كتب واصدارات

عرض كتاب: أدب الحكمة والنصيحة في العراق القديم

sabiha shobarعن دار تموز للطباعة والنشر والتوزيع  صدر للأديب والناقد الأستاذ عبد العزيز لازم كتاب عنوانه (أدب الحكمة والنصيحة في العراق القديم)، اهداه الى النفوس الجليلة التي غادرتنا، بعد أن ألقت بيانها العاطر حول مواسم النهرين، كما أهدى الكتاب الى أبيه وأمه اللذين عاشا بين هذه السطور التي بقيت مفتوحة تنتظر الربيع، كما أهداه الى زوجته التي   شدت الرحال معه الى بقاع الغربة، من أجل شد الأزر وشحن الكلمات بالمعاني الأعلى،كما أهداه الى أقماره الذين كانت عيونهم تغذي باتجاه الحقائق الوجدانية لأهل الوادي ، وقد عرف الكاتب بالمعنى البسيط لكلمة بلاد الرافدين،وهي المنطقة الكائنة في شمال وشمال غرب عنق الزجاجة  المتكون من اقتراب نهري دجلة والفرات، وهي منطقة جغرافية تضم بغداد،وتقع الى الجنوب من مدينة بابل الامتداد التاريخي المعاصر لمملكة بابلونيا العريقة، ويوضح الكاتب الأستاذ عبد العزيز لازم ان المعنى الأوسع للتسمية، فيطلق اسم ما بين النهرين على المنطقة المحصورة، بين جبال زاخروس في الشمال الشرقي، وخاصة الهضبة العربية في الجنوب الغربي، ممتدة من الخليج العربي في الجنوب الشرقي نحو جبال طوروس في الشمال الغربي، ويوضح مؤلف الكتاب ان مما له دلالة كبرى، التأثير الفكري والروحي من منطقة الحوض الداخلي للرافدين نحو المناطق المحيطة بالوادي، بعد اكتشاف نظام الري وتأسيس النظم الادارية، نقلت العالم الى مرحلة حضارية، فصلت ما بين التاريخ وما قبل التاريخ، فظهر العراقيون الأوائل كرسل حضارة وامتد وجودهم الى جميع ساحل البحر الأبيض المتوسط من الجنوب الشرقي، ومن الجزيرة العربية، وساهم هذا الانتشار بانتقال التقاليد والقيم الروحية والأدبية للمجتمع العراقي القديم الى جميع المناطق المحيطة، وتحولت تلك القيم الى عناصر مكونة للنسيج  الوجداني لشعوب المناطق المجاورة وانتقلت الحكمة العراقية، وشكل ذلك حافزا لسكان تلك المناطق كي يندفعوا باتجاه منبع الثروة في بلاد الرافدين، وأسس ذلك نوعا من الترابط والتلاقح جعل الكيان القاطن في البلاد ملونا، مما جعل المؤرخين يعتبرون  بلاد ما بين النهرين كيانا متميزا عن الحضارات المجاورة، ذات الكيان الاجتماعي الواحد، وان الثقافة العراقية تكونت من ثقافات وطنية تمتلك مميزاتها الفكرية والروحية،..

أشار مؤلف الكتاب الأستاذ عبد العزيز لازم  ان ملحمة كلكامش قد سبقت الملاحم التي كتبها عظماء الاغريق والرومان، الذين اطلعوا على انجازات العراقيين الأدبية والفكرية،، وان بلاد ما بين النهرين قد شهدت خلال الحكم الاسلامي نشوء تنظيم جديد قائم على أساس التوحيد، الذي لم يقتصر على وحدانية الله، بل تضمن توحيد المكونات الاثنية تحت مظلة واحدة، عززت أواصر العيش المشترك،، ويرى مؤلف الكتاب الأستاذ لازم ان جميع الأعمال السومرية، الأدبية والدينية قد كتبت بصيغة شعرية،، باستثناء الأقوال الماثورة والأمثال، وان الدراسة التحليلية لمحتويات النصوص بدأت منذ أربعينات القرن الماضي، وبين الناقد لازم انه عثر على اسطوانة طينية تعود الى عام 2400 قبل الميلاد،تضمنت أحداثا ساهم فيها معبودان سومريان مثل انانا وانكي، جعلت العلماء يرجحون حقيقة ان السومريين قد باشروا بتسجيل أعمالهم الأدبية منذ 2500 قبل الميلاد تقريبا..

908-adab يشير مؤلف الكتاب ان أدب الحكمة والنصيحة يركز على مجموعة الحكم والأمثال والأقوال المأثورة، التي تمنح دروسها الاخلاقية، منطلقة من الحياة اليومية، غايتها ترسيخ الأسس الاجتماعية، وقد اعتنى العراقيون الأوائل بالعائلة باعتبارها الوحدة الأساسية لبناء المجتمع، كما اهتموا بالفوارق الاجتماعية والمرأة،كما اهتموا بالقضايا الثقافية، وقد تأسست مدارس متخصصة، كان من مهامها اعداد هذه الحكم والنصائح وتنظيمها، وادخالها في مناهج التعليم المدرسي، وقد استقطبت المدرسة السومرية رجال العلم والثقافة للقيام بترتيب تلك الحكم، وقد سار الأكديون  والبابليون والآشوريون على نهج السومريين في العناية بأدب الحكمة والنصيحة، وان العديد من الألواح الأدبية، جاءت بلغة مزدوجة من السومرية والاكدية، وكان الأدب يملك خاصية الابداع الفني،..

 

أغراض الأدب السومري

 يشير مؤلف الكتاب ان العراقيين قد عرفوا بانتقاء المواضيع ذات الأثر المصيري،على حياة الناس، وتفضيل الطاقات الدرامية فيها، مستهدفين ايقاظ وتنشيط الفضائل، واتصف القول المأثور بالايجاز وبلاغة الحجة، واتجه نحو الرمز محملا الأشياء والحيوانات الأليفة المعاني والمقاصد، واتصل هذا الأدب بالاحاجي والقصص الخرافية، وأصبحت العائلة كيانا اجتماعيا تتعزز فيه حقوق الانسان، وان  مجموعة الامثال والاقوال المأثورة ركزت على محاور عديدة، مثل الموقف من العمل، والفوارق الاجتماعية، الاسرة والعلاقات العائلية، ومحور مكانة المرأة، ومحور الموقف من الثقافة والمعرفة، ومحور الأخلاق العامة..

يعلل مؤلف الكتاب سبب  التكرار في عرض مثل او حكمة واحدة اكثر من مرة، في عدد من فصول الكتاب، بان معنى المثل المتكرر يمكن ان يكون دالا على اكثر من موضوع،ففيما يتعلق بالزواج والأطفال مثلا يقول  السومري واصفا الأعزب بانه متهرب من المسؤولية( ان الذي  ليس له زوجة اوولد لاتحتمل انفه القيد) وقد جاء المثل الاكدي اكثر وضوحا( ان الشخص الذي لايعول زوجة ولا يعول ابنا، انه شخص لايؤتمن، ذلك الذي لايعول نفسه) وتصف حكمة أخرى المرأة غير المتزوجة بانها كالحقل غير المزروع، وأشارت الحكمة الاشورية والبابلية ان المرأة العزباء تشبه المنزل الذي ليس له صاحب.

 لقد شدد الحكيم السومري على فكرة الاختيار الحر بين الزوجين، والى وجود علاقة ما بين الزوجين قبل الزواج، يتودد فيها الفتى لفتاته، واعدا اياها بتحقيق المنافع والرفاهية، التي تحلم بها ان وافقت على الزواج منه: ( أيتها العذراء، لم يعطك أخوك الأفضلية، فلمن يجب أن تعطى الأفضلية؟)

 وهناك الكثير من الأقوال على ألسنة الفتيات يطلقن رغبتهن في اختيار الفتيان المؤهلين كي يكونوا أزواجا لهن. تروي لنا القصة السومرية ان عشتار أمسك يدها تموز وعانقها، بينما كانت هي ترقص وتغني، لكنها حاولت التخلص منه بحجة انها لاتستطيع ان تبرر تأخرها لأمها، الا ان تموز دبر لها حيلة بان تدعي للأم انها كانت مع صديقتها..وفي نهاية القصة الشعرية، يذهب تموز الى الأم ويخطب عشتار، فتوافق ويتم الزواج..

 يوضح مؤلف الكتاب الأستاذ لازم ان المهر لم يكن اجباريا في العراق القديم، فقد يقدم الشاب او الوالدة مبلغا من المال الى والد العروس، الا ان من المعروف ان المهر لاضرورة له، في ذلك الزمان، وهناك بعض الهدايا المالية تقدم الى والد الزوجة، وتختلف هذه الهدايا من عائلة الى أخرى، وقد قالت الحكمة( ان من نحب  سوف نحمل نيره) ومن واجبات الزوج صيانة الزوجة  والانفاق عليها، وواجب الزوجة تحمل مسؤولياتها في المنزل، وقد حظيت المرأة ذلك الزمن بالتكريم الكبير، وتقول الحكمة( ان المرأة مستقبل الرجل)، ووصلت لنا حكم كثيرة حول تقويم سلوك الأبناء، ومعاناة الآباء من  أجل اسعاد اولادهم وأثبتت المدرسة العراقية كفاءتها،  في اعداد العلماء وذوي الفكر المتقدم، يقول الأب لابنه( اذهب الى المدرسة وقف أمام معلمك، واسمع دروسك، احضر الى المنزل، ولا تتجول في الشارع)، كما شدد الحكيم العراقي على أهمية العمل في حياة الانسان، باعتباره هوية الانسان الحقيقية، وقال المثل :0( ان من يكسب رزقه يقابل بالتقدير)..

 

الموقف من العمل والفوارق الاجتماعية

يبين مؤلف الكتاب انه على اثر ابتكار أنظمة الري،تخلص جنوب وادي الرافدين من الاعتماد على هطول الأمطار في الزراعة، فتقدم الانتاج الزراعي، وارتفع مستوى معيشة السكان، وساعد ذلك على نشوء حاجات ذات طابع أساسي، تبين طموحات الانسان العراقي نحو التقدم، مما ادى الى ابتكار المحراث الحديدي الأول، ونول الحياكة ودولاب الفخار، والعجلة الأولى في التاريخ، كما توصل الانسان العراقي الى صنع أدوات البناء، واستجابة لمتطلبات التطور صنعت القاطرة الأولى، التي دفعت المجتمع الى تقدم حضاري كبير، وساهم التطور الصناعي في تطوير العلاقات الاجتماعية، وظهرت الحاجة الى الكتابة، التي كانت تشبه المسامير المصلوبة على ألواح من الطين( بسمارك منك أيتها اللوحة) وهذا القول يعني تمجيد اللحمة الاجتماعية، وفي المجتمع الطبقي تكونت العلاقات الهرمية،بين المجموعات الاجتماعية، التي يرتبط  تكوينها بالنشاط الاقتصادي، طبقة النبلاء في قمة السلم الاجتماعي، نليها طبقة الاداريين، ثم الكهنة، فالتجار ثم جماهير العامة، وظهرت فئات متخصصة في قطاع الانتاج، مثل الصناع والحرفيين، الذين كانوا يعملون لصالح الحكومة،وتطورت بعض المشاريع الخاصة، باعتبارها جزء من اقتصاد السوق، وصدرت قوانين تنظم هذه العلاقات، سبقت قوانين حورابي وقد ساهم العراقيون بالانتاجين : المادي والابداعي العفوي الذي اتجه الى تقويم السلوك، ودرس الحكيم العراقي مسالة الفقر، وبين انها جماعية، محاولا تقديم الحلول لها، حاثا على مساعدة الفقير( اعط الطعام للجائع والنبيذ للعطشان)، وقد اكتشف الحكيم العراقي ان جودة الشيء تعكس جودة المواد  الأصلية المكونة له، (اذا كانت عجينة البيرة فاسدة، كيف تكون البيرة جيدة المذاق) وهذا يعني ان فساد الشخص دليل على فساد البيئة،  وقد وجدت بعض العائلات  الفقيرة في الطفل الذي تنجبه كنزا كبيرا، كما تعبر الحكمة التالية(لايضرب الرجل الفقير ابنه مرة،انه يحتفظ به الى الأبد، يعامله كالكنز).

 

الزواج والعلاقات العائلية

يشير مؤلف الكتاب الأستاذ عبد العزيز لازم،الى ان مفهوم العائلة قد تطور، عبر المراحل التاريخية المتعددة، استجابة للظروف الاقتصادية  والحاجات الحياتية، وهناك نوعان من العوائل، الأول يطلق عليه اسم العائلة النواة، وتتكون من الوالدين والأولاد،  والنوع الثاني يسمى العائلة الموسعة، التي يضاف اليها الأجداد وبعض الأقارب، ويبين مؤلف الكتاب انه يوجد نوع ثالث، هو العائلة الأحادية، التي يعيش فيها الأطفال مع اب او ام، غير متزوج  اومطلق أو أرمل،وكان دور العائلة الاقتصادي واضحا فيما قبل التاريخ، الرجال يقومون بالصيد، والنساء يقمن بتجميع الصيد واعداد الطعام، والعناية بالأطفال، وقد تغيرت بنية العائلة بعد انتقال المجتمع الى الطور الزراعي، ثم الى الطور الصناعي، فأصبحت العائلة العراقية وحدة أساسية، يقوم عليها البناء الاجتماعي، تقدم نتاجا نوعيا، رفد المجتمع بالقيم والطاقات الابداعية في مجال الأدب والفنون، و نقلت الأعمال الابداعية من الشفاهية الى الكتابة..

كانت الفتاة السومرية ترغب أن تضمن حياة مرفهة، مع زوج قادر، على توفير أسباب السعادة لها وكانت تريد ان يتوفر زوج المستقبل على صفات عديدة كما تقول الحكمة: (عيناي عينا اسد، وجسمي جسم الملاك الحارس، وشفتاي تنطقان بالسحر والفتنة،فمن سيكون زوجي شديد  الفحولة؟)..

يوضح مؤلف الكتاب انه في عهد حمورابي ظهرت عادات وتقاليد تحدد أسلوب الاقتران فكانت جميع ترتيبات الزواج تتم بين عائلتي الفتى والفتاة، وكان والد الشاب يختار زوجة ابنه، وترسل بعض قطع الأثاث الى بيت والد العروس، ثم يقدم الشاب او والده مبلغا من المال، الى والد العروس. وكان الزواج المبكر سائدا في عصر  السومريين،وهناك أمثلة عديدة،  تنتقد المبالغة بالسن المبكرة، ووجه  الحكماء النصح للأزواج بضرورة العناية بالزوجات صغيرات السن، ومقابلتهن بالصبر الكافي حتى يبلغن درجة النضج الجسماني، وكان تعدد الزوجات ظاهرة مألوفة، وجدت أسبابها في المجتمع العراقي القديم، وكان الطلاق ذا أسباب متعددة،عقم الزوجة وسوء تدبيرها، وعدم الاتفاق مع الزوج، وكان يكفي للرجل ان يقول لزوجته( انت لست زوجتي) فيتم الطلاق، وكان يحرم ذلك على الزوجة،،، وقد  ربط العراقيون القدماء بين سعادة الانسان والانجاب، فالسعيد من كثر أهله  وعياله، لأنه بذلك يكتسب احترام الناس، وقالت الحكمة: (أفضل النساء هي التي في بطنها غلام، وتحمل على وركها غلام، ويمشي وراءها غلام)..

 يشير مؤلف الكتاب الى ان العراقي قد اهتم ببناء منزله، وشدد على التعاون الروحي في البناء، والحرص على تشييد المنازل حسب ما يخدم البيئة المناخية والنفسية، وقد أكدت الحكمة أهمية التعاون (يد على يد، يبنى منزل الرجل، حقد على حقد يدمر منزل الرجل) وقد ابتكر السومريون مواد بناء متطورة، تساعدهم في  تشييد أبنية أكثر ارتفاعا، وأكبر قدرة على مقاومة عوامل الهدم،، وبنوا المعابد العالية، ويعتقد بعض المؤرخين ان الزقورات قد مهدت لبناء الأهرام، في الحضارات المجاورة،

 

مكانة المرأة

يشير مؤلف الكتاب الى ان المرأة  دخلت بنشاط في الحياة الروحية للبلاد، فالنساء المنتميات الى قطاعات اجتماعية قادرة على وضع التماثيل الشخصية في المعابد، كن يقدمن تماثيلهن في وضع  التعبد، معتقدات ان صلواتهن ستكون متواصلة، من خلال وضع الرمز الشخصي، في الوقت الذي يمارسن فيه أعمالهن اليومية، وكانت  التمااثيل بالزي السائد، المكون من رداء يتدلى من أعلى الكتف الأيسر، ويبقى الكتف الأيمن عاريا، وكان شعر الرأس يلف على شكل لفائف مظلومة، وكانت المرأة ابنة أبيها، والزوجة في ظل ارتباطها بزوجها، وكانت الأم ترعى أولادها، ومن النادر ان تمارس المرأة دورا خارج نطاق الالتزامات العائلية، ما عدا بعض النساء من العائلات المالكة، او النساء المرتبطات بالرجال المتنفذين، وقد اهتم المجتمع بتدريب الفتيات منذ الطفولة، على الأدوار الحياتية التقليدية للزوجة والأم وربة المنزل، وكان من مهام ربة المنزل، بالاضافة الى تعلم طحن الحبوب وغزل النسيج وحياكة الملابس، وصنع المشروبات، وخاصة تخمير البيرة، وهذه الأنشطة ذات الطابع الانتاجي قادت المرأة الى خارج حدود المنزل، واتجهت الى بيع المنتوجات التي تقوم بها، وقد مارست المرأة ادارة الفنادق او الحانات او الخانات،وتعلمت النساء كيف يكن قابلات كفوءات، وكيف يصنعن الأدوية المناسبة لأمور الولادة / وساعدت الظروف الاقتصادية والمعيشية النساء ان يساهمن في حركة الانتاج، وكانت الفتاة العراقية حين تبلغ سن الزواج تصبح جزء من عائلة خطيبها وحين يتوفى الخطيب قبل العرس، عليها ان تتزوج احد اخوانه، فتتعزز بذلك اللحمة العائلية، ويرى مؤلف الكتاب ان المرأة في العصر السومري،قد نالت حرية أكبر في المساهمة في البناء الاجتماعي العام،مما نالت في العصور اللاحقة،،وقد أورد المؤلف نصا بالغ الجمال يبين مدى حب الفتيان للأم( انها مثل الضوء الساطع في الأفق، انها كأنثى الظبي في الجبال، انها كنجم الصباح الذي يسطع حتى في الظهيرة،، انها كالذهب والفضة، ان أمي كأمطار السماء،، المياه التي تؤدي الى نمو أفضل للبذور، ان امي كحديقة من السرور مليئة بالسعادة، ان أمي كشجرة النخيل المحملة بأطيب الثمار)..

 

الموقف من الثقافة والمعرفة

يرى مؤلف الكتاب ان النشاط المعرفي في العراق القديم،مر بثلاثة مرتكزات أساسية، اولها الكتابة المسمارية  وثانيها المعبد، وثالثها المدرسة العراقية، وان هذه المرتكزات شكلت حواضن خصبة للثقافة العراقية، التي أمدت الحضارات اللاحقة، بنشاط علمي وثقافي كبيرين، وبين المؤلف ان هناك عوامل عديدة، ساعدت على اصالة الثقافة العراقية، أبرزها انها حاجة  ضرورية لتحقيق التطور في الحياة الانسانية، فالسومريون وجدوا في التعليم استجابة لحاجتهم في مسك  السجلات، التي يدونون فيها أعمالهم، وينظمون أعمال حسابات المعبد، والمراكز الحكومية÷، وقد استعمل السومريون الألواح الطينية، لتدوين أعمالهم، ثم جففوا تلك الألواح، في أشعة الشمس او تنانير النار، لتكون  الكتابة دائمة، وكانت المدارس ملحقة بالمعابد، لأنهم يعتبرون العلم مقدسا، وبقي تلقي العلم يجري في دور العبادة خلال مراحل الدولة الاسلامية، وقد مجد الاسلام العلم وقال الرسول (يوزن مداد العلماء بدم الشهداء) وكانت المدرسة السومرية حكرا على الذكور من العائلات الغنية، ولقد سميت المدرسة العراقية الأولى باسم (أدبا)، أي بيت الألواح، وكان المعلمون يمارسون الشدة في معاملة الطلاب، وكانت وظيفة الكاتب او (الناسخ) تكسب المتخرج في أدبا منزلة عالية في المجتمع، نتيجة الخدمات الكثيرة والمهمة التي يؤديها، واستمرت السومرية لغة التعليم  خلال الفترتين : البابلية والآشورية، وقد قالت الحكمة:

0(الكاتب الذي لايعرف اللغة السومرية، كيف يستطيع توصيل الترجمة بشكل دقيق؟)..

 

الأخلاق العامة

يرى مؤلف الكتاب ان موضوع الاخلاق تعرض الى كثير من الاخنلاف، وان الدين كان حاضرا في جميع القيم الاخلاقية التي تكونت لتنظيم حياة المجتمع،فالملوك الذين حكموا باسم الآلهة، كانت أوامرهم ذات قوة روحية، لايمكن مناقشتها، وكان رفضها يعتبر عصيانا يعرض الرافضين الى العقاب،وقد ساهم النشاط العلمي والاقتصادي، في تأسيس قيم اخلاقية تساعد في تننظيم المجتمع،وكان الملوك والحكام ذلك الزمان،لايميلون الى الاستبداد في نظم الحكم التي اتبعوها، تجاه رعاياهم، وقد غاص الحكيم في تفاصيل الشخصية العراقية، وتوصل الى ان البيئة الصالحة تؤدي الى خلق النموذج الانساني الصالح، قالت الحكمة( الحبة الهزيلة تنمو ولكن ماذا نفهم منها؟) يرى مؤلف الكتاب ان هذه الحكمة تعبر عن سعة الأفق التي تميز بها العراقي القديم، وان النمو في الظاهر ليس الغاية القصوى، من الجهد البشري الساعي الى تفجير طاقة الانتاج المثمر، وان البحث عن النوع يشغل فكر الانسان، ويبين الأستاذ عبد العزيز لازم انه في (سفر متي) الاصحاح السابع ما يلي (من ثمارهم سوف تعرفونهم) وهذه الحكمة تبين قوة البحث عن جوانب مجهولة في النفس الانسانية، يقول الحكيم البابلي (انه انسان جيد تماما، لكنه يتلفع بالظلام) فالحكمة السابقة تتحدث عن شخص جيد، لكنه مشغول بأمور، تنسيه ما يتوجب عليه من التعامل الانساني، المنفتح مع المحيط، فيعيش في تناقض بين طبيعته الخيرة وعزلته عن الناس، كما تحدث الحكيم العراقي عن حب الانسان للوطن، الذي احتواه  وقدم له كل ما يمكن من أجل الحياة،( هل يتقاضى الهور- المستنقع- ثمن القصب الذي فيه، أم تتقاضى الحقول ثمن خضارها؟) كما اهتمت الحكمة العراقية بالدفاع عن الحقوق التي تتعزز  في حالة السلام:(ان خرجت وأخذت حقل عدوك، فالعدو سيأتي ويأخذ حقلك) ودعت الحكمة البابلية الى الاحسان الى العدو كن كريما مع عدوك كما مع تنور عتيق، لاتشمت بعدوك عندما يتهاوى،عندما يتعثر لاتسمح لقلبك بالابتهاج).

 واعتنى الحكيم العراقي بتنظيم الطعام وعدم الافراط في تناوله (ان الذي يأكل كثيرا جدا، لايستطيع النوم) ودعا الحكيم العراقي الى تقوية الصداقة لتعزيز السلم بين الناس (تدخر الصداقة لأيام الضيق، اما الذرية فهي للمستقبل)..

يشير مؤلف الكتاب الى مسلة حمورابي،الذي يقرر انه انتدب من قبل  الآلهة، كي يجعل العدالة تسود في الأرض، للقضاء على الفاسدين والأشرار، وقد ركزت قوانين حمورابي على الأمور المدنية، وكانت تهدف الى توفير الحماية الى جميع الناس، ويقدم حمورابي درسا عميقا في اعلاء شأن الحياة الانسانية، باحترام القوانين، وكان حمورابي رجل دولة وسياسة وادارة من الطراز الأول، يعلم الناس ان اي قوة حقيقية تستمد جوهرها من العدالة، ومن  القانون الذي هو أداة تطبيقها،...

 

عرض: صبيحة شبر

 

في المثقف اليوم