كتب واصدارات

حزب الدعوة الإسلامية وجدليات الإجتماع الديني والسياسي (7)

ali almomenالخلفيات الإثنية والإجتماعية لمؤسسي الدعوة وقادتها: أرى أن جملة من المعادلات خدمت الدعاة الأوائل العشرينيين في إحداث التغييرات التي أشارت اليها أدبيات حزب الدعوة؛ أهمها:

1- ان الوسط الشيعي كان يعاني من الفراغ في وجود تنظيم شيعي تغييري ايديولوجي، يواجه حزب البعث والحزب الشيوعي من جهة، ويوازي حزب التحرير وجماعة المسلمين من جهة أخرى، ويكون في نهج التقليدية الدينية من جهة ثالثة؛ الأمر الذي حقق لحزب لدعوة انتشاراً سريعاً ونوعياً في الوسط الشيعي الديني التواق الى التنظيم والى الإصلاح على المستويات الدينية والاجتماعية والسياسية، وجعل الشباب الشيعي المتدين المتعلم يتفاعل بقوة مع التنظيم الجديد وينخرط فيه ويتبنى أفكاره، وحماسة هذا الشباب في الحركة والتغلغل والنفوذ؛ جعلهم يمسكون بمفاصل التأثير المباشر في العمل الثقافي والديني وفي المؤسسات والجمعيات الثقافية والدينية والعلمية القائمة، ولاسيما “جماعة العلماء” و”كلية الفقه” و”جمعية منتدى النشر” في النجف الاشرف، ثم “جماعة العلماء” في الكاظمية وبغداد وغيرها.

 

حماية المرجعية

2- إن الدعاة الأوائل كانوا يتمتعون بحماية المرجعية الدينية العليا المتمثلة بالإمام السيد محسن الحكيم، ومن بعده مرجعية الإمام السيد أبي القاسم الخوئي، إضافة الى المرجعيات الكبيرة الأخرى كالسيد عبد الله الشيرازي والسيد محمود الشاهرودي، فضلا عن احتماء الدعاة بعدد من كبار الفقهاء الإصلاحيين، كالشيخ محمد رضا المظفر والشيخ مرتضى آل ياسين والشيخ محمد أمين زين الدين والسيد اسماعيل الصدر، بل كان عمل أعضاء حزب الدعوة في إطار مرجعية الإمام الحكيم ومشروعاته الدينية والثقافية؛ كالمكتبات العامة مثلاً؛ أكبر الأثر في انتشار “الدعوة” وفي تغطيتها دينياً واجتماعياً، كما ان عدداً كبيراً من الدعاة الأوائل كان ينتمي الى البيوتات الدينية العراقية واللبنانية والإيرانية ذات التأثير الاجتماعي الكبير في النجف؛ كآل الحكيم وآل الصدر وآل بحر العلوم وآل ياسين وآل فضل الله وآل شمس الدين وآل شبر وآل الغريفي وآل كاشف الغطاء وآل الجواهري وآل الخوئي، كما كان كثير من أولاد وأحفاد وأصهار هؤلاء مراجع النجف وفقهائها أعضاء في حزب الدعوة، وبالتالي؛ كان لهذه الحماية الدينية الاجتماعية الأثر الأهم في تحرك الدعاة بحرية في الوسط الديني والاجتماعي الشيعي.

 

مدرسة المظفر الإصلاحية

3- أسهمت المدرسة الإصلاحية للشيخ محمد رضا المظفر مساهمة نوعية في احتضان الدعاة وحمايتهم وتسهيل انتشار حزب الدعوة ونموه؛ لأن “الدعوة” وجدت في أبناء هذه المدرسة قاعدة جاهزة اعتمدت عليهم في تحركها، حتى أن “جمعية منتدى النشر” في النجف الأشرف ومدارسها وكلية الفقه التابعة لها؛ وجميعها تأسس بجهود الشيخ محمد رضا المظفر، وظل يرأسها حتى وفاته عام 1964؛ كانت بؤرة لعمل “الدعوة” ولتخريج الدعاة العلماء الجاهزين للتحرك، وهو ما كان يحصل في بغداد أيضاً في مؤسسات السيد مرتضى العسكري الدينية التعليمية في الكاظمية وبغداد؛ ولاسيما مدارس: الإمام الكاظم والإمام الجواد وكلية أصول الدين، ولذلك نجد أن لمدرسة حزب الدعوة في التغيير والإصلاح جذوراً في أفكار وتوجهات الفقيه المجدد الشيخ محمد رضا المظفر، وبنسبة أقل في أفكار الزعماء الآخرين لحركة الإصلاح الإسلامي المعاصر في العراق في العقود الستة الأولى من القرن العشرين الميلادي؛ كالسيد هبة الدين الشهرستاني والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وغيرهما، ومن هنا؛ كانت البيئة التنموية التوعوية التي وفرتها مدرسة الشيخ المظفر لحزب الدعوة بالغ الأثر في احتضان الدعاة علمياً وفكرياً وثقافياً.

 

جماعة العلماء

4- بادر قياديو “الدعوة” وكادرها من علماء الدين العشرينيين الى الانخراط في العمل ضمن “جماعة العلماء” في النجف الأشرف بعد تأسيسها عام 1958 و”جماعة العلماء” في بغداد والكاظمية بعد تأسيسها عام 1965، فقد كان الدعاة يمثلون الجهاز التنفيذي لجماعة علماء النجف، ويديرون مجلة الجماعة (الأضواء) ومنشوراتها وأعمالها الثقافية، وأبرزهم: السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم والسيد مرتضى العسكري والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله والسيد طالب الرفاعي والسيد محمد باقر الحكيم والسيد محمد بحر العلوم والشيخ عبد الهادي الفضلي والشيخ أحمد الوائلي والسيد عدنان البكاء والشيخ مهدي السماوي، وكانوا يستندون في حركتهم داخل الجماعة واستثمار إمكاناتها الى دعم رئاستها المتمثلة بآية الله الشيخ مرتضى آل ياسين لهم وكثير من أعضاء الهيئة الإدارية للجماعة، أما ما يتعلق بجماعة علماء بغداد والكاظمية؛ فقد كان تأثير الدعاة أكبر حجماً؛ لأن معظم مسؤولي الجماعة كانوا من مؤسسي وقادة حزب الدعوة الإسلامية.

5- كان أعضاء حزب الدعوة من علماء الدين يمارسون من خلال عملهم كوكلاء وممثلين ومعتمدين لمرجعية السيد محسن الحكيم ومرجعية السيد أبي القاسم الخوئي ومرجعية السيد محمد باقر الصدر؛ دوراً ثنائياً؛ يعود بالفائدة المعنوية الكبيرة على حزب الدعوة، ويطرحه ممثلاً وحيداً وشرعياً للحالة الحركية الإسلامية الشيعية، وكان معظم هؤلاء الدعاة الوكلاء شباباً في العشرينيات والثلاثينيات، ولكنهم كانوا يتمتعون بالغطاء الديني المرجعي.

 

حرمان وتمييز طائفي

6- كانت الأفكار التغييرية العميقة التي يطرحها الدعاة الأوائل؛ تلقى رواجاً كبيراً في الأوساط الاجتماعية الشيعية؛ التي تتلمس الحرمان السياسي والتمييز الطائفي بسبب ممارسات الدولة، ولاسيما في أوساط الشباب العربي القادم من مدن الفرات الأوسط والجنوب العراقي للدراسة في الحوزة العلمية النجفية وجامعة بغداد، الى جانب الشباب الكردي والتركماني الشيعي القادم من شرق العراق وشماله، وكذا الشباب الشيعي القادم من جنوب لبنان وبقاعه، أو القادم من القرى البحرينية المحرومة، أو من المنطقة الشرقية المهمشة في السعودية، أو من قبائل “الهزارة” المستضعفة في افغانستان، فكان تأثير هذه الأفكار المنبعثة من النجف الأشرف وبغداد أكبر بكثير من الوعظ الديني التقليدي، أو من الأفكار القومية التنظيرية والفكر الماركسي الذي يلامس حالة الحرمان بصورته العامة وليست الخاصة التي يعيشها الإنسان الشيعي بعنوانه المذهبي.

 

النشاط الفكري والثقافي

7- كان الشباب العشريني الذي يعيش هموم حزب الدعوة؛ هو الأنشط فكرياً وثقافياً على الساحة الدينية، فقد كان الدعاة هم العنوان الأبرز للتجمعات الثقافية ولحركة الكتابة والتأليف والخطابة والندوات، ومثال ذلك: السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم والسيد مرتضى العسكري والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله والسيد طالب الرفاعي والسيد محمد باقر الحكيم والسيد محمد بحر العلوم والشيخ عبد الهادي الفضلي والشيخ أحمد الوائلي والسيد عدنان البكاء والشيخ محمد مهدي الآصفي والشيخ محمد علي التسخيري والشيخ عارف البصري والشيخ علي الكوراني والشيخ عبد الكريم القزويني والشيخ مهدي السماوي وغيرهم، وكان تأثير كتاباتهم وحركتهم مهماً جداً في الهيمنة النسبية على الوسط الإصلاحي الديني، وكان هذا التأثير يحسب لمصلحة “الدعوة” وقدرتها على الاستقطاب؛ وإن كان الداعية يتحرك في مفصل معين بصفته الشخصية أو الدينية البحتة او العلمية المؤسساتية.

 

جنسيات وأعراق

8- لقد كان الدعاة الأوائل، ومن بينهم المؤسسون والتشكيلة القيادية الأولى؛ ينتمون الى عدة بلدان إسلامية؛ ولاسيما العراق ولبنان والسعودية وايران وباكستان وافغانستان والهند والكويت والإمارات المتحدة وسوريا وعمان والبحرين وغيرها، ومن أصول عرقية متعددة؛ عرب وكرد وفرس وتركمان وترك وهنود وأفغان واذربيجانيين وهزارة وطاجيك وغيرها، وفيهم نسبة كبيرة من المستعربين “المستعرقين” (نسبة إلى العراق) من أصول إيرانية وهندية وباكستانية وأفغانية واذربيجانية، وكذلك “المستعرقين” من أصول لبنانية وسعودية وعمانية وبحرينية، وأيضا كويتيين وبحرينيين من أصول عراقية وإيرانية، وهذا التنوع في القوميات والوطنيات يعود الى طبيعة الاجتماع الديني النجفي العالمي الذي ينتمي اليه حزب الدعوة، والذي قام على اندماج هذا الخليط وتجانسه وتضامنه؛ منذ أن تأسست حاضرة النجف الأشرف في عام 449 هـ / 1057 م؛ أي قبل حوالي ألف سنة، وتحولها الى عاصمة دينية اجتماعية لشيعة العالم، وقد أسس صرحها العلمي العرب والفرس والترك من بغداد والكوفة وخراسان وقم وغيرها، وسكنتها قبل ذلك عوائل وعشائر من حواضر العراق وبواديه وأريافه، ومن حاضرة الحجاز وبادية نجد، ومن بلاد فارس واذربيجان، ويضاف الى خصيصة التنوع القومي والوطني والاجتماعي للدعاة الأوائل؛ الخصيصة الثقافية؛ فقد كانوا من المتعلمين تعليماً عالياً.

 

قائمة الدعاة الرواد

9- وأبرز رواد حزب الدعوة الذين تمتعوا بالخصائص السابقة: آية الله السيد محمد باقر الصدر (عراقي)، آية الله السيد مرتضى العسكري (عراقي من أصل إيراني)، حجة الإسلام السيد محمد مهدي الحكيم (عراقي)، المهندس محمد صالح الأديب (عراقي)، عبد الصاحب دخيل (عراقي)، محمد صادق القاموسي (عراقي)، آية الله الدكتور السيد طالب الرفاعي (عراقي)، آية الله السيد محمد باقر الحكيم (عراقي)، المحامي السيد حسن شبر (عراقي)، الدكتور جابر العطا (عراقي)، آية الله السيد محمد حسين فضل الله (لبناني)، آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين (لبناني)، آية الله الدكتور السيد محمد بحر العلوم (عراقي)، آية الله الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي (سعودي)، حجة الإسلام الشيخ عارف البصري (عراقي)، الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (عراقي)، الدكتور السيد داود العطار (عراقي)، السيد محمد كاظم البجنوردي ( إيراني)، آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي (عراقي من أصل إيراني)، المهندس السيد موسى الخوئي (عراقي من أصل إيراني)، آية الله السيد كاظم الحائري (عراقي من أصل إيراني)، آية الله السيد علاء الدين الحكيم (عراقي)، آية الله الدكتور السيد محمد حسين الحكيم (عراقي)، عبد الزهرة عثمان (عز الدين سليم- عراقي)، حجة الإسلام الشيخ علي الكوراني (لبناني)، آية الله الشيخ محمد علي التسخيري (عراقي من أصل إيراني)، آية الله السيد عارف الحسيني (باكستاني)، آية الله السيد علي النقوي (باكستاني)، آية الله الشيخ سليمان المدني (بحريني)، آية الله الشيخ عبد الأمير الجمري (بحريني)، آية الله السيد عبد الله الغريفي ( بحريني)، آية الله الشيخ عيسى قاسم (بحريني)، حجة الإسلام السيد سامي البدري (عراقي)، آية الله السيد علي الامين (لبناني)، حجة الإسلام السيد عبد الرحيم الشوكي (عراقي)، مهدي السبيتي (لبناني)، علي الأديب (عراقي)، آية الله السيد عبد الكريم القزويني (عراقي)، آية الله الشيخ مهدي العطار (عراقي من أصل إيراني)، آية الله الشيخ عفيف النابلسي (لبناني)، حجة الإسلام الشيخ علي محقق (أفغاني)، آية الله الشيخ محمد هاشم الصالحي (أفغاني)، آية الله الشيخ طالب الجوهري (باكستاني)، آية الله السيد ذي شان حيدر (الهند)، حجة الإسلام السيد عباس الموسوي (لبناني)، حجة الإسلام الشيخ صبحي الطفيلي (لبناني).

 

نفي أنصار الشخصيات الدينية

وأشير هنا الى أن أنصار بعض هذه الشخصيات ينفي انتماءها الى حزب الدعوة، وينطبق هذا على أنصار الشيخ محمد مهدي شمس الدين ( لبنان) والشيخ أحمد الوائلي (العراق) والسيد محمد محمد صادق الصدر( العراق) والسيد عباس الموسوي (لبنان) وغيرهم، وقد اتصل بي قسم منهم أو راسلني، وفضّل آخرون التشهير على وسائل الإعلام، وقد كتبت عن هذه الجدلية تفصيلاً في أحد ملاحق هذا الكتاب؛ جواباً على مداخلة مطولة لأحد أنصار السيد محمد محمد صادق الصدر.

وعموماً أعتقد بأن انتساب أية شخصية الى حزب الدعوة في وقت من الأوقات؛ لا يعني بالضرورة أنها بقيت محتفظة بانتمائها للدعوة، او بقيت تؤيد منهج حزب الدعوة وعمله برمته، فلكل شخصية ظروفها الموضوعية والذاتية في الانتساب للدعوة وفي تركه أو في استمرارها وفي تأييده وفي معارضته، وانتساب الاشخاص الى حزب الدعوة هو موضوع تاريخي صرف؛ لا يرفع من شأن الفرد ولا يحط منه؛ حتى لو سبق له الانتماء اليه يوماً واحداً فقط، وهكذا اختلافهم مع الحزب أو مع قيادته أو مع نظريته، وبالتالي، فإن النفي والاثبات لا يلغيان الحقيقة.

(يتبع)...

 

بقلم: د. علي المؤمن

 

 

في المثقف اليوم