كتب واصدارات

أنصار ولاية الفقيه ومعيار العلاقة بحزب الدعوة (25)

ali almomenكان كثير من الإيرانيين الولائيين؛ أي علماء الدين المؤمنين بمبدأ ولاية الفقيه وبالإمام الخميني مصداقا لها؛ وتحديدا الذين عاشوا في النجف؛ يعتمدون مؤشرات أساسية في اتهامهم حزب الدعوة بعدم الإيمان بولاية الفقيه؛ أهمها:

1- إن حزب الدعوة ومنذ تأسيسه؛ كان تابعا من الناحية الواقعية والفكرية لمرجعية السيد محسن الحكيم؛ وإنه تأسس في كنفه وبرعايته، وبما أن مرجعية الإمام الحكيم هي مرجعية إصلاحية وليست ثورية، وإنها كانت على خلاف مع مرجعية الامام الخميني في النجف، وعلى علاقة إيجابية بشاه إيران؛  فإن حزب الدعوة هو ابن هذه المدرسة بكل تفاصيل حركته، فضلا عن أن ثلاثة من أولاد السيد محسن الحكيم هم من مؤسسي حزب الدعوة والدعاة الأوائل: السيد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الحكيم والسيد علاء الدين الحكيم، وإن تمويل حزب الدعوة كان من السيد محسن الحكيم، كما كان كثير من علماء الدين من قادة “الدعوة” هم تلاميذ ووكلاء وممثلون للسيد محسن الحكيم؛ وأبرزهم السيد مرتضى العسكري والشيخ عارف البصري في بغداد، والسيد قاسم شبر في النعمانية، والشيخ علي الكوراني في الكوفة، والشيخ محمد مهدي شمس الدين في الديوانية، والسيد محمد حسين فضل الله في لبنان، والسيد طالب الرفاعي في مصر وغيرهم كثير، وكان الدعاة يديرون غالبا مشروع المكتبات العامة الذي رعاه السيد الحكيم.

 

فتوى العسكري ضد شريعتي

2- إن اثنين من مؤسسي حزب الدعوة وقادته كانا ضد بعض رموز الثورة في إيران، وعلى علاقة ببلاط الشاه كما يشيعون؛ وهما السيد مرتضى العسكري والسيد محمد مهدي الحكيم، فالسيد العسكري أفتى بانحراف الدكتور علي شريعتي مستعينا بفتوى الإمام الخوئي، وكانت فتوى العسكري تلقيها طائرات جيش الشاه بشكل منشورات على المتظاهرين الثائرين في العام 1978؛ لتثبيط عزيمتهم وبث الخلافات بينهم؛ على اعتبار أن علي شريعتي كان إسلاميا تنويريا، وقد قتله السافاك (مخابرات الشاه) في باريس العام 1977، وكان كثير من الثوار الإيرانيين الاسلاميين التنويرين يعتمدون أفكاره، أما السيد مهدي الحكيم؛ فقد كان متهما بأنه عاش في كنف الشاه حين أقام في إيران؛ بعد إفلاته من يد السلطة البعثية في العام 1969، وكان وهو في طهران؛ يعمل مع معارضين عراقيين آخرين على الإطاحة بنظام صدام بإشراف سلطات الشاه.

 

تبعية "الدعوة" لمرجعية الخوئي

3- اتبع حزب الدعوة مرجعية السيد أبي القاسم الخوئي بعد وفاة السيد محسن الحكيم، وكان معظم تمويل حزب الدعوة يأتي من السيد الخوئي عبر وكلائه ومعتمديه من الدعاة، ولاسيما الشيخ محمد مهدي الآصفي والشيخ مهدي العطار والسيد عبد الله الغريفي والسيد محمد حسين فضل الله، إضافة الى أربعة من كبار التجار الشيعة الكويتيين والإماراتيين من معتمدي السيد الخوئي، كما كان أكثر علماء الدين من قادة حزب الدعوة هم تلاميذ السيد الخوئي؛ كالسيد كاظم الحائري والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد علي التسخيري والشيخ محمد مهدي الآصفي والشيخ مهدي العطار وغيرهم كثير جدا، وإنهم متأثرون بأفكار السيد الخوئي، أو وكلائه؛ حتى كانوا يقولون بأن الشيخ الآصفي رفض ترجمة أو تصحيح كتاب {الحكومة الاسلامية} للإمام الخميني؛ حين أرادوا طباعته في النجف، وقد نفى الشيخ الأصفي ذلك عندما سألته حول هذا الموضوع؛ بل قال إنه واظب على حضور دروس الإمام الخميني في {الحكومة الإسلامية} مدة سنتين، كما أن حفيد الإمام الخوئي السيد موسى الخوئي؛ ظل حتى الثمانينيات من القرن الماضي في قيادة حزب الدعوة، ونقل لي السيد موسى الخوئي بأنه كان خلال عقدي الستينيات والسبعينيات أهم رابط بين {الدعوة} والإمام الخوئي، وكان ينقل أخبار الحزب وشؤونه واحتياجاته الى جده المرجع الأعلى.

وفي السياق نفسه نقل لي القيادي في حزب الدعوة الشيخ عبد الحليم الزهيري بأنه حصل في عام 1985 على وكالة جديدة من الإمام الخوئي سلمها له نجله السيد محمد تقي الخوئي في موسم الحج؛ وهو لقاؤهما الثاني بعد لقائهما في مدينة هامبورغ بألمانيا في عام 1984؛ بالرغم من خطورة هكذا لقاءات على مرجعية السيد الخوئي؛ في ظل حالة القمع والإرهاب التي كان يمارسها نظام صدام ضد الحوزة العلمية والحركة الإسلامية، وتصفية كل من يشتبه بعلاقته بحزب الدعوة؛ فكيف إذا كان نجل المرجع يلتقي بالشيخ الزهيري الذي كان معروفا لدى السيد الخوئي بأنه من قادة الجناح العسكري للحزب حينها، وفي اللقاءين كان السيد محمد تقي الخوئي يعبر عن اهتمامه واهتمام والده المرجع الأعلى في النجف بعمل حزب الدعوة في داخل العراق وضرورة تطويره وتصعيده، كما جدد الإمام الخوئي -عبر نجله- إجازته لوكلائه السيد فضل الله والشيخ العطار والسيد الغريفي والشيخ الآصفي والشيخ الزهيري وغيرهم بالصرف من الحقوق الشرعية على مختلف نشاطات حزب الدعوة؛ بما في ذلك العمل العسكري.

وكان معظم فقهاء حزب الدعوة لا يوافقون على العدول عن تقليد السيد الخوئي؛ عندما يستفتيهم الدعاة في العدول الى تقليد الإمام الخميني، في الوقت الذي كان الدعاة الذين يقلدون الإمام الخوئي يعيشون حيرة كبيرة وازدواجية شرعية؛ بين تقليدهم لمرجع لا يستطيعون تقليده في الشأن السياسي ومسألة الصراع المسلح مع السلطة البعثية والخوض في الدماء من جهة، وتبعيتهم العملية للإمام الخميني في قضية الصراع والشأن السياسي ودعم الجمهورية الإسلامية من جهة أخرى، وبين فقيه الدعوة السيد كاظم الحائري؛ الذي يفتي لهم بالخوض في الصراع المسلح بكل تبعاته وخواتيمه من جهة ثالثة.

 

تصريحات الكوراني ضد الإمام الخميني

4- ثمة تصريحات صدرت في الكويت من أحد قادة {الدعوة} وهو الشيخ علي الكوراني؛ ضد الإمام الخميني خلال الثورة؛ ومنها تصريح حول استغلال الشيوعيين للإمام الخميني؛ وبأن اليساريين من شيوعيين و{جماعة خلق} يركبون موجة الثورة وسيمسكون بالسلطة بعد سقوط الشاه، وقد نقل لي السيد حسن شبر بأن الشهيد الصدر عبر له خلال لقائهما في 17 أيار عام 1979 عن امتعاضه الشديد من تصريحات الشيخ علي الكوراني ضد الإمام الخميني وضده شخصيا.

 

تعاون التسخيري مع مرجعية شريعتمداري

5- إن بعض قادة {الدعوة} وكوادرها المقيمين في إيران في عهد الشاه؛ كانوا يتعاونون مع مرجعية السيد كاظم شريعتمداري؛ ولاسيما الشيخ محمد علي التسخيري والشيخ محمد سعيد النعماني والشيخ قاسم الحائري والشيخ محمد هادي الغروي وغيرهم؛ وكانوا يصدرون في بداية سبعينات القرن الماضي مجلة الهادي (باللغة العربية) التي تمثل مرجعية السيد شريعتمداري وتروج لنشاطاته.

 

صلاة الرفاعي على الشاه بهلوي

6- إن أحد مؤسسي حزب الدعوة؛ وهو السيد طالب الرفاعي؛ والذي كان وكيلاً لمرجعيات النجف في القاهرة؛ هو الذي صلى على جنازة  شاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي عام 1980، وكان ذلك من الاحراجات التي تعرض لها حزب الدعوة؛ على الرغم من أن السيد طالب الرفاعي لم يكن حينها على أية علاقة بالحزب وقيادته وتنظيماته؛ بل إنه ترك {الدعوة} في وقت مبكر بعد تأسيسها؛ أي في حدود عام 1964 تقريباً، وقد نقل لي السيد طالب الرفاعي بأنه لم يكن مخيّراً في هذا الأمر؛ بسبب ضغط النظام المصري وأنور السادات عليه شخصياً.

 

عدم تفاعل "الدعوة" مع الثورة الإسلامية الإيرانية

7- إن تنظيمات حزب الدعوة وقادته وأعضاءه في إيران لم يشتركوا في الثورة ضد الشاه ولم يكونوا يساهمون في المظاهرات، ولم تصدر عنهم بيانات تدعو الى الثورة وتدعمها، وهذه الشبهة نفاها الشيخ محمد علي التسخيري؛ حين أكد لي في لقاءات متعددة بأنه وقادة حزب الدعوة في ايران وكوادره وتنظيماته ظلوا يواكبون حركة الثورة ويشاركون فيها في جميع المدن الإيرانية التي يتواجدون فيها؛ ولاسيما طهران وقم ومشهد، وهو ما أكده أيضاً الشيخ محمد سعيد النعماني والسيد حسن شبر؛ الذي يقول بأنه كان شاهداً على مشاركة حزب الدعوة في ثورة الإمام الخميني منذ عام 1963؛ لأنه كان منذ بداية الستينات رابط تنظيم الدعوة في إيران مع القيادة.

8- إن حزب الدعوة لم يكن ينفذ أمر الإمام الخميني بالدخول بكل ثقله وعناصره في جبهات الحرب العراقية الإيرانية؛ وإنه يدخر عناصره الى المستقبل؛ أي لمرحلة تسلم الحكم في العراق، بينما كان حزب الدعوة يتعامل بكل جدية مع هذا الموضوع؛ ولكن وفقاً لإمكاناته المتاحة، ويذكر انه قدم في هذا المجال ما يقرب من (500) شهيد ومئات الجرحى والمعاقين.

9- إن حزب الدعوة يعد نفسه كياناً مستقلاً عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولا يذوب في مؤسساتها المدنية والعسكرية والمرجعية، ويتصرف باستقلالية في كثير من الملفات؛ على العكس من الشخصيات والمجموعات العسكرية التي انشقت عن حزب الدعوة؛ ولاسيما المجموعة التي كانت نواة تأسيس قوات بدر التي يقودها اليوم السيد هادي العامري، والمجموعة التي كان يقودها القيادي العسكري التاريخي في حزب الدعوة السيد مهدي عبد مهدي (أبو زينب الخالصي) التي عرفت بقوات سيد الشهداء.

 

اتهامات ومفارقات

المفارقة هنا؛ إن الجماعات الشيعية العراقية المتخاصمة مع حزب الدعوة؛ كانت تسهم بقوة في تغذية هذه التهم ضد حزب الدعوة؛ وتركز على تجميع أي تفصيل؛ مهما كان بسيطا؛ وتنقله الى المسؤولين الإيرانيين؛ لتثبت لهم أن حزب الدعوة يعارض ولاية الفقيه، وهي تهمة تثير حساسية الإيرانيين؛ على الرغم من معرفة الإيرانيين التفصلية بخلفيات الأحداث وطبيعة الخلافات بين "الدعوة" وخصومها، والمفارقة الأخرى هي ان حزب الدعوة كان يدفع ثمن مقولة تبعيته لمرجعية الإمام الحكيم والإمام الخوئي ومرجعية النجف عموما، وعدم ذوبانه في مرجعية الإمام الخميني وولايته؛ في الوقت الذي أصبح بعض العراقيين من أبناء مرجعية النجف المتمسكين بها؛ من الذائبين بولاية الفقيه أكثر من الإيرانيين أنفسهم، ويكيلون التهم الى السيد الخوئي والى ما يسمونه بالمرجعيات التقليدية، ولكن حين برزت مرجعية السيد محمد محمد صادق الصدر التغييرية في النجف في أواسط تسعينيات القرن الماضي؛ بادروا أيضاً الى ضربها وتشويه سمعتها عند الإيرانيين، بينما أيد حزب الدعوة السيد محمد الصدر ومرجعيته، وكان يحاول التنسيق معه، وحماية أنصاره في الخارج، ولم يكن يرى مسموغا لضرب السيد محمد الصدر ومرجعيته من بعض الأطراف العراقية المتواجدة في إيران.

وبذلك؛ ظل حزب الدعوة منذ وفاة المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم؛ يرفض أن يكون طرفا في التنافس المرجعي؛ كيلا يدفع ضريبته، فضلا عن أن هذا التنافس هو شأن داخلي حوزوي، ومظهر طبيعي من مظاهر الاجتماع الديني النجفي منذ قرون، وتدخل فيه عناصر متعددة؛ بعضها شديد التعقيد؛ ويرتبط بالأعلمية ومساحات التقليد والنفوذ الديني.

 

بقلم: د. علي المؤمن

 

في المثقف اليوم