كتب واصدارات

دعوات لإعادة بناء حزب الدعوة الإسلامية (17)

ali almomenتطرح بعض أوساط حزب الدعوة مشروع مأسسة الحزب؛ في إطار عملية إعادة بناء شاملة؛ تنسجم مع التحول السياسي الجذري الذي شهده العراق بعد عام 2003؛ ليوائم الحزب نفسه مع هذا التحول الذي لم يحصل بقراره وتخطيطه وتنفيذه، وتكون عملية المأسسة لاحقة لعملية تحديد هوية حزب الدعوة الفكرية ونظريته وغاياته وأهدافه الدعوية ومشروعه السياسي، ويرتبط جزء مهم من إعادة البناء بهيكلية حزب الدعوة، وهي مهمة تقترن بوجود مثلث أضلاعه: العقل المؤسَسي، الثقافة المؤسَسية والمواصفات القياسية، وبدون حضور هذا المثلث في كيان الحزب؛ لن تنفع المأسسة وضوابطها وكل أشكال العمل المؤسَسي، وستكون عملية إعادة البناء الفكري والتنظيمي مشوهة وعشوائية.

وسبب التأكيد على أهمية العقل المؤسَسي والثقافة المؤسَسية يعود الى جملة عوامل تمثل بيئة طاردة للعمل المؤسسي في “الدعوة”:

1- موروث “الدعوة”؛ الذي يكشف نمط العلاقات داخل الحزب، ولا سيما ما يرتبط بتعامل القادة والكوادر المؤثرين داخل منظومة الحزب.

2- موروث الاجتماع الثقافي العراقي، ولاسيما الريفي الذي يهيمن على مساحة مهمة من الثقافة السلوكية، وحضور القوالب الاجتماعية التقليدية قبل المؤسسة.

3- موروث الاجتماع الديني الشيعي، ولا سيما ازدواجية حضور عالم الدين الداعية بين موقعه الديني وموقعه الحزبي؛ ما يتعارض مع تطبيق صحيح للعمل المؤسسي.

هذه الموروثات الثلاثة تؤكد أهمية إيجاد ثقافة العمل المؤسَسي ونشرها وترسيخها أكثر من إيجاد المؤسسة الحزبية نفسها، وبعد نجاح الخطوة الأساس هذه؛ يمكن الانطلاق في رحاب إعادة بناء المؤسسة الحزبية وهيكلتها وتجديد فكرها النظمي والتنظيمي، ويمكن في هذا المجال اعتماد أربعة مصادر:

أ- نظرية حزب الدعوة وفكره الموروث.

ب- النظام الاجتماعي الديني الشيعي وخصوصياته.

ت- الخصوصية العراقية في مجالات الاجتماع والسياسة والعقل المنتج والمستهلك.

ث- النظريات الحزبية الغربية الليبرالية، والتجارب الحزبية الشيوعية الايديولوجية؛ في البناء المؤسساتي التنظيمي.

وسينتج عن عملية إعادة البناء والمأسسة المعتمدة على المصادر أعلاه:

حزب عراقي، إسلامي، شيعي، حضاري في الجانب الفكري والنظري، يستند الى نظرية “الدعوة” الأصلية، والى الواقع العراقي الجديد وخصوصياته، تنظيم مؤسَسي قوي رصين فاعل سياسياً ودعوياً، معايير ضاغطة تحول دون حصول تصدعات وانشقاقات وتمرد وخروج.

 

هيكلية جديدة

ويمكن تصور هيكلية جديدة لحزب الدعوة الإسلامية تنسجم مع الخصائص الأربع السابقة؛ تتألف من:

1- قمة هرم الحزب؛ تتكون هيكليته من خمسة أركان متكاملة:

ا-  مؤتمر الحزب: تحضر له وتديره لجنة مستقلة؛ يشترط في أعضائها ألا يكونوا أعضاء في هيئة الإشراف والقيادة التنفيذية، وعدم الترشح لعضويتهما. ويتم في المؤتمر انتخاب هيئة الإشراف والقيادة ومجلس الشورى.

ب- هيئة الإرشاد: وهي لجنة إشراف ورعاية وتحكيم عليا؛ تكون داخل الجسد الحزبي، ولكنها منفصلة في هيكلها وأعضائها عن القيادة ومجلس الشورى وباقي مؤسسات الحزب، عدد أعضائها ثلاثة الى خمسة من الدعاة الرواد (فقهاء ومثقفين)؛ أحدهم الأمين العام، ويسميها مؤتمر الحزب. وهي بمثابة العقل المركزي للحزب، والضابط لفكره وحركته وعمل قيادته ومؤسساته، ويكون تنظيم العلاقة بالمرجعية الدينية العليا وتحديد مصاديقها من اختصاص الهيئة، ولا يمارس أعضاؤها أي عمل حكومي، أوعمل تنفيذي داخل الحزب؛ باستثناء ما يرتبط بالمؤسسة الدعوية للحزب؛ التي سيأتي الحديث عنها، وينبثق عن الهيئة ثلاث لجان عليا:

أولاً: لجنة القضاء والتحكيم.

ثانياً: اللجنة الفكرية.

ثالثا: لجنة التنسيق الخارجي (خاصة بالدعاة السابقين وأنصار الدعوة من غير العراقيين).

ت- الأمين العام؛ ويمثل رمزية الحزب؛ ويمتلك صلاحيات متابعة أعمال القيادة التنفيذية والتنسيق بين المكاتب واللجان ومؤسسات الحزب؛ عدا هيئة الإرشاد، ويتم انتخاب الأمين العام من مؤتمر الحزب، وهو عضو في هيئة الإرشاد، ويترأس اجتماعات القيادة التنفيذية، وينبثق عن الأمانة العامة تسعة مكاتب ومؤسسات: نائب الأمين العام، مكتب المعلومات.، مركز الدراسات، أكاديمية “الدعوة”، هيئة دعم الحشد الشعبي، مكتب العلاقات العامة.، مكتب التخطيط والميزانية، المكتب الاقتصادي، مكتب الأمين العام.

ث- القيادة التنفيذية: وهي بمثابة السلطة التنفيذية، وينبغي أن تكون متفرغة للحزب، ويكون اشتراك بعض أعضائها في العمل الحكومي استثنائياً، وبقرار من هيئة الإرشاد، كما تتمتع قراراتها الأساسية بالشرعية بعد مصادقة هيئة الإرشاد؛ حسبما يحدده النظام الداخلي، وتمسك القيادة التنفيذية بجسد الحزب وأجنحته الثلاثة كما سيأتي.

ج- مجلس الشورى؛ وهو بمثابة السلطة التشريعية للحزب، ولكن لا تتمتع أي من قراراتها الأساسية بشرعية التنفيذ قبل إقرارها في هيئة الإرشاد؛ حسبما يحدده النظام الداخلي، ولا يمكن الجمع بين عضوية هيئة الإرشاد والقيادة ومجلس الشورى، وتنبثق عن مجلس الشورى هيئتان:

أولا: هيئة الرقابة والتقييم الحزبي والسياسي والمالي والحكومي؛ الخاصة بتقييم أداء الدعاة في الحزب والدولة؛ إدارياً وسياسياً ومالياً، وتقييم اداء حلفاء “الدعوة”، واقتراح الدعاة وأنصارهم للمناصب في الدولة.

ثانيا: هيئة التخطيط الاستراتيجي.

وتقوم هاتان الهيئتان ولجان المجلس الأخرى برفع قراراتها وتقاريرها الى هيئة الإرشاد مباشرة؛ للمصادقة أو الدراسة أو الاطلاع، كما يتوزع أعضاء المجلس على لجان ثابتة؛ تستوعب كل مجالات عمل الحزب.

هذه الأركان المتكاملة الخمسة تحافظ على روح “الدعوة” وانسيابية تحولاتها وتنفيذ قراراتها وسلامة فكرها ومسارها السياسي، وتعمل على تجديدهما تلقائيا، وفي الوقت نفسه تجدد التنظيم والفكر، وتحاصر الانشقاقات والخروج من التنظيم.

ويوضح النظام الداخلي المقترح أسلوب تنظيم علاقة الحزب بالمرجعية الدينية عبر هيئة الإرشاد، ويبين مواصفاتها العامة وتسميتها.

2- جسد الحزب: يتألف جسد الحزب من ثلاثة أجنحة رئيسة تكمل بعضها؛ ينسق بينها الأمين العام، ويمكن إطلاق تسمية مكتب أو مؤسسة أو هيئة أو جناح عليها، ويتوزع أعضاء القيادة التنفيذية على رئاسة الأجنحة وعضويتها:

أ- الجناح الدعوي: ويختص بشؤون المشروع الدعوي للحزب؛ بما في ذلك الإنتاج الفكري الإسلامي، وشؤون الحوزات وعلماء الدين والوكلاء والمساجد والحسينيات والخطباء والشعائر، والتبليغ والإعلام الديني.

ب- الجناح السياسي: ويختص بشؤون المشروع السياسي للحزب؛ بما في ذلك الدولة والحكم والعمل السياسي والإعلام والعلاقات.

ت - الجناح التنظيمي: ويختص بشؤون المشروع التنظيمي للحزب؛ بما في ذلك تنظيمات “الدعوة” ومكاتبها في العراق والعالم، وشؤون الطلبة والشباب والعمال والعشائر والنقابات والاتحادات المهنية ومنظمات المجتمع المدني.

 

تجديد تعريف الداعية

لاشك أن إعادة بناء نظرية “الدعوة” سيلقي بظلاله أيضاً على مفهوم المنتمين اليها وتعريفهم، والمقصود بهم “الدعاة” أو أعضاء حزب الدعوة الإسلامية، والداعية بالمعنى الاصطلاحي الإسلامي المعاصر العام هو من يدعو الى الإسلام وتطبيق أحكامه وشريعته في المجتمع أو الدولة، أما “الداعية” بالمعنى الخاص بحزب الدعوة الإسلامية؛ فهو المنتمي الى “الدعوة” تنظيماً وفكراً ومنهجاً وسلوكاً، أو الذي خرج من التنظيم وظل مؤمناً بفكره ومنهجه وسلوكه. وهذا الإيمان الفكري والسلوكي يستدعي أن يكون عضو حزب الدعوة داعيةً إسلامياً أيضاً؛ ليس على مستوى تدينه الفردي وسلوكه الشخصي وحسب؛ بل على مستوى أداء واجباته الدعَوية؛ كالتبليغ الديني، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودعوة الناس لتطبيق أحكام الإسلام ومكارم الأخلاق وغيرها، وبذلك ينطبق عليه مفهوم الداعية بالمعنى الإسلامي العام أيضاً.

ومصطلح “الداعية” منتزع من “الدعوة” وليس من الحزب، أي أنه يشير الى الانتماء للدعوة بمفهومها العقائدي، وليس الى الحزب بمفهومه السياسي، أو ـ بكلمة أخرى ـ التوصيف العقائدي للمنتم وليس التنظيمي. وبالتالي فإن مصطلح “الداعية” ينطوي على أعباء عقائدية ثقيلة وتبعات سلوكية شاملة، وهو ما كان حزب الدعوة يشدد عليه قبل عام 2003؛ أي قبل حدوث التحولات الفكرية والسياسية في الحزب. أما صفات “الداعية” أو عضو حزب الدعوة على وفق واقع العراق بعد عام 2003 والنظام الداخلي لحزب الدعوة لعام 2008؛ فلعلها دخلت في دائرة إعادة النظر والتجديد أيضاً، وسيترشح ذلك تلقائياً في إطار عملية اعادة بناء نظرية حزب الدعوة ومشروعه الدعوي والسياسي الجديد، وسيتبين التوصيف الجديد لأعضائه وشروطهم ومواصفاتهم وواجباتهم؛ فيما لو كانوا هم دعاة للإسلام؛ بكل ما يعنيه هذا المصطلح، أو أنهم أعضاء في حزب سياسي، أو يجمعان التوصيفين معاً.

 

المستويات الأربعة للدعاة

ويعود الخلاف حول هذه التوصيفات الى الفروق الجوهرية والشكلية بين أربعة مستويات من الدعاة والعاملين للإسلام:

الأول: الداعية بالمعنى الاصطلاحي الإسلامي العام، وهو الإنسان المؤمن الملتزم بالمعتقدات والأحكام الشرعية في فكره وسلوكه، المعبأ بالثقافة الإسلامية التراثية والعصرية، المتعلم، المنتج للأفكار، الناقد للواقع؛ لأن مهمته تتلخص في الدعوة الى الإسلام وشريعته، وتغييرالواقع، والتأثير في المجتمع، والتبليغ بالثقافة الاسلامية، ونشر الوعي الديني، والتبشير بالمشروع الاسلامي في أبعاده المختلفة الفكرية والسياسية، أي أنه نموذج النخبوي الإسلامي، ولا يمكن أن يكون الداعية سياسياً أو عسكرياً محترفاً؛ بل أنه يمارس السياسة والعمل العسكري لأهداف دينية دعوية، أي أنه داعية ومبلغاً ومبشراً قبل أن يكون سياسياً، وإذا لم يكن الداعية بهذه المواصفات سقطت عنه صفة الداعية بمعناها الإصطلاحي، قد تكون مهنته الفلاحة أو البناء أو الطب أو التعليم، ولكنه ينبغي أن يكون مثقفاً ومتفقهاً ومنتجاً؛ ليكون بمستوى أهداف الدعوة وأعبائها.

الثاني: “الداعية” بالمعنى الإسلامي الحزبي الخاص؛ أي “الداعية” العضو في حزب الدعوة الإسلامية؛ الذي تنطبق عليه جميع مواصفات وشروط والزامات الداعية بالمعنى الإسلامي العام، وتضاف عليها أعباء دعوية جديدة خاصة؛ لا تقل ثقلاً نوعياً وكمياً عن المواصفات العامة، وترتبط بمشروع حزب الدعوة الخاص؛ بعقائديته والتزاماته التنظيمية والسلوكية والسياسية والاجتماعية.

الثالث: “الداعية” بالمعنى السياسي الحزبي الخاص؛ أي العضو في حزب الدعوة، وهو الذي يمارس عملاً حزبياً وسياسياً في إطار المشروع التنظيمي والسياسي لحزب الدعوة الإسلامية؛ في حال استحال حزب الدعوة حزباً سياسياً لا علاقة له بالمشروع الدعوي، وهذا التعريف للداعية، أو عضو حزب الدعوة بتعبير أدق؛ لايشترط فيه أن يكون هذا العضو مثقفاً متفقهاً منتجاً ناقداً مغيراً.

الرابع: العامل للإسلام بالصيغ الشعائرية الطقسية، وهو مستهلك للأفكار والثقافة، وينشط في محور إسلامي؛ مسجدٍ أو حسينية أو جبهة عسكرية أو جمعية دينية، ولا يشترط في هذا الشخص أي من مواصفات الداعية وواجباته الثقافية والتبليغية والتغييرية.

 

توصيفات ما بعد 2003

ولذلك لا يمكن اعتماد توصيفات أدبيات حزب الدعوة في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات لأعضائه على واقع ما بعد عام 2003؛ كما يعتقد معظم الرواد منهم، قد تكون هذه التوصيفات مجدية فيما لو أبقي حزب الدعوة الإسلامية على تعريفه لنفسه كما كان في تلك العقود؛ بغاياته وأهدافه التغييرية الانقلابية الكبرى، وعقائديته وعالميته، ومشروعه في إقامة الدولة الاسلامية الفكرية، وتطبيق أحكام الشريعة في المجتمع، هذه هي ماهية “الدعوة” أصلاً؛ فلو بقي الحزب متمسكاً بها؛ سيكون المنتمي إليه داعية إسلامياً وليس عضواً في حزب سياسي، أما إذا قبل حزب الدعوة بالاستحالة والتغيير الماهوي؛ حتى الجزئي منه؛ فإن ذلك يستتبع تغييراً حتمياً في تعريف الداعية، ووضع قواعد ومعايير جديدة لوصف عضو حزب الدعوة، وعلى أساس ذلك سيتم تقرير نوعية ثقافته وميزانها وحجمها، ومناهج تثقيفه وتدريبه، وطبيعة سلوكياته الخاصة والعامة، كي يكون التقرير هنا لكائن واقعي قائم وليس مفهوم ذهني مجرد.

(يتبع)...

 

بقلم: د. علي المؤمن

 

في المثقف اليوم