•  يمثل حزب الدعوة التنظيم العالمي الشيعي؛ مقابل التنظيم العالمي السني للإخوان المسلمين والتنظيم العالمي السني لحزب التحرير.

• يمثل حزب الدعوة التنظيم الايديولوجي الديني؛ مقابل التنظيم الايديولوجي العلماني القومي (حزب البعث) والتنظيم الايديولوجي العلماني الالحادي (الحزب الشيوعي).

• في الوسط الشيعي الإسلامي؛ المدني والحوزوي؛ يمثل حزب الدعوة تيار التغيير والفعل السياسي (مدرسة السيد محمد باقر الصدر)؛ مقابل تيار الوسط الإصلاحي (مدرسة السيد محسن الحكيم) والتيار التقليدي المحافظ (مدرسة السيد ابو القاسم الخوئي).

• يمثل حزب الدعوة تنظيم النخبة الشيعية التاريخية المعارضة؛ مقابل تنظيمات النخبة السنية التاريخية الحاكمة.

• إن الرؤية عابرة المذاهب التي انتشرت في حزب الدعوة طيلة عقد ونصف العقد؛ لم تنجح؛ فعاد حزب الدعوة مذهبياً في نظريته الفقهية السياسية؛ كما هو الحال مع الجماعات الإسلامية السنية؛ التي فشلت في الانسلاخ عن مذهبيتها.

 (يتبع)...

 

بقلم: د. علي المؤمن

 

 

في المثقف اليوم