كتب واصدارات

قراءة استعراضية في كتاب الخلفية النصية الاسبانية والشعر العربي المعاصر .. بحث في التفاعل النصي

akeel alabodمدخل الى الكاتب والكتاب: المفكر الدكتور محمد عبد الرضا شياع، استاذ الادب المقارن وتحليل النص في الجامعات العربية، يستنبط علاقة الخلفية النصية الاسبانية بالشعر العربي المعاصر من خلال استقرائه لنصوص رموز مهمة في الادب العربي، ذلك على نمط البياتي، محمود درويش، السياب، وغيرهم، على أساس علاقة الدال والمدلول في السيميولوجيا، حيث يقترن الرمز اللوركي بمعناه الثوري في القصيدة العربية بمفهوم الثورة، والشهادة، والتضحية، ذلك وفقا لابعادها الزمانية والمكانية. الكتاب من تقديم الدكتور والمفكر سعيد يقطين، أستاذ التعليم العالي في جامعة محمد الخامس في مدينة الرباط، والكتاب باربعة فصول، وعدد صفحاته أربعمائة، وسبعين صفحة من الحجم الكبير ، اضافة الى الخلاصة، والملحق، ثم المصادر والمراجع- ذلك ما تستدعيه ضرورات الإضافات المهمة في البحث العلمي.

والكتاب من مطبوعات دمشق، تموز، لعام ٢٠١٣.

 

حول عنوان الكتاب:

  عنوان الكتاب يرتكز على ثلاثة مسميات مترابطة ومتلازمة، من خلالها، يفهم القاريء المحتويات، وما يريد المؤلف ان يقول، وهذه المسميات هي الخلفية النصية الاسبانية، الشعر العربي المعاصر، وبحث في التفاعل النصي. والذي تنوقش من قبل جيرار جينيت الذي أسس لمعناه،  كونه مفردة ومقولة مهمة اشتغل عليها المعنيون في الادب المقارن في"علم النص....جوليا كريستيفا المبتكرة الاولى لمصطلح التناص"ص١٣سطر١٢-١٣، ومصطلح التناص ورد في الأنماط الخمسة التي يرتكز عليها التفاعل النصي، وهي"١-التناص،٢- المناصة،٣- الميتانصية،٤- التعلق النصي،٥- معمارية النص".[1].

هنا يصبح من الضرورة الإشارة الى ان هنالك نصا، وتناصا بين نصين وتعاليا نصيا، وتفاعلا نصيا، والتفاعل يعني التعلق بنص اخر، من دون سرقة او احلال، كما ايضا يجب إعطاء القارىء فكرة واضحة عن أشكال التفاعل النصي من حيث الأبعاد الثلاثة" التفاعل النصي الذاتي، والتفاعل النصي الداخلي والتفاعل النصي الخارجي" [2].

وضرورة البحث في هذه الأشكال يدلنا على حيثيات التفاعل من حيث المستوى والمستوى الخاص، حيث كلاهما يخضعان الى لغة الكاتب وثقافته وارتباطه مع ثقافات نصوص اخرى وهذا مهم للناقد كونه يساعده على استدراج جوهر النص ونقاط التقائه مع النصوص الاخرى. [3].

 

بداية الكتاب

استهل الكاتب مؤلفه بالآية ١٣من سورة الحجرات" يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير"

والمقصود بحسب اختيار الآية الكريمة، ان المؤلف أراد ان يوظف النص القراني للبحث في موضوعة التفاعل النصي، بناء على نظرية التنوع الثقافي بين الشعوب، بمعنى انما اريد لهذه الشعوب ان تحكي تواريخ ابطالها ورموزها وفقا لهذه العلاقة المقدسة التي بها تتجاذب وتتأثر وتتفاعل رابطة الانتماء الإنساني.

اما إلاهداء، فقد كتب على شاكلة هذه المرارة التي بين جوانحها يصرخ الصبر؛ يستغيث بحثا عن فضاء امن بموجبه يتحول المغترب الى بطل، يبحث عن رفيق درب، به يستعين لمواصلة هذا الشوط الطويل من الالم- بهذه الصورة من الشقاء يكتب شياع لغته التي عنوانها هذه الأبجدية الموسيقية التي ترنيمتها مقولة اسمها الصبر، لذلك يصرخ بها بلوعة في اول الكتاب، لعله يستنجد برفيق غربته ليحيا متواصلا هكذا حاملا معه مناجاة مغترب في صحراء ليل طويل: "الى التي كانت تجرح أوتار الغربة بريشة الصبر".[4].

والسؤال هو من الذي جعل المؤلف يبحث في تناص هذه العلاقة التي أمواجها تعانقت، لتتشرنق في ابجدية هذا النوع من التلاحم بين النص الإسباني والشعر العربي، كيف استطاع صاحب البحث ان يكاشف حقيقة هذا النوع من التداخل، ينصت اليه، بكل تفاصيله، كيف استطاع محمد شياع ان ينقل لنا حيثيات هذا النوع من الأدلجة في الوعي الشعري بطريقة خاشعة منصتا الى ينبوع هذه الأيقونة التي من أقانيمها نشيد لوركا النموذج، والرمز ؛ ما هو الطريق الذي اعتمد عليه للكشف عن مفردات هذا النوع من التمازج والتلاقح بين الشعر الإسباني والقصيدة العربية؟

"يكشف الانتقال الى قراءة النموذج عبر تيماته الشعرية عن نقلة نوعية على مستوى الأداء الشعري، اذ يتحقق هذا الأداء في ممارسة العبور الذي وسم القصيدتين الاسبانية والعربية بميسمه، فهو عبور مرسوم بنياشين التجربة والمعاناة والتحول، عبور ممهور بدماء وجوع وقهر، انه المعادل الموضوعي للتجربة الإبداعية، فالواقع العربي يمر بمرحلة خطيرة، والشاعر ينزف ويحذر من السقوط والانهيار، وكذلك كان الإسباني"[5].

الموضوع يستقي ملامحه الحقيقية من المدخل الذي أراد المؤلف بحثه عبر مفهوم" علاقة الذات بالاخر" الذي نوقش من قبل الجابري محمد عابد في المعنى "الابستمولوجي"[6].

 اما المعنى الابستمولوجي فقد انطوى على كيفية توظيف مفردات الواقع بحسب التجارب الشعرية المتداخلة بين اسبانيا والعرب، باعتبار ان هنالك طريقا مفتوحا للسفر، هذا الطريق يحمل في بذوره لغة التوظيف الجغرافي والتاريخي للنص" هي تيمة عبور على الصعيدين الفردي والجماعي .. فالحياة كلها في حالة عبور دائم، هذا ما يتوئم الغجر والفجر: فالأول يمثل طفولة شعب، الحالة البدائية المندورة بالعبور الى زمن اخر، ووعي اخر، والثاني يمثل بداية يوم جديد"[7].

في التقديم الدكتور سعيد يقطين يتناول معنى التناص بناء على مفهوم التداخل بين النصوص؛ فهنالك ارتباطا بين النصوص على اساس مقتضيات ما تفرضه الحاجة الى القراءة، وعليه يصبح من الضروري التمييز بين النص، التناص، التأثير والتأثر بين الآداب والثقافات. "والتناص" معناه بحسب المقدم العلاقات بين النصوص، وعليه وبحسب "جيرار جينيت" نوقشت فكرة "المتعاليات النصية" لكي يتم إفراز وطرد شبح مخيف استحوذ كان له دور سيء في ارتكاس الابداع الأدبي- وهي قضية السرقات التي تعرض النص الى التهشم والإقصاء، كونه يمس حرمة وقدسية الابداع. ولذلك تجنبا للاختلاط كان لأطروحة الدكتور شياع أثر جميل في تعريف القارىء  بمعنى التفاعل النصي، والتي اعتمدت الترابط بين" الشعر العربي المعاصر بنظيره الإسباني"[8].

حيث ابتدأ المؤلف مقدمته عن الادب المقارن لكي يعطي فكرة عن مقدمة اشكالية، منها اختلفت الآراء، اوا نطلقت لتبيان المنحنيات المتماسة بين الآداب والثقافات المختلفة- موضوعة التناص، والتفاعل النصي التي تم تحديدها بحسب جنيت

على لسان المقدم بخمسة أنماط وهي:  "التناص، المناصة، الميتانصية، التعلق النصي، معمارية النص". والمقدمة ملخص واضح للفصول المتتالية للكتاب؛ حيث بها أعطى الدكتور شياع الملامح الموجزة والمفصلة للقاريء بما يتناسب وعنوان أطروحته.

الفصل الاول الذي عنوانه الرئيس التفاعل النصي: نحو مقاربة نظرية، موضوعاته بحسب التسلسل: سؤال الكتابة، ماهية النص، حركية العناصر النصية، انسجام النص، التناص، تعدد المقاربات التناصية، القيم التناصية، التفاعل النصي، أنماط التفاعل النصي، التناص، المناصة، الميتناصية، التعلق النصي، معمارية النص، أشكال التفاعل النصي، التفاعل النصي الذاتي، التفاعل النصي الداخلي، التفاعل النصي الخارجي، مستوى التفاعل النصي، المستوى العام، المستوى الخاص.

 

هنا قبل الولوج عبر بوابات المقدمة، كونها ملخص بفصول الكتاب، وما انطوى عليه المعنى التفصيلي للعنوان، لا بد من تبيان ان الفصل الاول من الكتاب لا يخلو من مناقشة "معنى الكتابة" باعتبارها تشبه في كينونتها لغة الإلهام الذي يلد من النفس، فيحرك لواعجها، لتصبح لغة الشاعر أشبه بمكنون إلهامي، يعيش، بل يحيا مع المشاعر، لعلها "الذات الكاتبة" تستخلص الذائقة ؛ ترتقي من خلالها الى طقوس الحكمة ومراتب الابداع. لذلك يقول المؤلف" لعل الفكرة العالقة في الاذهان تجسدت في ملفوظ" الإلهام" الذي يرجع تاريخه الى "هوميروس"[9].

   

ملخص الفصل الاول

من اهم مفاتيح الفصل الاول هو هذه العلاقة الترابطية التلازمية المتواترة بين الذات كمادة تحمل في كتلتها الفيزيائية صفة الوجود البشري من جانب، وارتباطها الوجداني مع الفعل الذي يحمل بين جوانحه لغتين من التفاعل، الاولى ترتبط مع الوعي،  والثانية ترتبط مع اللاوعي، والتاريخ مساحات متصلة تتفاعل في فضاءاتها التباسات الذات، صراعها مع الواقع وكينونتها التي عبرها تتجسد لغة النص. إذن لغة النص تتفتح آفاقها لترتبط مع مفردات الواقع ومكوناته هنا في هذا المكان، او ذاك، وتلك من بذورها تنبت ما يسمى بذرة النص، اي ماهيته الفيزيقية والميتافيزيقية؛ بمعنى عالمها الملموس الذي يتحاور مع مفردات الواقع عبر هذه الديمومة من التفاعل تارة، وعالمها اللاملموس الذي يتحاور مع مفردة الوعي التي بدورها تستبطن حركة التاريخ وانتماء لغة النص الى هذه الحركة. لذلك "علم النص" انطلاقا من "السيمائيات، كان قد نوقش من قبل "جوليا كريستيفا [التي تعد] من المع الباحثين في ماهية النص"، "ومقولة النص" بحسب سعيد يقطين " لا يمكن ان تحدد فقط على مستوى واحد، بل ان يحلل على مستويات عديدة مورفولوجية وتركيبية ودلالية وتداولية... وهذا يتطلب نظرية مركبة تستفيد من السوسيو-لسانيات والسايكولسانيات وغيرها"[10].

والسايكو مشتقة من سايكولوجي، بينما السوسيو من سوسيولوجي، بمعنى علم الاجتماع، وهذا البحث مهم في استكشاف الخلفيات النفسية والاجتماعية، والأخلاقية للشعوب، حيث عبر الثورات والمآثر ، يتم استكشاف الجانب الأسطوري للتضحيات، وهذا ما أشار اليه الباحث وهو في طريقه الى ربط الأنماط الخمسة للتفاعل النصي كما ورد.

ففي موضوعه أنماط التفاعل النصي  يؤكد شياع المعنى الخاص والعام لهذا التفاعل- "خمسة أنماط" ص٥٨ سطر ٥-٧"التناص، النصية المصاحبة، التوالد النصي، الميتانصية والمعمارية النصية"

بينما هنالك" يحدد جيرار جينيت-على قول سعيد يقطين-خمسة أنماط من التعاليات النصية وهي: التناص، والمناص، والميتانص، والنص اللاحق(التعليق النصي)، ومعمارية النص"[11].

 

قبل الانتقال الى الشطر الثاني من العنوان؛ الخلفية النصية الاسبانية،  أودّ الإشارة الى ان المؤلف استعان، اي بنى مؤلفه بناء على ترابط هذه الحيثيات مع بعضها على اساس مبدأ التفاعل بين ثقافة العصر من جانب وتاريخ التشكل النصي من جانب اخر، ذلك على اساس التفاعل الزمكاني، الذي يضاف اليه طريقة الوعي الفني لصاحب النص الجديد، والمعنى يشير الى رمزية البناء المعماري للقصيدة العربية وهي تستحضر مكونات الفن الأدبي للقصيدة الاسبانية كما هو مبين ومفصل في الفصل التالي.

الفصل الثاني، ومدخله الخلفية النصية الاسبانية وآفاق تفاعلاتها. وتتضمن بحسب السياق العصور الوسطى، أناشيد المفاخر، اغاني الميوثيد، مدرسة طليطة للمترجمين، النهضة، العصر الذهبي، العصر الباروكي، اللاثاريو والمقامة العربية، دون كيخوته، النزعة الانعزالية، البحث عن الذات، الاتجاه الحديث، جيل ١٨٩٨، الطلائعيون، جيل ١٩٢٧، السمات المشتركة، فيديركو غارثيا لوركا، غارثيا لوركا: افاق كونية، والشعر العربي المعاصر.

هنا لا بد من الضروري البحث في موضوع آفاق التفاعل بالنسبة الى الخلفية النصية الاسبانية، ما هي هذه الآفاق؟

يقصد بالآفاق؟ الأحقاب الزمنية التي تناسلت أحداثها مع لغة الثقافة الخاصة في اسبانيا انذاك، حيث هنالك عصور ومدارس ازدهرت في ظلها، وايضاً هنالك مفكرون ومعنيون بدراسة وتشجيع النصوص التي ظهرت وقد ذكر المؤلف العصور الوسطى اللغة القشتالية الاسبانية، أناشيد المفاخرة، اغاني الميوثيد، مدرسة طليطلة للمترجمين، النهضة، العصر الذهبي، العصر الباروكي، اضافة الى احداث وتفاصيل لها علاقة بتلبية ارادة النص، تمثيل صيرورته الحسية والنفسية، ناهيك عن تلبية الرغبة السياسية  للنص، الدون كيخوته في زمنه، "ترعرعت احضان الثقافتين الاسبانية والإيطالية"  وبهذا ظهر الاتجاه الحديث يرافقه فلسفات وبنى وتيارات فكرية متعددة-النزعة الانعزالية مثالا.

هنا من الضروري ان نذكر أهمية الموسيقى بالنسبة للشعر، باعتبارها من مكوناته الروحية، فماهية الشعر تفقد الوهيتها لولا هذا الترابط الذي يعد بالنسبة للمؤلف من اقانيم القصيدة، حيث كما جاء: " يبدأ الشاعر كرنفاله الشعري بالفلامنكو الذي يستجمع حضوره معجم اللغة الشعرية اللوركية في كل ظهور"[12].

 

ملخص الفصل الثاني:

من المناسب الذكر ان موضوع الانتقال "من الأسطورة  الى التاريخ"  مهم في فهم وتحليل المكونات الاساسية للأدب الإسباني، ذلك بغية الوقوف على العوامل والمؤثرات الاساسية، اي الحيثيات التاريخية والأدبية لهذه المكونات، هذا ما أريد التوصل اليه بحسب المؤلف؛ فمثلا من العوامل الاساسية لهذه المكونات كما ورد،

"مدرسة طليطة للمترجمين"ص٧٤، المحور الثاني، ذلك باعتبار ان هنالك اثارا دينية، باعتبار ان للمعتقدات الدينية التي جاء بها الشارحون انذاك

دورا بين الثقافة العامة والمعتقد الديني، وما جاء به القديس توما الأكويني كان نموذجا لذلك.

بالمقابل  فللأسطورة دور اخر في تفاعل ما ورد في نصوصها مع الادب الاسباني، كما جاء في ص [13].

ما ورد في نهاية الفصل يعد خاتمة احتوت ما تم بحثه في الفصل اعلاه " فالنصوص/ الافكار ليست نتاجات معزولة، بل هي إنجازات تستعاد بأساليب مغايرة تؤطرها احوال العصر وظروف المكان، انها كائنات حية تعيش تحت قبة سماء واحدة في أزمنة مختلفة تفرض السابقة سلطتها على اللاحقة..."[14]. 

"التقطت الحرب الأهلية الاسبانية(٣٦-٣٩) غارثيا لوركا بطلقات غدر خائنة جعلت اسمه خيوط نور تغطي ارض الابداع الانساني بصمت وألم" ص ١٠٧ مقتل لوركا"....لذلك "أنشده شعراء العالم... والسؤال مطروحا من خلد من؟ الموت خلد لوركا ام لوركا خلد الموت...شهرة لوركا الكونية"

هذا ناهيك عن ان هنالك قراءات من خلالها يصبح الباحث ملما بطرق التفاعل، وهذا يلهمه مشاهد ومحاكاة جديدة... أدونيس مثلا: "فقراءة بودلير هي التي غيرت معرفتي بابي نواس"[15].

هنا من الضروري الاشارة الى علاقة النوع الثاني من الأنماط الخمسة للتفاعل النصي، باعتبارها أنتجت صيغة جديدة ومعادلة جديدة، بل حتى قواعد جديدة للكتابة الأدبية وسياقاتها القديمة، لذلك الميتانصية واحدة من الموضوعات التي اشتغلت عليها نارك الملائكة" اذا ما نظرنا الى الامر من خلال الميتانصية، ينجز آراء نارك الملائكة نفسها تدلل على يقينية هذا الراي... ان الشعر العربي، يقف اليوم على حافة تطور جارف عاصف لم يلقي من الأساليب القديمة شيئا، فالأوزان والقوافي والأساليب والمذاهب ستتزعرع قواعدها جميعا، والألفاظ ستتسع حتى تشمل آفاقا جديدة" وهذا يدخل في علم التداوليات، وعلم التداوليات له علاقة باشتقاقات لغوية لها معانٍ جديدة، ارتبط بعضها ب الفلامنكو[16].

يعد الانتقال الى ما جاء في موضوعة المكان الإسباني بحثا نوعيا، باعتباره يعتمد على متابعة الشفرة اللغوية التي يستأنف فيها صاحب النص الجديد اشراقة ما تم تلاوته في النص القديم وتلك مهمة شائقة، حيث على اساسها تتسق مسارات الزمن بناء على مشيئة الزمن الحاضر، اذ المزارات، كما أيقونات تترنم بها الأجيال استحضارا لواقع انساني مشرق، وهذا ما يتجلى واضحا في جميع العناوين الخاصة بالفصل اللاحق.   

 

الفصل الثالث

موضوعاته تندرج تحت عنوان المكان الإسباني نسق في الشعر العربي المعاصر وهي على التوالي: تقديم، المكان الإسباني، الأندلس، قرطبة، إشبيلية، غرناطة، طليطلية، مدريد، الوادي الكبير، النسق المكاني، المتن الشعري، عبد الوهاب البياتي ظاهراتية الوجود، مدريد: الجرح الشعري، غرناطة المكان الضرورة، قرطبة الألفة المفتقدة، محمود درويش القراءة الابيسية، اسبانيا ثوب الحداد، الأندلس :جدلية الداخل والخارج، قرطبة هاجس الرحيل، غرناطة اغتصاب الجسد، محمد علي شمس الدين: الرؤية البسيكولوجية، غرناطة جغرافية الداخل، الأندلس كربلايية المشهد، احمد الطريبق احمد: الحس الصوفي، غرناطة قرطبة الأندلس: سمو الأعماق واستجلاء اصوات الغياب، طليطلية. مدريد: عشق الجذور، على سبيل التركيب.

 

نموذج لنص البياتي - قصيدة الكابوس

"عدت الى جحيم "بيكاسو" وليل الزمن الموغل في قصائد العشق على قبر ملوك الحجر الساحر والألوان

وبهلوانات حريق الصمت في اللوحات".

وفي قراءة اخرى

كان على بوابة الجحيم"بيكاسو" وكان عازف القيثار في مدريد

لملكات المسرح المغتصبات يرفع الستارة

يعيد للمهرج البكارة

يخبئ السلاح والبذور في الارض الى قيامة اخرى وفي منفاه [17].

 

ملخص الفصل الثالث

ان قراءة سريعة لما ورد تحت عنوان المتن الشعري، تعطي انطباعا كاملا للقارئ  بحسب تعبير شياع عن" حقيقة استحواذ الخلفية الاسبانية على نصيب الأسد في تفاعل الشعر العربي المعاصر مع الاخر، وفي هذا التفاعل تسكن العناصر المكانية الاسبانية بوصفها منظومة ثقافية ومرجعية نصية انغمست بها الذات الكاتبة بوعي منها وبدون وعي في مشهد يتفاعل فيه الواحد مع الكل، والمحلي مع الكوني"[18].

"نص محمود درويش...مدخلا للمقاربة المكانية الباحثة عن الخلفية الاسبانية بوصفها نسقا دالا وفاعلا في شعر درويش". هنا بلحاظ الدال والمدلول، اسبانيا-لوركا، تلتقي مع درويش الارض المكان؛ والأرض، والحزن، وبموجب هذه العلاقة التلازمية التوافقية آلاتساقية بين الدال والمدلول، رمز الارض يتم انفتاحها وحضورها مع مواقع تكاد ان تكون اكثر موائمة من النص القديم عند حضورها مع المشهد الجديد، وبهذا يصبح لتجسد الأشياء عنوانا ذَا مؤثرية حماسية، لذلك ورد في الأندلس كربلائية المشهد مع محمد علي شمس الدين، وهنا يصبح للصورة ارتباط مع أمكنة تكاد ثقافاتها تختلف في اللغة والتصور، لكنها تتشابه رموزها من حيث التفاعل" وكمثل أغاني لوركا العميقة-لوركا ذي القبر الضائع والنجوم الدامية على الصدر". هنا المشهد لقطة ما زالت مفرداتها تعوم بِنَا في صحراء من العطش يمتزج الرمل فيها مع الدم، لتصبح كربلاء في مشاعر النص مثل ترنيمة تتأجج فيها لغة الثورة، والقرينة في تعلقها مع "المناصة ... اسبانيا اندلسنا-كربلاؤنا"[19]. 

هنا كخلاصة الى ما جاء به الفصل الثالث، وكمدخل للفصل الرابع، أودّ الإشارة الى ان الارتباط يكاد ان يكون وثيقا بين الفصلين، بطريقة من خلالها يريد المؤلف ان يقول ان المكان الإسباني قد انتقل بكيانه المتجسد عبر ملامح ابطاله المتمثّلة بلوركا، ليرتبط بكينونته؛ متناغما كما أوتار آلة موسيقية، نغماتها تعيش مع القلوب، لتصدح بها الحناجر، لهذا محتويات الفصل الرابع مخصصة لمؤازرة ما جاءت به 'مدرسة' فيديريكو غارثيا لوركا-المدرسة الثورية الشعرية'، لكي يتم على اساسها استقراء الملامح الحقيقية للشعر العربي الثوري كما جاء على نهج محمود درويش، عبد الوهاب البياتي، محمد علي شمس الدين، احمد الطريبق، وبهذه القافلة من الشعراء، يمكن القول مجازا، انه تم إنجاز 'منمقات' ترتبط بذائقتها الفنية مع ما جاء في 'منحوتات' المنمقات الأسبانية والأندلسية الشعرية 

 

الفصل الرابع

ومدخله فيديركو غارثيا لوركا نموذج رمزي في الشعر العربي المعاصر، وفصوله النموذج الرمزي، الدلالة الشخصية، محمود درويش: صور النظام الليلي، عبد الوهاب البياتي: تجليات مشهد الموت، محمد علي شمس الدين: كثافة المشهد الابتهالي، احمد الطريبق احمد: كتابة نشيد البحر، التيمات الشعرية، التعلق النصي، المحاكاة، البدائية والصراع الكوني، الحرية المصادرة وأشباح الموت، الغابة الضائعة والبحث عن الذات، العبور ومخاطر الرحلة، التحويل، نداء المدائن، وشاح الليل، الضدية والتجانس، ميلاد البوح وسوسنة الأسرار، المعارضة، تقاطع اصوات الابداع، قداس الموت بين زمنين، التناقض الظاهري، الزفاف الدامي في ذاكرة التاريخ، التركيب، وأخيرا الخلاصة، وملحق، والمصادر والمراجع.

 هنا بغية توظيف بعض الأمثلة القريبة الى ذهن المتلقي، ولغرض غلق ملف هذه العلاقة بين الخلفية النصية الاسبانية والشعر العربي المعاصر، يستعرض المؤلف فكرة طرحها الجابري، ليتابع من خلالها صيرورة الخط البياني بين النص العربي والإسباني ذلك عبر تثبيت النقطة الدالة لوركا ابتداء من البياتي وانتهاء بشمس الدين، متصلا مع تداعيات الصراع العربي، حيث تنشأ معمارية جديدة للنصوص بطريقة الترجمة الوجدانية والحسية التي يمتلكها المثقف. وما يؤكد هذا الكلام، هو موضوعة الارتباط بين القديم والجديد من النصوص، ما يسمى في بعض المقاطع بالتحويل" استدعاء المادة الشعرية، جزئيا أوكليا، من النص السابق وتحويلها لصالح النص اللاحق...وبما ان التحويل عنصر من عناصر اشتغال التعلق النصي" وهذا كما يبدو مهم في عملية استقراء النصوص، هنا باعتبار ان هنالك ثقافة مركبة تجمع بين المشتغل على النص الحديث، وصاحب النص القديم، ولضرورات آلامانة العلمية وبغية الابتعاد عن السرقات، يجب الإشارة الى مصدر النص الأصلي قبل الاشتغال به، فلا يمكن للأديب اوالمثقف ان يكون أمينا، ما لم يشر الى أصل وعنوان النص الذي اشتغل عليه. 

لهذا نوقش هذا الموضوع في مقدمة الكتاب.

لقد حدد الجابري "نسبة المفكر الى الثقافة" وبهذا التفاعل النصي يتناوب من لغة الى اخرى" لقد اعتمد البياتي في خلق نموذجه اُسلوب القناع...محمود درويش...يوظف به التقنية ذاتها التي اعتمدها البياتي في خلق نموذجه"[20].

 

ملخص الفصل الرابع

هنا بلحاظ استخدام استشهاد لوركا، الرمز يصبح عنوانا للثورة والشهادة، هذا الرمز هو نفسه ينطبق في استخداماته على الواقع للعربي، هذا الواقع المغموس بالتحدي الفكري؛ "هيباتيا" نموذجا سلطة الكنيسة أطلقت عليها النار في القرن الرابع الميلادي، باعتبارها مروجة بحسب تلك التعاليم للفلسفة اليونانية التي تتعارض في قوانينها مع ألمبادىء  التي أثنت عليها الفلسفة آنذاك، حتى صارت رمزا للتعبير الرمزي في القصص والنصوص والكتابات المتنوعة في القرن الثامن على عهد "ديدرو وفولتير في "فرنسا وتولانا في إنكلترا"[21].

بهذه اللغة، وتحت هذه المؤثرات من التجاذب،  الاداب تلتقي والشعر الإسباني نموذجا حيّا لهذا النوع من الالتقاء والتجاذب.

 

الخلاصة:

يقول الباحث"لقد توصلنا....ان نصوص الشعراء العرب قد تفاعلت مع الخلفية الاسبانية من خلال الأنماط الخمسة للتفاعل". ذلك باعتبار ان القصيدة العربية اتخذت من النص الاسباني نموذجا، قرينة للموضوع بحسب الدال والمدلول، فكان الانتماء العربي لخلفية النص الاسباني قد تجلت فكرة التفاعل النصي فيها على المستويين" الخاص والعام"[22].

 

ملحق التعريف بالشعراء [23].

احمد الطريبق احمد، شاعر مغربي، بدر شاكر السياب، الشاعر العراقي، حسن توفيق، شاعر مصري، عبد الوهاب البياتي، الشاعر العراقي، فيديركو غارثيا لوركا، شاعر إسباني، محمد علي شمس الدين، شاعر لبناني، محمود درويش، الشاعر الفلسطيني.

هنا في هذا الباب أودّ ان استعرض بعض نصوص لوركا كونها في واقعها الماساوي تتطابق مع واقعنا الذي نعيش؛ سيما وان الصراع بمفرداته منذ الازل يتسم بمسارين؛ الاول يتعلق بالضحية، والثاني يتعلق بالطاغية، وبين الضحية والطاغية فصول، تتبعها مساحات دموية، هذه المساحات بها تتجلى عظمة الرموز، وبها ترتسم الأبعاد الحقيقة لثقافات الامم. وهذا ما يتفق مع جاء به المؤلف في هذا الصدد تحت عنوان عبد الوهاب البياتي: تجليات مشهد الموت ص٣١١، حيث ورد: "سجل لوركا في شعر البياتي دور الدافع الشعري، حتى انه وسم الشاعر العربي بميسمه، فبدا يتدرج في نتاجاته، وعبر مراحله الشعرية المختلفة" 

والنص أدناه نموذجا على ما قلناه:

"الموت في مدريد

والدم في الوريد

والأقحوان تحت أقدامك والجليد

أعياد اسبانيا بلا مواكب

احزان اسبانيا بلا حدود

لمن تدق هذه الأجراس

لوركا صامت

والدم في انية الورود

وليل غرناطة تحت قبعات الحرس الأسود والحديد"[24].

 

عقيل العبود

....................

المصادر والمراجع.

القران الكريم، النصوص الشعرية العربية القديمة، والحديثة، الدراسات العربية القديمة، والحديثة، الدراسات المترجمة، الأجنبية وتشتمل على: النصوص الشعرية والمسرحية، الدراسات النقدية، المعاجم [25].

 [1] راجع المقدمة ص١١-١٨، ص١٣

[2] راجع٥٦، ٦، ص٦٦، أشكال التفاعل النصي

[3] راجع مستوى التفاعل النصي، ص٦٨

[4] الاهداء، ص٥

[5] راجع التركيب ٤٣٦-٤٣٩،ص٤٣٩

[6] راجع ص ٤٣٦

[7] راجع ص٤٤٠-٤٤١

[8] راجع التقديم(٧-٩).

[9] راجع ص ٢٠ السطر ٨، راجع المقدمة (١١-١٩) سطر١٥-ص١٣

[10] راجع التفاعل النصي نحو مقاربة نظرية(١٩-٦٩). سطر٥،٦-ص٢٥،١٩،٢٧

[11] راجع ص ٥٧، ٥٨ ،٥٩-٦٩،التفاعل النصي، أنماط التفاعل النصي سطر٥-٧

[12] راجع الخلفية النصية الاسبانية وآفاق تفاعلاتها (٧٢-١٣١) العصور الوسطى،اغاني الميوثيد-الادب الاسباني للعصور الوسطى. راجع ص١٢٨-١٣٠،نهاية الفصل الثاني.

[13] راجع، ص٧٣ سطر ٩-١٠، ص٧٦- الادب اليوناني، سطر١-٣

[14] راجع ص ١٠١سطر١٣-١٧(٩٩-١٠٢).

[15] راجع غارثيا لوركا آفاق كونية، ص١١١ (١١٠-١١٤).

[16] الشعر العربي المعاصر، راجع ١١٢،١١٥،١٢٨

[17] المكان الاسباني نسق نصي في الشعر العربي المعاصر(١٣١-٢٨٤) راجع ص١٧١، المتن الشعري(١٥١-١٩٩)،

[18] راجع المتن الشعري ص ١٥١ 

[19] سطر ١٥-١٧ ص ٢٢٤، ص٢٢٤، راجع الأندلس: كربلائية المشهد، ص ٢٦٢-٢٦٣، نفس الصفحة، سطر٣.

[20]ص٣٧٥سطر٣، راجع ايضا فيديريكو غارثيا لوركا نموذج رمزي في الشعر العربي المعاصر ٢٨٦-٤٣٦، ص ،٤٤٢-٤٣٨سطر (٥،٦،٧،٨،١٤،١٥،١٦).

[21] راجع النموذج الرمزي ٢٨٦-٢٩٦،ص٢٨٩

[22] راجع الخلاصة، ص٤٤٥، ص٤٤٦

[23] راجع ملحق التعريف بالشعراء ص٤٤٧-٤٥٦

[24] ص٣١٣-٣١٤- راجع  عبد الوهاب البياتي: تجليات مشهد الموت ص٣١١-٣٢٨،

[25] راجع المصادر والمراجع ٤٥٧-٤٦٥

 

في المثقف اليوم