كتب واصدارات

علي المؤمن: الإنشقاق الكامن في حزب الدعوة (43)

ali almomenحل المجلس الفقهي: نذكر هنا بقية محطات الإنشقاق في حزب الدعوة الإسلامية خلال أكثر من 58 عاماً من عمره؛ استكمالاً لما مرّ في الحلقة السابقة:

13- الانشقاق الذي نتج عن قرار مؤتمر الحوراء زينب الذي عقده حزب الدعوة عام 1988 بحذف مادة «المجلس الفقهي» من النظام الداخلي للحزب، وهو المجلس الذي كان يرأسه آية الله السيد كاظم الحائري، وأعضاؤه آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي (الناطق الرسمي) وآية الله الشيخ محمد علي التسخيري وآخرون. ونتج عن ذلك اعتزال عدد من كوادر الحزب، وشكّل بعضهم «حزب الدعوة - المجلس الفقهي»، ولم تكن في هذا التنظيم شخصيات قيادية؛ وما لبث أن انحل بالتدريج. وسبق لمؤتمر الزهراء الذي عقده حزب الدعوة في عام 1984 أن حذف منصب «فقيه الدعوة» من النظام الداخلي بعد قرار السيد كاظم الحائري الإنسحاب من القيادة العامة ومن عضوية الحزب؛ لأن موقع الفقيه - كما يقول - يجب أن يكون فوق القيادة العامة وليس جزءاً منها، وإثر ذلك تم تشكيل «المجلس الفقهي» بشكل جديد (وكان يسمى منذ تشكيله عام 1979 بمجلس الفقهاء)؛ تطويراً لأطروحة «فقيه الدعوة»؛ بهدف تكريس حالة الإشراف الشرعي على قرارات الحزب وعمله؛ وهو ما نص عليه التعديل الذي أجري في النظام الداخلي على مادة “فقيه الدعوة”.

وما لبث الخلاف أن دبّ بين رئيس المجلس الفقهي السيد كاظم الحائري والقيادة العامة في الفترة التي أعقبت تشكيل المجلس؛ فالسيد الحائري يرى أن المجلس الفقهي ليس مرجعية دينية يرجع إليه الحزب عند الحاجة للحكم والفتوى والأذن الشرعي؛ بل هو القيادة الحقيقية العليا للحزب، وأنها ولاية فقهية خاصة بحزب الدعوة؛ يستعاض بها عن تطبيق الولي الفقيه العام لولايته؛ بسبب انشغاله بشؤون الأمة والدولة، وعدم إمكانية تفرغه لشؤون الحزب، ويقصد بالولي الفقيه العام قائد الجمهورية الإسلامية. بينما كانت القيادة العامة ترى أن المجلس الفقهي ليس ولاية فقهية؛ بل مرجعية فقهية يعود اليها الحزب ويحتكم اليها؛ بالنظر لوجود ولاية الفقيه العامة. وانتهى الخلاف إلى توقف المجلس عن أعماله، بسبب اعتراض السيد الحائري على طبيعة تعامل القيادة العامة مع المجلس الفقهي، ولحل هذا الخلاف؛ اقترح السيد الحائري والشيخ الآصفي ربط الحزب بقيادة الإمام الخميني مباشرة، وهو ما كانت ترغب فيه القيادة العامة أيضاً للتخلص من شبهة عدم إيمانها بولاية الفقيه ومن صعوبة تنظيم علاقتها بالمجلس الفقهي، وقد طرحت القيادة العامة هذا الموضوع على السيد أحمد الخميني (نجل الإمام الخميني) خلال لقائها به عام 1985، ولكنه أكد لقيادة الحزب بأن الإمام الخميني لا يتدخل على هذا النحو، وأنه لا يعين ممثلين له في الأحزاب، واستمر الخلاف حتى إصدار مؤتمر حزب الدعوة قراره بحذف مادة المجلس الفقهي من النظام الداخلي، واستعاض عنه بهيئة علمائية شرعية.

 

انشقاقات التسعينيات وخروج الآصفي

14- انشقاق بعض كوادر وأعضاء الحزب عام 1991 على خلفية رؤاهم السياسية والفكرية الليبرالية؛ ولاسيما المرتبطة باستقلال قرار حزب الدعوة عن الجمهورية الاسلامية الإيرانية، وتكريس البعد الوطني فيه، والقبول بفكرة الديمقراطية، وانتهى الانشقاق الى تأسيس «كوادر حزب الدعوة العراقي»؛ الذي كان محمد عبد الجبار الشبوط والشيخ خير الله البصري أبرز الفاعلين فيه. وقد غيّر التنظيم اسمه الى حركة الكوادر الإسلامية؛ والتي مالبثت ان انحلت بعد فترة وجيزة.

15- انشقاق في تنظيم الحزب في أهوار العراق الجنوبية عام 1992؛ بسبب شح الدعم الذي كان يصل إليه، وهو تنظيم مسلح غالباً؛ موزع بين لجنتين؛ إحداهما «لجنة الطف» الناشطة داخل العراق قبل إنحلالها. وكان أبرز الفاعلين في الانشقاق مسؤول تنظيم الأهوار زهير الوائلي.

16- تجميد الشيخ محمد مهدي الآصفي نفسه في قيادة "الدعوة" خلال عام 1998، ثم خروجه من الحزب نهائيا عام 1999. وقد ظل الآصفي ناطقاَ رسمياً للحزب والقيادي الأبرز فيه طيلة ثمانية عشر عاماً (1980 – 1998)، وكان وجوده الميداني المهيمن في الحزب يماثل وجود عبد الصاحب دخيل قبل عام 1971، ومحمد هادي السبيتي قبل عام 1979، وابراهيم الجعفري بعد عام 2003، ونوري المالكي بعد العام 2007.

 

تأسيس تنظيم العراق

17- الانشقاق العددي والنوعي الكبير؛ والذي بدأ بعقد مجموعة من قياديي وكوادر الدعوة مؤتمراً تحت اسم مؤتمر الإمام الحسين (عليه السلام) عام 1999؛ امتداداً لخلافات داخلية حادة. وانتهى المؤتمر الى تأسيس تنظيم جديد حمل اسم حزب الدعوة الإسلامية أيضاً؛ مع تمييزه عن التنظيم الأم بعبارة «مؤتمر الإمام الحسين»، ثم سمي فيما بعد بـ «حزب الدعوة الإسلامية - تنظيم العراق»؛ الذي انتخب السيد هاشم الموسوي أمينا عاماً له بعد عام 2003، وهو قيادي مخضرم وأحد أبرز مفكري الحزب. وليس لهذا الإنشقاق أسباب فكرية أو سياسية أو تنظيمية؛ بل هو نموذج للانشقاق بسبب الأمزجة وأساليب العمل، ولم يكن سيحصل في أي حزب آخر غير «الدعوة»؛ بل كان سيبقى خلافاً طبيعياً داخل الحزب الواحد. وكان محور الإنشقاق كوادر متقدمة في الحزب؛ أبرزهم الدكتور خضير الخزاعي وعبد الكريم العنزي؛ اللذين التفا حول السيد هاشم الموسوي، وشكلا كتلة منسجمة من كوادر الحزب المنتظمين وأعضائه السابقين (المنقطعين)،  وكان يتعاطف معهم أيضاً القيادي المخضرم عبود آل راضي.

 

خروج الجعفري وتأسيس تيار الإصلاح

18- الانشقاق الذي تمخض عن نتائج مؤتمر حزب الدعوة عام 2007، والذي تم فيه انتخاب قيادة جديدة، واستحداث منصب الأمين العام للحزب لأول مرة في تاريخه، وانتخاب نوري المالكي لشغله؛ بحصوله على أعلى الأصوات؛ بعد أن كان متوقعاً فوز الدكتور إبراهيم الجعفري بالمنصب؛ الأمر الذي أدى الى  خروج إبراهيم الجعفري ومعه عدد من كوادر الحزب؛ أبرزهم عضو المكتب السياسي للحزب فالح الفياض، وبادر الى تأسيس “تيار الإصلاح الوطني”، وأعلن عنه في عام  2009، وشغل الجعفري موقع رئيس التيار؛ بينما يعد الفياض أمينه العام.

19- الانشقاق في «حزب الدعوة - تنظيم العراق»؛ بسبب الخلاف في الصلاحيات وأساليب العمل، وأسفر عن انفصال عدد من كوادر التنظيم وأعضائه؛ يتزعمهم عبد الكريم العنزي، وعقدوا مؤتمراً أعلنوا فيه عن تأسيس «حزب الدعوة الإسلامية - تنظيم الداخل» عام 2009.

20- انشقاق في "حركة الدعوة الإسلامية"؛ في أعقاب اغتيال أمينها العام عز الدين سليم؛ انتهى بتأسيس "حركة الشهيد عز الدين سليم".

وهناك انشقاقات أخرى؛ فردية وجماعية؛ أسس أعضاؤها جماعات تحمل اسم «الدعوة» أو أسماء أخرى؛ لم تشكل تيارات فكرية أو سياسية أو تنظيمية؛ بل سرعان ما انتهت أو عاد أعضاؤها للتنظيم الأم.

 

الإنشقاق الكامن

لقد ارتكزت الانشقاقات في حزب الدعوة الى خلافات منهجية ومكاسب تنظيمية غالباً، مع خلافات ذات طابع فكري أو شخصي أحياناً؛ كما يحدث في كل التنظيمات الايديولوجية. ولم يكن أي منها خلافاً في إطار السلطة والحكم؛ إذ لم تنزل قطرة دم من أنف أحد من الدعاة طيلة 58عاماً من التصدعات والإنشقاقات في الحزب؛ بل لم يتخلل أي انشقاق لوناً من الصراع العنيف؛ بل لطالماً عاد المختلفون والمتنافسون، أصدقاء وحلفاء غالباً. ولكن الإنشقاق الذي نبتت بذرته في 13 آب/ أغسطس 2014؛ هو انشقاق كامن خطير بسبب السلطة؛ بصرف النظر عن الحقائق والملابسات والتفسيرات، وهذا الانشقاق يحمل في داخله طاقة تدميرية؛ ليس على مستوى الدعوة وحسب؛ بل ستشمل الجبهة الشيعية الداخلية والجبهة الشيعية الخارجية أيضاً.

 

قواعد كبح التشظي

لعل من المهم في حالة حزب الدعوة الذي تتوافر في بنيته العوامل المحفزة على التصدع والخروج والانشقاق؛ تفكيك الأسباب السبعة التي سبق ذكرها؛ في إطار آليات ستراتيجية عملية؛ أهمها:

1- التأسيس لقواعد تفاهم داخلي تحول دون أية انشقاقات جديد؛ والتي من شأنها تعميم ثقافة الإختلاف وترسيخها داخل الحزب والعقل الحزبي. ومن هذه القواعد ما يرتبط بوعي أهمية أن تحمل الخلاف في مجال المتغيرات والعمل السياسي والتقنيات والرؤى التنظيمية وأساليب العمل؛ مهما بلغ حجمه، والقبول بوجود أجنحة داخل الدعوة؛ ككل أحزاب العالم، والقبول بأدوات الفرز الديمقراطي للمؤتمر والقيادة والشورى ولجان العمل؛ مهما كانت نتائجه؛ بصرف النظر عن توجهات أعضائها، إضافة الى إعادة تدوين صلاحيات هيئات الانضباط الحزبي والإشراف والرقابة والمحاسبة في النظام الداخلي للحزب.

2- تنظيم علاقة الحزب بالشرعية الدينية العليا؛ سواء المرجعية النجفية العليا أو ولاية الفقيه؛ لتكون قوة عليا ضاغطة تمنع أي تصدع وتفكك.

3- تنظيم علاقة الحزب وقيادته وأعضائه بالسلطة والحكم والدولة العراقية، ووضع ضوابط ضاغطة في هذا المجال تحول دون تكرار ما حصل في آب/ أغسطس من العام 2014.

4- التأسيس لإطار تنظيمي مشترك يجمع التنظيمات والأجنجة الخمسة التي تنتسب لمدرسة حزب الدعوة شكلاً ومضموناً؛ وصولاً الى إعادة اندماج بعضها أو التنسيق الكامل بينها سياسياً وإعلامياً. 

 

بقلم: د. علي المؤمن

 

في المثقف اليوم