كتب واصدارات

عقيل العبود: محمد اراكون نحو تاريخ مقارن للاديان التوحيدية.. دراسة بحثية

akeel alabodتوطئة: لست بمتدين على الطريقة التقليدية، ولا بلبرالي على الطريقة العلمانية، بل متعلم وقارئ على الطريقة الأكاديمية، ولهذا وانا أضع نفسي امام طاولة البحث لقراءة واستقراء افكار محمد اركون من خلال مؤلفه نحو تاريخ مقارن للاديان التوحيدية، والذي يتناول فيه مسالة الدين بطريقة تختلف تماما عن السياقات التقليدية، اجد نفسي مترددا بعض الشئ في توصيف ما يقول، سيما وانه اي المؤلف بطريقة شاملة وتفصيلية، يتناول موضوع الدين وفق إشكاليتين: تتعلق الاولى بمقولة المقدس كونه يحتاج الى اعادة تفكيك وتركيب لنقله من صورته الجامدة الى صورته المتحركة، بينما تتعلق الثانية، باشراك العقل في تحليل الغاز شفرة هذا المقدس، بغية الوصول الى الموافقة اوالرفض.

لعل هذا بحسبه يفيد في الحصول على مقدمات جديدة، من خلالها يتم اعادة صياغة المقدمات القديمة، بعد تحليل مكوناتها الخطابية- التاريخية.

علما ان هنالك تاريخا، وتراثا، ونصا، وتحليلا، وخبرا وهذه المفردات جميعا بلا استثناء، تحتاج الى بحث وتفكر وتداول، لتسهيل ما يطيب لي تسميته بعملية الهضم الابستمولوجي لما جاء به الدين بناء على جميع المفردات أعلاه.

اذن اراكون يريد ان يتجاوز المفهوم التقليدي للفهم الديني للنص من خلال اخضاعه للفهم الحداثوي عبر دائرة محاكاة استقرائية، واعادة تفسيره، جازما بعدم القطع بحقيقة ما بسمى بالايمان القدسي ان صح ذلك. فهو يعتقد هنا انه بإلامكان تحديث القديم عبر الإضافة والحذف والتغيير، ذلك عبر انشاء مفاهيم جديدة في النص، متجاوزا ما يطلق عليه" النصية الابستمولوجية" في تفسير المدلولات اللغوية للنصوص التي جاءت بها الكتب السماوية، وهذا واحد من اهم الأشكالات الشرعية كان قد وقع به اراكون، والسبب يعود الى موضوعة الثابت من المقدس في الاديان؛ كيف نفهم الثابت من الأحكام، ونتعامل مع المتغير منها، كيف يصار الى فهم الثابت والمتغير في النص. هنا بإزاء ما تقدم، اشعر كما لو ان ذبذبات مغناطيسية تكاد ان تعتري طريقي؛ تمنعني احيانا من الوصول الى الهدف المنشود، باعتبار ان هذا يحتاج الى المزيد، المزيد من البحث والتدبر، ويدعو للحرج باعتبار انني امام مسؤولية شرعية تدعوني احيانا للرد على أفكار محمد اراكون، فهو يقول: ""ينبغي العلم ان مفاهيم من نوع المقدس او الحرام، والطاهر، والوحي، وكلام الله،والتراث، الخ. هي نتاج الفاعلين الاجتماعيين، أي البشر البشر الذي يعيشون تاريخهم الخاص. انهم هم الذين ينتجونها، لكنهم يتوهمون بعدئذ انها متعالية عليهم او نازلة عليهم من السماء""[1 ] . هنا نسي اراكون ان التوهم هذا الذي يقول عنه هو متوالية خبرية فيها من المسند بحسب ما يسمى "بعلم الكلام، وعلم الرجال"، حيث هنالك الصحة والإسناد في الخبر عندما تكون "العنعنة"؛ مفهوم حجية الخبر كما تقول الأصول العملية، مرتبط بالكلام المنقول عن هذا وذاك من الثقاة اي اهل الثقة، كونه حجة، والحجة قطع في الحكم. هنا اجد نفسي امام مسالتين الاولى، محاورة الأشكاليات الخاصة بالبحث، والثانية حاجتي الماسة للإحاطة التامة بقراءات محمد اراكون، ومشروعه الفكري باعتبار انه يعد منهجية متكاملة للبحث تجمع التاريخ، بالدِّين، بالسياسة وبالفلسفة، لذلك تراني امام تحد يحتاج الى دراية وبصيرة وخبرة حصينة في هذا الباب. مثلي مثل لاعب يحتاج الى مهارة فنية فائقة لاجتياز الموانع الخاصة بسباق الساحة والميدان، ما يجعلني مترددا من الاشتراك في السباق خوفا ربما من الإصابة او التعثر. ولكن ونظرًا لتلهفي لخوض هكذا نوع من المسابقات اوالمباريات، تراني قد قررت الاشتراك حاملا معي صولجان المسؤؤلية الاخلاقية والمعرفية، والشرعية لهذا النوع من الدراسات وبكل تفان وجدية. ولا يفوتني طبعا في نهاية المطاف ان اهدي جهدي المتواضع هذا الى صديقي، ورفيق درب مسيرتي المعرفية والفكرية، الأخ الباحث الدكتور محمد عبد الرضا شياع، أستاذ الادب المقارن في الجامعات العربية والذي شجعني لان اطرق هذا النوع من البحوث، ليتني أكون موفقا في سفري، هذا الذي يحتاج الى مواكبة ومشقة.  

 

مقدمة:

منهجية البحث في كتاب محمد اراكون- خارطة الفهرسة والبحث

نظرا للأهمية، وبغية تسهيل قراءة فصول الكتاب مع المحتويات للقارئ الكريم، اعتمدت الخطوات التالية كطريقة للبحث في الموضوع المذكور:

١. حول عنوان الكتاب

٢. مدخل مهم لمقدمة المترجم

٣. مقدمة حول حياة المفكر محمد اراكون

٤.دواعي البحث بحسب اراكون محمد

٥. خارطة البحث الخاصة بالمؤلف

٦. مدخل مهم للفصل الاول

٧. مدخل مهم للفصل الثاني

٨. مدخل مهم للفصل الثالث

٩. مدخل مهم للفصل الرابع

١٠. مدخل مهم للفصل الخامس

١١. مدخل مهم للفصل السادس

١٢. مدخل مهم على ضوء فهرس الاعلام

هنا أودّ الإشارة الى ان الطريقة التي اتبعتها في توضيح كل فصل من فصول الكتاب هو انني انتخبت مجموعة ترتبط مع بعضها من المقاطع، ومن خلال هذا الترابط، اعتمدت طريقة التفسير والتعليق الذي من خلاله تتم التحشية، بطريقة يصبح هنالك جسرا بيني وبين أفكار الكاتب من جهة، وبيني وبين القارئ من جهة اخرى، ما يسهل العبور الى محتويات كل فصل من الفصول، علما ان كل فصل يحتوي على مجموعة من الأسطر محصورة بين الأقواس، مع ملاحظة ان الأقواس المزدوجة تعني ان هنالك أقواسا ضمنية في النصوص المنتخبة وهي من المتضمنات الخاصة بالمؤلف نفسه، علما اني استعملت القوسين الطوليين مرة واحدة للإشارة الى ملاحظتي المتداخلة مع المؤلف. معتمدا طريقة المحاكاة المباشرة، اي التعقيب المتواصل، وقد تم ترقيم كل الأقواس بحسب الأسطر وأرقام الصفحات، والاشارة اليها في الهوامش أسفل البحث، ليتسنى للقارئ الكريم مراجعة الكتاب بسهولة من خلال عرض وتناول النقاط الاساسية في هذا المنجز والتي ينبغي الوقوف عليها، وتاكيدها خدمة للجهد الذي قام به محمد اراكون في كتابه هذا، باعتباره مساحة تتسع في رؤيتها الشاملة لمناقشة جميع الإشكاليات المذكورة بدون خوف اوتحيز لهذه الجهة اوتلك.

 

حول عنوان الكتاب:

مما لا شك فيه ان ابرز الاديان التوحيدية التي أراد اراكون محمد ان يبحث في تواريخها بغية المقاربة فيما بينها عبر استقراء وتأويل بعض ما جاءت به من نصوص، هي اليهودية، والمسيحية، والإسلام، وهذه الاديان جميعا بعد مسالة التوحيد، تشترك في نصوصها في مسالة المحبة والتسامح والابتعاد عن العداوة والبغضاء، وتحكيم العقل والشعور في التعامل مع مطلق الانسان، كون الرب هو واحد في جميع هذه الاديان، فهو الامر بالمعروف والناهي عن المنكر، فلا يوجد رب للإسلام، وآخر لليهودية، وآخر للمسيحية، لان رب عيسى، هو رب محمد، وموسى، ولهذا لا تجد ان هنالك تخالفا في المنهج التبشيري والانساني لهذه الاديان، فقد نهت الديانة اليهودية النفس الانسانية عن العمل القبيح، مثلها مثل المسيحية، ومثل الديانة الاسلامية ايضا،

وهذا ما دعا الفلاسفة لان يتفقوا وان اختلفوا في طرائق البحث في مقولة الأخلاق، باعتبارها واحدة من الموضوعات الاساسية لجميع هذه الاديان، ما يشجع لان يكون هنالك منهجا إبستمولوجيا اخلاقيا، بجانب علم اللاهوت.

""ففي اليهودية نجد ان التوراة تنص على ما يلي: "لا تفعل لأخيك ما تكره ان يفعله لك"". وقد عزز علم الفلسفة هذا الارتباط ما يجعله حقيقة علمية ومعرفية للارتقاء بثقافات المجتمعات والامم، حيث قدم كانط وغيره من الفلاسفة ارائهم في هذا الباب. "فهدف الانسان على هذه الارض ليس ان يكون سعيدا في نظره وإنما يكون اخلاقيا". فالأديان ترتبط مع بعضها البعض بناء على حقيقة المنشأ كونها اي هذه الاديان تعود في اصلها الى الديانة الإبراهيمية اولا، وحاجة الشعوب الى التنوع الثقافي والحضاري ثانيا[2 ] .

 

مقدمة المترجم: ٧-٨١

 توطئة:

لعل من اهم المقدمات التي ينبغي الإشارة اليها هو ما جاء به مترجم كتاب محمد اراكون، هاشم صالح، حول اشكالية ما تم تسميته بالنزعة الانسانية، والتي جاء فيها: ""ليس غريبا اذن ان يكون موضوع النزعة الانسانية هو المسيطر على فكر محمد اراكون منذ البداية وحتى الان، اي منذ أطروحته الكبرى التي نشرناها عن دار الساقي قبل ثلاثة عشر عاما. قصدت "نزعة الأنسنة في الفكر العربي. جيل مسكويه والتوحيدي". ليس غريبا ان تكون الام الانسان، أينما كان ولأي دين اوعرق اومذهب انتسب هي هاجسه الاول ومحور كل فلسفته. وهو يتالم كثيرا لان هذه النزعة اختفت من ساحة الفكر العربي الاسلامي بعد انقضاء العصر الذهبي. فبزوال تنويرنا ايام العباسيين الأوائل والبويهيين والفاطميين والاندلسيين، زالت النزعة الانسانية من فكرنا وعقلنا وافقنا، ودخلنا في عصور الانحطاط الطويلة التي هيمن عليها فكر الفقهاء اللاهوتي المضاد للفلسفة ولكل نزعة إنسانية""[3 ] .

والمعنى ان هنالك تجاذبا فكريا اخلاقيا بين مقولة الانسان من جهة، ومقولة الضمير-المقولة الاخلاقية، التي استقطبت هذا النوع من التجاذب بفعل انتمائها الانساني من جهة اخرى. ولكن الذي استباح هذه المقولة هو ارتباط علم اللاهوت مع نظام المؤسسات والتيارات الدينية والقومية المتعصبة التي قولبت هذه النزعة بناء على مفردات المصالح الخاضعة لسياستها، والتي تضع شروط الهيمنة الفكرية فوق المبادئ العامة التي تقتضيها مصلحة الانسان. هنا بناء على تطورها الانثروبولوجي، تخضع النزعة الانسانية الى مسالة الوعي الإيكو-اجتماعي؛ اقصد التطور التاريخي الذي تشترك السياسة، وثقافة المجتمعات في بناء صيرورته التكوينية، حيث لغة الاختلاف من عصر الى عصر. "يرى محمد اراكون ان النزعة الانسانية تجسدت في العصر الذهبي اوالكلاسيكي من عمر الحضارة العربية الاسلامية، اي طيلة القرون الستة الاولى من عمر الاسلام وحتى موت ابن رشد وسقراط اخر معقل للفلسفة في الأندلس. بعدئذ دخلنا في العصور الانحطاطية.....ويرى اراكون ان النزعة الانسانية قد بلغت ذروتها في العصر البويهي، اي في القرن الرابع الهجري، اذ انتشر الادب الفلسفي بشكل واسع وتشكلت طبقة كوسموبوليتية من الكتاب والمفكرين والمبدعين في شتى المجالات"[4 ] . هنا بفعل ما تقتضيه شروط القانون الاخلاقي لهذه النزعة، وبغية الوقوف بوجه "ايديولوجيات" التخلف والجهل، صار من الملح ان تتشكل طبقة من المثقفين والمفكرين والتي هدفها الوقوف مع الانسان وتشجيع مجالس الثقافة والابداع، خاصة المرتبط منها بالأدب والفلسفة، لما لذلك من أهمية. "لنعد الى الماضي الكلاسيكي والعصر الذهبي الذي سبق الانحطاط، بالطبع، ظلت الثقافة الدينية موجودة، وحتى مسيطرة على الجماهير الشعبية، اومن كانوا يدعونهم آنذاك بالعوام. لكن الثقافة الفلسفية والأدبية ذات الطابع العلماني سيطرت تقريبا على الفئات العليا من المجتمع وعلى كبار الأدباء والمفكرين والشعراء"[5 ] .

لعل من اهم الإشكاليات المطروحة في البحث المذكور، هو هذا الصراع القائم بين ما تقتضيه شروط الحاجة الى ثقافة العقل، دون الحاجة الى مرجعية الدين من جانب، وبين ما تفرضه سلطة الدين لتقويض مشروع الفلسفة من جانب اخر، سيما وان ثقافة الفلسفة تقتضي النهوض بمشروع العقل دون التقيد بما تفرضه سلطة الدين، بينما ثقافة الدين تقتضي الزام العقل بالارتباط مع ما تقتضيه شروط هذه السلطة، حنى وان كانت على حساب العقل في معظم الأحيان.

"هناك نزعتان انسانيتان، لا نزعة واحدة: الاولى هي النزعة الدينية، والثانية هي النزعة الانسانية العلمانية"[6 ] . مما لاشك فيه ان العلمانية كمفهوم تعني التحرر من سلطة الدين، والإنسان بحكم الواقع مقولة واقعة بين نزعتين الاولى دينية، والثانية لا علاقة لها بالدِّين، وعليه يكون الانسان عرضة لهذا النوع من النزاع، فهو طرف تم الاتفاق على ان يكون في منطقة الحياد، وهذه المنطقة محكومة بنوعين من الأحكام؛ الاولى تقييدية، والثانية تحريرية، فالدين يفرض شروطا على العقل، بينما العلمانية تسعى الى تحرير العقل من سلطة هذه القيود، هنا ونظرًا لحاجة الانسان الى ديمومة المعرفة، وللتخلص من هذه التجاذب، نشأت مدارس وحلقات دراسية، شكلها العلماء والفلاسفة المتاخرون، هذه المدارس، وجدت ان لا تعارض بين الدين والفلسفة، لو تم فعلا انشاء مدارس تأخذ على عاتقها تجاوز حواجز الصراع بين الاديان، والثقافات المختلفة، هذه المدارس من خلالها، يصار الى فهم مشترك وحوار يوحد الحضارات، بل يرتقي بها الى اعلى مستويات المعرفة. "كانت الفلسفة معززة مكرمة قبل الف سنة، في العصر الذهبي، ايام المأمون والمعتزلة والكندي والجاحظ والفارابي ومسكويه والتوحيدي وابن سينا وابن رشد الخ. لكنها ممنوعة الان في القرن الحادي والعشرين! ليست محرمة على مستوى الإعدادي والثانوي فحسب، بل ايضا على صعيد التعليم العالي والجامعات، وتقتصر المناهج التعليمية هناك على التحذير من الفلسفة، وتدرس آراء تكفر الفلاسفة كاراء الغزالي في ابن سينا والفارابي، واراء ابن تيمية في ابن رشد وابن عربي"[7 ] .

كم كان عصر المأمون مزدهرا حافلا بمجالس العلماء والخطباء، وكم من العلم تلك الإنجازات التي من خلالها تعلم الناس علوم الطب والفلك والكيمياء، وتلك كنوز من خلالها عرف الغرب تلك الحضارة بشق الانفس فرضت ابجديات مفاتيحها لينهل العالم من فيضها. ولكن وبحسب ما حصل، فان السلطان مقولة لها نصيب في انتهاك معالم هذه المنارات التي امتدت لتزهو بعلمائها وحكماء عصرها. وهذا له علاقة تاريخية بما حدث إبان عصر ارتد المتوكل فيه "على سياسة اسلافه المأمون والمعتصم والواثق...وذلك عن طريق محاربة المعتزلة والانتصار للحنابلة المعادين لأي تاثر بالفكر الإغريقي"[8 ] . لم يرق الامر هذا لطغاة العصر الذي أعقب عصر المأمون فكانت السياسة داء لتصفية النبوغ المعرفي، وراحت الحجج والأقاويل تتلى تحت عناوين الحفاظ على الدين من الانحراف والخروج عن احكام الشريعة، فكانت الفتوى اشبه بقرارات النطق بأحكام الإعدام والموت، اما الدين فقد صار شماعة للحلال والحرام. وهذا ما فرض على العامة طوقا، بموجبه تراهم يعلنون التزامهم بمظاهر الدين، خوفا من سلاطين الاستبداد، الذين فرضوا الدين كوسيلة للاضطهاد والتضليل، على حساب العقل، والكرامة، والضمير. "أيا يكن من أمره، فان المشكلة هي ان عامة المسلمين تختزل الدين الى مجرد الالتزام بالمظاهر الخارجية والطقوس والشعائر الشكلانية، وهذا ما ينتقده اراكون هنا"[9 ] .

 

مقدمة حول حياة المفكر محمد اراكون

تعد الكتابة عن تاريخ اي إنسان مسالة مهمة في مساعدة الباحث لاستقراء الحيثيات الحقيقة للمكون الفكري للشخصية التي يراد تناولها، اوالكتابة عنها، باعتبار ان التعامل مع التاريخ يعد دراسة واستقصاء لمفردات الزمان والمكان، وما يرتبط بهما، أويدور حولهما من احداث وتغيرات. لذلك اليت الابتداء بالفصل السادس من الكتاب، كونه به يستدل على الدواعي والاسباب الحقيقية التي من خلالها نمت ونشأت الجذور الخاصة بالفكر الاراكوني ان صح التعبير. فهو في مذكراته يقول: ""ليست مذكرات شخصية بقدر ما هي مذكرات عامة ايضا، لأنني من خلالها سوف ادرس التاريخ الانتروبولوجي للفضاء المغاربي كله وليس للجزائر وحدها... [اذن هو حاضر ليشهد حقبة سياسية كانت المغرب فيها بكل مناطقها؛ "بفضائها" الذي يشمل ليس "الجزائر وحدها"، بل ] المغرب الأقصى وتونس وموريتانيا وليبيا، اي خمس دول الخمسة شعوب"". فهو مؤرخ من طراز الخبرة لثقافة مجتمعات، كانت فرنسا فيه حاضرة في المشهد السياسي، وكانت تاثيرات التيارات القومية التي تبلورت إبان عصر تمثل فيه فرنسا الدولة التي تريد ان تفرض هيمنتها على "الفضاء المغاربي" وكان الدين قد تمت ادلجته بناء على ابجديات الصراع بين لغة الاحتلال الفرنسي آنذاك، وثورات الشعوب المغاربية. وبهذا مفردات الدين، كانت قد نشأت في رحم هذا المخاض، الذي جمع الصراع السياسي مع الصراع الديني. وتحت مظلة هذا الصراع، محمد اراكون نفسه، امام محطة تفرض عليه استدراج جميع الحيثيات السياسية والدينية، بغية الوصول الى إحاطة علمية تاريخية متكاملة. لذلك قال: "لقد فرض الاسلام نفسه علي كدين وكتراث خاص اوخصوصي؛ كموضوع محوري ينبغي استكشافه بشكل علمي وتاريخي دقيق. وفي مسارات حياتي المتلاحقة والمتوسعة باستمرار كالدوائر المتدرجة، كانت قريتي" تاوريرت ميمون" نقطة الانطلاق الاولى"[10 ] .

تعتبر قرية تاوريرت ميمون، مثل قرية جيكور في تأثيرها على الادب السيابي، فاراكون، يصف التاريخ السياسي، وطبيعة انتمائه الثقافي الى الأحداث والقصص التي تزامنت في عصر، جعلت منه اكثر التصاقا بالطبيعة، اكثر تآلفا مع النشاط الثقافي من النشاط الديني نفسه؛ اقصد اكثر التصاقا بثقافة المقولة، باعتبار انها كيان له القدرة على التفاوض والتفاعل. ""كان الكاتب المعروف مولود معمري قد صور بشكل رائع قرية" تاوريرت ميمون" في روايته الجميلة " الهضبة المنسية"... كانت اهميتها تعود الى مضمونها....بخاصة ان مناضلي حركة التحرير الوطني استغلوها لصالح قراءة معينة هي القراءة الأيديولوجية التي تغذي نضالهم السياسي الهادف الى التحرر من الاستعمار..... لقد غادرت قريتي ومسقط راسي وعائلتي لأول مرة في سن العاشرة، وذلك لكي التحق بابي في قرية عين العبرة في منطقة وهران ""[11 ] . ومعمري مولود، كما هو معروف كاتب وروائي من الطراز الاول. لقد وجد اراكون نفسه ذات يوم، مناصرا لحركات التحرير التي تهدف الى تخليص البلاد من وطأة الاستعمار، فكان مولعا بالقراءات العامة، اكثر من ولعه بخصوصيات الدين وحيثياته الخاصة وما يفرضه على الحياة. ""أنا لا أدافع عن أطروحة محددة وضيقة، انما اتحدث عن ضرورة اعتماد "استراتيجيات جديدة للتدخل العلمي" من اجل تشخيص مشاكل العالم الاسلامي بشكل صحيح تمهيدا لحلها...مثلا قانون الأحوال الشخصية""[12 ] .

فهو اراد ان يصوغ مقدمات بموجبها يصبح الانسان أكثر ارتباطا مع ذاته المتعالية، ليفرض هيبته من خلال عقله؛ هذه الدائرة التي لها القابلية لان تصبح اكثر اتساعا وهي تخوض إشكاليات الصراع، ولكن وللاسف بقي العقل محاطا بشرنقة القيود التي فرضت عليه، خاصة الدينية منها، وأهملت إعداد لها لا حصر لها من المنجزات، وبقي مساحات الفكر مشرنقة بإطواق الخوف من المحاكم التي أعدها السلطان.

""كنت قد نشرت حتى الان حوالي عشرين كتابا بالعربية عن دار الساقي ودار الطليعة في بيروت. ولكن لم أر حتى الان اي عرض نقدي جاد لها في الصحافة الجزائرية حتى كتابي عن "النزعة الانسانية والإسلام" الذي نشر مؤخرا بالفرنسية في الجزائر ذاتها""[13 ] .

الانسان هنا يحتاج الى تحكيم العقل للارتباط مع النصوص وفقا لمبدَأَي القبول والرفض. هنا يصبح من الضروري مناقشة ما يسمى بحسب اراكون محمد: "المدونة النصية الكبرى للاعتقاد الإيماني...العقبات الابستمولوجية" [14 ] . لكن محمد اراكون هنا، يريد ان يتجاوز المقدس، ويعتبره سلطة جامدة، يجب ان يتم تحريرها من مساحات هذا العرش الذي يفرض على الاخرين إقصاء العقل. وهذا القول جعل محمد اراكون امام اشكالية مهمة، باعتبار ان هناك قانونا سماويا لا يمكن التعالي عليه، والعقل متناه بطبيعته، لذلك فهو غير قابل لتجاوز اللامتناه.

 

دواعي البحث بحسب اراكون محمد

لعل من اهم دواعي البحث في مؤلف محمد اراكون نحو تاريخ مقارن للاديان التوحيدية، هو هذا التسيب الفكري الذي نمر به اليوم، سيما ونحن نخوض صراع عصر يدب الاضطراب فيه، وتعم بين ثقافاته واديانه الفوضى، ذلك عبر خطابات الفتاوى المتطرفة، والتي من خلالها تتصارع هذه الأديان ويكفر الناس بعضهم بعضا. هو العجز، اوالقصور الفكري، هذا الذي يتطلب فهمًا دقيقا لطبيعة الاختلافات الخاصة بالمجتمعات، والتي ابرزها اللغة، وأنماط التفكير الذي يرتبط مع الجانب الحضاري. هو تاريخ ارتبطت جذوره بمنهجية تضليلية تزعمت ادارة الواقع الديني بطريقة ديماغوجية، وفرضت قيادتها من خلال سيادة الدين، حتى أضحى العقل قاصرا لا يقوى على البحث في مدارات المعرفة، فبقيت الأزمة تعتصر ارادات الامم، والشعوب هكذا على هذا النمط من الأزمات. "انهم لم يتبنوا المنهجية الابستمولوجية اوالمعرفية العميقة التي اتبناها والتي تؤدي الى تشخيص الأمراض والمشاكل التي تعاني منها المجتمعات الاسلامية من عربية او تركية او فارسية الخ"[15 ] .

لذلك يصبح من الضروري البحث عن المسميات الدقيقة التي تختبئ خلفياتها ونتائجها خلف الأسياج المسورة لعروش السلاطين، لعله يصار الى تخليص الشعوب من الجهل والاضطرابات، التي منشأها هذا النوع من التفاصيل. ان الحياة تفرض منهجا متكاملا يتطلب مساحات، بموجبها تتحقق لغة المفاعلة والمصاهرة بين الثقافات والاديان، بطريقة يجعلها متالفة متحالفة، ويحررها من دوامة الجهل، والتعصب، والاستبداد.

 

خارطة البحث الخاصة بالمؤلف

بفصوله الستة، وبأربعمائة، واحدى وثلاثين ورقة ومن الحجم الكبير، المفكر محمد اراكون، يناقش موضوعات تكاد من الأهمية ان تكون دليلا لفهم المباديء الاساسية لهذه الديانات عبر هذه المجموعة من العناوين:

مقدمة وتتكون من: مدخل الى فكر محمد اراكون، التنوير العربي الاسلامي والنزعة الانسانية، العصر الذهبي والتنوير، الاسلام والنزعة الانسانية(٧-٨٣).

الفصل الاول: الفصل الاول عنوانه المسالة الاخلاقية في الفكر الاسلامي ومحتوياته: اشكالية عامة لبلورة اخلاق تليق بعصرنا، مصادر الاخلاق، الدين، الفلسفة، الثورات العلمي، الى أين تذهب القيم (٨٣-٢٣٩).

الفصل الثاني: التفكير في الفضاء التاريخي المتوسطي وموضوعه، نحو تاريخ متضامن لشعوب وثقافات حوض المتوسط(٢٣٩-٢٧٤).

الفصل الثالث: الوسطاء الثقافيون الثلاثة: نحو الفضاء العقلي القروسطي، العقلانية المنطقية المركزية والحقيقة الدينية، الأُطر الاجتماعية للمعرفة: سوسيولوجيا الفشل والنجاح، من اجل التوحيد الفكري للفضاء المتوسطي(٢٦٧-٣١١).

الفصل الرابع: صورة الاخر: التشكيل المتبادل لصورة الاسلام والغرب ويناقش

الاخر في النصوص الكبرى لليهودية والمسيحية والإسلام، الاخر في النصوص الفلسفية الكبرى، ملاحظات أولى على كل ما سبق من اسشهادات، الصراع بين أوروبا والغرب من جهة والشرق من جهة اخرى(٣١١-٣٤٣).

الفصل الخامس: علاقتي بيواكيم مبارك ولويس ماسينيون، ويضم يواكيم مبارك، ولويس ماسينيون(٣٤٣-٣٧٣).

الفصل السادس وهو عبارة عن مقابلتان مع محمد اراكون(٣٧٣-٤٢٥).

وأخيرا فهرس الاعلام(٤٢٥-٤٣١).

 

الفصل الاول: ٨٣-٢٣٨

يشير عنوان الفصل الاول والذي هو المسالة الاخلاقية في الفكر الاسلامي والتقلبات التي تعرضت لها على مدار التاريخ الى ثلاثة محاور أساسية وهي: اشكالية عامة لبلورة اخلاق تليق بعصرنا، مصادر الأخلاق: الدين، الفلسفة، الثورات العلمية، والى أين تذهب القيم.

 

توطئة:

مما لاشك فيه ان مقولة الخلود حتما وفي كل الاديان لها قيمتان؛ الاولى دينية مقدسة، والثانية أخلاقية. فالسيد المسيح(ع) نموذج يحتفى به بناء على هذا القياس. هذا اضافة الى ان هنالك شىء اخر يكاد ان يكون مقدسا الى الأبد وهو الموت او الاستشهاد في سبيل إعلاء كلمة الله وموضوع الحرب العادلة، التي كتب عنها "القديس اغسطينوس" وهو معناه إعلاء لغة التعظيم من اجل ألمبادىء السامية التي أرادها الخالق و مفهوم الحرب العادلة. ولكن بقي ان نفهم ان "المشروعية الالهية على مبادئ الاخلاق" هو الأساس الذي يجب العمل عليه في فهم الحقائق المقدسة للأديان؛ فهمها بطريقة تضمن لنا جميعا مسارا صحيحا وتجسيدا صحيحا للمعنى الحقيقي لا المحرف للنص؛ اي الابتعاد عن مصالح السياسة والسلطان.

"ينبغي العلم ان تأميم الاسلام واستخدامه كاداة فعالة لصالح الأنظمة السياسية كان قد ابتدا مع عهد الأمويين في عاصمتهم دمشق عام ٦٦١ ميلادية"[16 ] .

 نعم كان معاوية يستخدم المنبر كوسيلة إعلامية ضد خصومه في الفكر والثقافة والمعرفة، وكان يزيد ابن معاوية قد استخدم الوسيلة ذاتها يوم أعلن الحرب على الحسين بن علي وهم عائلة رسول الله. اذن الدين آنذاك لم يكن وسيلة للتعبئة الاخلاقية والروحية التي جاء بها رسول الاسلام محمد (ص)، بل ارتدى عباءة السياسة لأغراض العداء والتصفية. "يستحيل تصور وجود ذروة اخلاقية وروحانية عليا ذات حصانة لا تنتهك"[17 ] .

لقد انتهكت حقا حصانة الخلق الرفيع والفضيلة والنصوص التي تدعو الى احترام الانسان. لقد تم التجاوز على جوهر الدين؛ الصورة الحقيقية التي لاجلها تم اختيار الأنبياء؛ الغايات النبيلة للاديان انتهكت، لتحل محلها غايات السلاطين، فكان الدين لم يبق منه الا المظاهر الزائفة.

 ""الخصم التاريخي المدعو بالغرب كان قد لعب دورا كبيرا ومهيمنا في تشكيل "عدو ديالكتيكي" سماه بمحور الشر وحصره بعالم الاسلام عموما. وقد فعل ذلك لكي يحله محل العدو الشيوعي الذي انهار فجاة عام ١٩٨٩""[18 ] .

هنا بفعل نمو المنظمات والتيارات الاسلامية المتعصبة، وهي وليدة ما أنجبته مخططات السلاطين ودهاقنة العصور البغية؛ وبعد ان توالت احداث الصراع التي أنتجتها مخططات الاسلام السياسي، انقسم العالم وفقا لما فرضته اليات الحروب بين عالم الغرب وعالم الشرق؛ اقصد الثقافة الغربية التي تمثلها الديانات المسيحية واليهودية وباقي الأقليات من جانب، والديانة الاسلامية وثقافتها التي نمت وترعرت تحت ظل الصراع الشرق أوسطي من جانب اخر. لعبت السعودية دورا في مربعات المصالح، كما كان للصراع العربي الاسرائيلي دورا آخراً. لقد تحول الصراع السياسي والعسكري الذي كان قائما بين حلف وارشو والاطلس، الى صراع بين الاديان. هنا في خضم هذا الصراع، تجد ان هنالك افتراقا بين ما تفرضه سياسات الحكام القائمة على التخاصم والتنازع من جهة بسبب ما تفرضه لعبة المصالح، وافكار الفلاسفة وعلماء الفكر بناء على ابجديات المنفعة الاخلاقية.

 "ساقارن بين محمد عبد الوهاب والفيلسوف الألماني إيمانويل كانط! لا شئ بينهما سوى أنهما متعاصران زمنيا من دون وجود اي معاصرة معرفية اوابستمولوجية بين الرجلين. فالأول اي محمد بن عبد الوهاب، ولد عام ١٧٠٣ وتوفي عام ١٧٩٢. وأما كانط فقد ولد عام ١٩٢٤ ومات عام ١٨٠٤. بمعنى اخر، فقد شغلا القرن الثامن عشر كله تقريبا"[19 ] .

هنا بين هذا الخط وذاك، بين هذا النمط من السلوك وذاك، المتضادان يفترقان بطريقة تثبت للعالم، ان العلم الذي نهض بمقولة الأخلاق، هو هذا النمط من المعرفة التي تبحث مفرداتها عن وسيلة يسمو الانسان بها؛ الفلسفة مدرسة يعشقها الانسان كما آلهة تحميه من الحروب والموت، والجهل والكراهية. هذه الآلهة هي نفسها آلهة حماية الانسان من الشر والعنف، هذه الآلهة تحتاج الى فهم دستورها الاخلاقي ليتم تطبيق فقراته بشكل سليم؛ بشكل يتناسب مع لغة العصر الجديد.

 "ينبغي ان نسعى لبلورة علم اخلاق جديد يناسب عصرنا في بدايات هذا القرن الحادي والعشرين"[20 ] .

لذلك تصبح الحاجة الى تشييد مدرسة شاملة؛ بها يستوفي العقل شروط المواجهة، نحن بحاجة الى إعلام قوي، الى فلاسفة اشداء، الى متنورين لمواجهة الخطاب المتشدد لكل الاديان.

"ان العقل الذي يسيطر على الخطاب المؤمن الارثوذكسي غريب كليا وراديكاليا عن المعرفة التاريخية-النقدية، والالسنية، والاجتماعية-الأنتروبولوجية. هذا يعني ان العقل الأصولي الذي يسيطر على أغلبية المسلمين اليوم بعيد كل البعد عن أنوار المعرفة الحديثة. ينبغي العلم ان المجال العقلي الذي دشنه فكر ابن رشد(م. ١١٩٨) كان قد محي من الوجود من قبل الفكر الذي كان يدافع عنه سلفه الغزالي(م. ١١١١)، وهو الفكر السلفي الأصولي المغذى والمقوى من قبل الخط الحنبلي الطويل المتواصل منذ اقدم العصور وحتى انتشاره العالمي على يد البترودولار في عصرنا الراهن. وهذا البترودولار ليس فقط سعوديا. نقول ذلك ونحن نعلم كيف ان البترودولار من اي جهة جاء هو العدو اللدود لإسلام التنوير المرتقب"[21 ] .

لقد فعل الماضي فعلته، حين تم إقصاء الفكر الصحيح، كان ينبغي على الاسلام ان يتصدى للأفكار التي تهتك حرمة الاسلام، تعتدي عليها، كان على العقل الاسلامي ان يعمل بخطابات ابن رشد في الفلسفة تلك التي من خلالها يصبح هنالك مساحة واسعة من المقارنات والمقاربات الثقافية، كان ينبغي ان يكون هنالك حوارا حضاريا يتبنى الفكر بأوسع مدياته، كان ينبغي ان يكون هنالك تآلفا بين الديانات وخطابا يحمل بين مدياته ابجدية الحوار المتفتح الذي يحترم الافكار التي جاء بها ابن رشد ويتصدى للفكر الظلامي المنحرف الذي تغذيه السعودية اليوم بناء على لعبة المصالح النفطية.

ان عملية الانتماء الى ما جاء به ابن رشد، تحتاج الى التحليل الدقيق للنص القراني والتوراتي والانجيلي، حتى يصار الى صياغة معادلة ابستمولوجية تضع النص بجانب المعرفة، تزاوج بين الدين والفلسفة، كما محاولة للمفاعلة بين اللوغوس والميتوس، اي بين المنطق الفلسفي، والمنطق اللغوي، وهذا يساهم في فهم النص الديني بطريقة معتدلة ومتوازنة.

"ينبغي العلم ان الخطاب النبوي من توراة وانجيل وقرآن يتموضع في جهة الميتوس اكثر منه في جهة اللوغوس...يعتمد في تركيبته اللغوية على المجاز الباهر والكناية والاستعارة والقصص الرمزية والبلاغيات اللغوية عموما اكثر مما يعتمد على الخطاب المنطقي العقلاني"[22 ] .

لقد تبنى القران كما باقي الكتب السماوية طريقة الميتوس المبني على اساس الأمثلة والحكايات، والقرائن ما يجعل ان هنالك متبنى تفرضه الخطابات السماوية، والذي على أساسه قامت الفلسفة اليونانية؛ بمعنى اعتمدت على فكرة اللوغوس الذي يعتمد العقل لفهم حقيقة الوجود. ان مقولة اللوغوس من خلالها يتم فهم المعنى الحقيقي لفكرة الخلق، ولكن يبقى هنالك فراغ، نحتاج الى تداركه، حيث كما يقول اراكون: ""ينبغي العلم ان الصلات التي تربط بين انبثاق اخلاق"حجديدة" وبين تقدم السياسة الإيكولوجية اوالبيئوية لم توضح ولم تبلور بشكل كاف حتى الان. وينبغي العلم ان لا الكتابات حول الأخلاق ولا بالطبع الخطابات السياسية سوف تساعدنا على تجاوز الاخلاق الوعظية الحالية الشائعة"". الخلاصة في نهاية المطاف، هو ان المسالة الأخلاقية تتطلب العمل المشترك على فهم البعد الحقيقي للمسألة الاخلاقية من خلال تبني منهج على اساسه يتم تحليل الفضاء الحضاري لكل شعب من الشعوب من حيث اللغة وطبيعة التركيبة الاجتماعية التي فرضتها الجغرافية السياسية والدينية، وهذا يساعد على فهم جدلية " الصراع بين اللوغوس والميتوس، اوبين العقل والأسطورة"[23 ] .

 

الفصل الثاني: ٢٤١-٢٦٦

توطئة:

موضوع الفضاء التاريخي المتوسطي واشكالياته من المسائل التي تحتاج الى توقف وتأمل، باعتبار ان القضية تتوزع اطرافها عند مطبات تحتاج الى تحليل، اساسها هذه الايديولوجيات السيا-دينية المتناحرة، وهذه الايديولوجيات تتبناها رؤؤس أموال، من خلالها تتحول لغة التبشير الى إعلام تؤثر عليه تداعيات الوضع المضطرب لاخطبوطات العجلة السياسية في المنطقة.

" انه صراع قديم جدا ومتكرر بين عالم الاسلام من جهة، وعالم المسيحية واليهودية من جهة اخرى"[24 ] . فعندما يتحول التبشير الديني الى نظريات أيديولوجية تلتزمها السياسات المتصارعة، وعندما تتحول إبستمولوجيا الدين الى فكر عدائي قائم على اساس التقسيم الجغرافي بين الامم والشعوب، سيقود حتما الى صراع، مكوناته ستكون سببا في الخراب والعنف. المصيبة ان التاريخ فرض مقولته القائمة على هذا الصراع ابان بداية الاسلام حتى الأحداث المتفجرة بالصراع اخيراً.

"المفكر ريمون لول كان من أصل إسباني وبالتحديد كاتلاني، اي من منطقة كاتالونيا المتوسطية التي عاصمتها برشلونة .. ان هذا المفكر .... الذي ينتمي الى القرن الثالث عشر ذو شخصية قوية ومسار فكري حياتي نموذجي ومؤلفات اسرة... كتاب الوثني المشترك والحكماء الثلاثة"، يفرض على كل قارئ من معاصرينا اليوم العديد من المقارنات والتاملات....والاحتجاجات الاستنكارية ضد جميع انواع الانحرافات"[25 ] . هنا المسؤولية تتطلب من الجميع إيجاد الفرص المتاحة للمكونات الابستمولوجية بين الاديان، من خلال العمل على متابعة موارد الإخفاق والفشل في تلاقح الثقافات بعيدا عن التعصب والتناحر.

 "لكي اتبع حلقات هذا الانعكاس في التطور التاريخي بين كلا الجانبين أوكلتا الضفتين كنت قد تحدثت عن ضرورة تأسيس علم جديد بعنوان: سوسيولوجيا الاخفاق والفشل اوالتراجع والقهر. بمعنى لماذا فشلت الفلسفة في العالم العربي الاسلامي وتراجعت؟ هذا في حين انها بكل قوة قي العالم المسيحي الأوربي في اللحظة التاريخية ذاتها؟" لقد أورثت الصراعات التاريخية بين الاديان فوضى اجتماعية، اقتصادية، واخلاقية، استطاعت السياسات ان تستثمرها من خلال تشجيع الفرقة والانقسامات بين الطوائف والقبائل والمذاهب، بغية تحقيق سيطرتها هنا في هذا المكان اوذاك. [26 ] .

ان فكرة تبني مؤسسات معرفية على نمط علم الاجتماع تنهض بالفكر التاريخي الديني، وتضع بصمات جديدة، بموجبها يتم تجاوز الثغرات التي خلفتها صناعة الحروب بين الاديان على مد التاريخ.

"هنالك حقيقة واضحة جلية للعيان اكثر فاكثر وهي تتمثل في ما يلي: ان الاسلام

المعاصر(١٩٥٠-٢٠١٠) ليس فقط جاهل بالمكتسبات الأكثر تحريرا للحداثة التي حصلت في أوروبا منذ القرن السادس عشر، بل هو ايضا جاهل بحداثته الخاصة بالذات والتي حصلت في العصور الوسطى"[27 ] .

الاسلام بالذات يحتاج الى نهضة حداثوية على نمط الفكر التنويري الذي ساهم بانعاش المد الحضاري الثقافي في أوربا. وخير مساعد في تبني هكذا نوع من المشاريع هم المتنورون والمستشرقون الذين تأثروا بالمد الحضاري للإسلام ابان العصر الذهبي؛ في زمن ابن سينا والفارابي". ينبغي العلم ان الفكر الاسلامي كان قد اثر على ريمون لول، وبخاصة من خلال فكر الفارابي ولكن ايضا فكر ابن سينا وابن سبعين. كان ريمون لول مرتبطا بتيار الأفلاطونية الجديدة اكثر مما كان مرتبطا بتيار المدرسانية السكولاتية الرائج في جامعة باريس آنذاك"[28 ] .

نعم فهنالك المدارس، والحلقات الثقافية، وهنالك نسيج من خلاله انتشر تأثير الفكر الاسلامي، ريمون لول نموذج استطاع ان ينقل أواصر الترابط بين الفكر الغربي والشرقي. "وبهذا المعنى سيكون من المفيد الاطلاع على بعض الدراسات العلمية التي كان العالم الاسلامي ينتجها في عصر ريمون لول. وسيكون من المفيد ايضا القيام بترجمات عديدة للتعرف الى ثقافة العالم العربي والإسلامي آنذاك، ثم للتعرف الى بعض عناصر النظام الفكري الذي شكله ريمون لول"[29 ] . وهذا حقاً يرتبط بعنوان الفصل الثالث الذي يعد ستراتيجية مهما لتبني منهجية جديدة للحوار الحضاري بين الاديان.

 

٨. الفصل الثالث: ٢٦٩-٣٠٩

توطئة:

الوسطاء الثقافيون الثلاثة: ابن رشد، ابن ميمون، وتوما الأكويني، هو اهم ما جاء في مدخل العنوان الرئيس الذي يناقشه هذا الفصل. هنا من الضروري الاشارة الى ان هنالك تواصلا في السقف الثقافي بين حضارة الغرب والشرق عبر هؤلاء الذين انتخب أفكارهم اراكون، ليؤسس مقدمة تستقطب هذا النوع من التفاعل، فابن رشد استطاع ان يقوض أركان النظريات الجامدة في الفكر الاسلامي، وفي ذات الوقت فان لأفكار ابن ميمون وتوما الأكويني أثر بارز في تقارب الفلسفة الغربية مع الشرقية. "" كلنا يعلم ان الإسبان الكاثوليك الذين طردوا اليهود والمسلمين بكل الحماسة الاندفاعية والدينية....قد فعلوا كل ما يستطيعون لمحو اثار "الهيمنة" الاسلامية المعتبرة نجسة من وجهة نظرهم: بالمعنى الديني لمفهوم طاهر/نجس""[30 ] .

الإسبان بفعل هذا النمط من التعصب حطموا كل الجسور المعرفية لحضارتي الشرق والغرب، فنظرتهم تأدجلت بناء على كراهية دينية وعرقية لها جذور تاريخية، اضافة الى نمط حياتهم الذي يقوم على اساس الفوضى الاستعلائية للملكية، هم يبحثون عن استعباد الشعوب آنذاك، خاصة التي تتبنى الاسلام. هنا بناء عل ما تقتضيه مصلحة المعرفة، ونظرا لاختلاف المستويات بين المفكرين، يصبح من الضروري الاشارة الى أنماط الاختلاف بين المفكرين وطرائق تفكيرهم.

"انه لمن المهم ان نلفت الانتباه منذ الان الى ضرورة التفريق بين موقعين للفكر اوالمفكرين؛ فهنالك اولا الذي يبحث ويكتب داخل نظام من الحقيقة مرتبط قليلا اوكثيرا بسلطة الدولة اوبسيادة دينية مراتبية هرمية تجمع في يدها بين السلطة الروحية والسلطة السياسية. وهناك ثانيا المفكر الذي يشتغل في ظروف الأقلية مثل ابن ميمون....اما توما الأكويني فكان يؤلف ويتدخل في القضايا العامة تحت المراقبة الصارمة للمرجعية العقائدية الكاثوليكية. وكان مثل ابن رشد يرتكز على سلطة معينة في الوقت الذي يحاول فيه اغناء الشروط الفكرية لممارسة هيبته الروحية"[31 ] .

لقد فرضت نظرية السلطة نموذجا قاصرا عن فهم اي فكر يتبنى تحرير الانسان من العبودية، الكنيسة آنذاك مارست سلطة استعبادية استبدادية ضد اي فكر يتبنى مقولة الحرية وحاربت جميع الأفكار والأيديولوجيات التي نشأت كرد فعل على المرجعيات الدينية المتعصبة.

"ينبغي العلم ان ابن رشد كان قد طرد من قبل جماعته، اي أمة المسلمين، بصفته زنديقًا، نجسا، بل حتى بصفته يشكل خطرا على الدين الحق، او الدين الوحيد الصحيح، اي الاسلام. ولكن اذا كان المسلمون قد طردوه من فكرهم ونبذوه من برامج تعليمهم منذ القرن الثالث عشر، فان الأوربيين راحوا يستقبلونه بالاحضان على الضفة الاخرى من المتوسط. نعم لقد استقبلت الجامعات الأوربية المسيحية فكره وفلسفته ومؤلفاته وراحت تدرسها وتشرحها وتترجمها وتستفيد منها وتبني عليها نهضتها المقبلة"[32 ] . المشكلة التي وقعت بها الحضارة الشرق-اوسطية هي انها حاربت كما الكنيسة المتعصبة عقول الفكر والتنوير، وكان ابن رشد ضحية هذا النمط من العقول. "وكما في العصور الوسطى، يستخدمون الله، والدين الحق، والشرع الموحى به، ويخلطونها كلها، بشكل مشوش، بحقوق الانسان والأرض القومية والعدالة الدولية وحق العودة والارهاب وأسلحة الدمار الشامل، ونلاحظ، منذ خمسين سنة حتى اليوم، ان الخطاب السياسي والخطاب الديني، وحتى الخطاب التاريخي الصحيح، والهيئات الدولية المكلفة تطبيق القانون، فشلت جميعا في إيقاف المجزرة ووضع حد للإذلال والقهر وسحق الحقوق المبدئية"[33 ] . لقد تأسست منظمات وتيارات وحلقات تدعو لاستغلال الفكر الديني، من اجل الاستحواذ على مساحة اكبر من المؤيدين. فكان الدين الطريق الاسلم لحماية المخططات الهادفة الى هذا النمط من الاستعباد. "" في ما يخص تراث الفكر الاسلامي كما بالنسبة لجميع أشكال العقل الديني والعقل الحديث عموما، اقترح منهجية اخرى، هي المنهجية " التفكيكية الانقلابية الراديكالية". فهي وحدها القادرة في رايي على القيام بنقد راديكالي لجميع أنظمة الفكر الموروثة عن الماضي ولكل أنظمة العقائد واللاعقائد التي ترافقها""[34 ] . لقد أورثت مقولة السلطة منهجية تعتمد على أفكار لا علاقة لها بقدرة العقل الإبداعي، فكانت النتيجة سيادة الفكر الذي اعتمد ما فرضته ايديولوجية الفوضى السياسية.

 

الفصل الرابع: ٣١٣-٣٤٢

توطئة:

صورة الاخر وموضوعة التشكيل المتبادل لصورة الاسلام والغرب حيث يعتمد المؤلف نوعين من النصوص وهي الدينية الخاصة بالكتب المقدسة، والنصوص الفلسفية وقضية الصراع بين أوروبا والغرب من جهة والشرق من جهة اخرى. يعتبر هذا المدخل من اهم الإشكاليات التي يتكئ عليها الفصل اعلاه، ليطل بجميع موضوعاته

 ""في ما يخص السياقات الاسلامية، عربية كانت أوغير عربية، نلاحظ ان "الضيافة" مثلا محكومة من قبل قانون اجتماعي-سياسي-اخلاقي دقيق جدا وصارم. وهذا القانون سابق لتعاليم الدين ومستمر بعدها على هيئة تداخلات معها، فقد كان موجودا قبل الاسلام""[35 ] . من الضروري الاشارة الى ان هنالك سياقات اجتماعية لها مبررات تاريخية، هذه السياقات نشأت قبل ان يأتي الاسلام، ما يفيد بان هنالك قوانين وأعراف لم يغيرها الشارع المقدس. ولهذا افترق ما جاءت به الشريعة عن الدين. وهذا فصل مهم في باب الاختلاف بين القانون الاجتماعي، والقانون الديني.

ولهذا تجد ان هنالك منهجية تأسست على اساس هذا اللون من التفاوت بين القانونين. اضافة الى هذا، فان هنالك فرق في اللغة وطريقة التفسير التي جاءت به الكتب السماوية، ما يفيد ايضا بان هنالك قانونا استنباطيا يرتبط مع انماط التفكير الخاصة بالسياقات اللغوية، وهذا ايضا يضيف انقساما جديدا بين العامل الديني، وعامل الثقافة الخاص باللغة؛ بمعنى اننا نحتاج الى مستشار اجتماعي، وآخر لغوي لمطابقة النصوص الدينية والعمل عليها.

""من المعلوم ان المسيح نطق بالآرامية وهي لغة سامية كالعبرية والعربية. لكن رسالته كتبت باللغة اليونانية في الاناجيل ولم تكتب بالآرامية، اللغة التي نطق فيها. وبدءا من تلك اللحظة، حصل انقسام بين الدين والفلسفة لان اليونانية هي لغة الفلسفة كما هو معلوم. كان بول ريكور قد زحزح "فكرة الذات كآخر" من مجالها التقليدي الى الارضيّة اللغوية والالسنية للهوية السردية القصصية. وإذا ما تبعنا فكرته فإننا نجد ان الانتشار التاريخي للمسيحية داخل الدائرة اللغوية العقلانية الإغريقية-الرومانية واللغات الأوربية الحديثة المتفرعة عنها كانت له انعكاسات كبرى لم تدرس حتى الان من قبل علم اللاهوت ولا. من قبل التراث الفلسفي .. المسيح تكلم شفهيا بالآرامية لكن كلامه سجل كتابه باليونانية اولا ثم ترجم الى اللاتينية ثانيا والى اللغات الأوربية الحديثة ثالثا كالفرنسية والانكليزية والالمانية الخ""[36 ] .

المسيح تكلم بالآرامية ولكن هذه اللغة نقلت باليونانية، ثم ترجمت الى اللاتينية، وهذا يعد اختلافا حاصلا في التفسير اللغوي. هذا الاختلاف ولد انقسامات، الانقسامات لم تكن على وتيرة واحدة او نمط واحد، حيث ان هنالك انقسامات اخرى حصلت في النسيج الاجتماعي.

 

" لكن لنعد الى الماضي البعيد مرة اخرى. عندما تحرر اليهود سياسيا في أوروبا بعد الثورة الفرنسية، حصل انقسام اخر بين اليهود والمسيحين من جهة، والمسلمين من جهة اخرى"[37 ] .

لقد كان لهذا الانقسام اثر ديني ونتائج الت الى البحث عن مفاهيم جديدة للحقيقة، هذه المفاهيم نتج عنها اختلاف القراءات والتفسير في الكتب السماوية.

""ومفهوم الحقيقة هنا مقصود بكلا المعنيين، اي بمعنى صحة نقل كلام الله من جهة، وصحة تفسير مضامينه من جهة اخرى. في ما يخص المسالة الاولى نحن نعلم ان القران أشعل مناقشة خلافية مع الدينين الاخرين حول ما يدعوه ب"التحريف""[38 ] .

إذن هنالك صراع اسمه صراع التفسير ناتج عن الاختلاف اللغوي، هذا الصراع أنتج خلافا على أساسه، تم استخدام مقولة الدين للتحريف والتشويه، هذا التشويه بموجبه حدثت معارك وفتن وحروب وكان للإعلام والتكنولوجيا دورا بارزا في هذا الصراع.

 

الفصل الخامس: ٣٤٥-٣٧١

توطئة:

يناقش فيه المؤلف علاقته بيواكيم مبارك ولويس ماسينيون كملحق بحسب ما ورد في قوله: "وفي بداية شهادتي هذه عن يواكيم مبارك، اشعر بالحاجة لان أضيف ما كتبته عن ماسينيون كملحق لهذا النص"[39 ] .

ماسينيون هنا يرفض فكرة الخروج عن المقدس، ويطرح فكرة الاستبطان لفهم المقدس، باعتبار ان هنالك مناشدة روحية لا علاقة للعقل بها، فالنص ليس خاصا بدين دون اخر، انما هو نسيج متكامل يرتبط بجميع الاديان، والعقل لا يحق له لان يحاكم المقدس بناء على المقدس نفسه.

"المجال الإبراهيمي" نسبة الى ابراهيم الخليل ابي الاديان التوحيدية الثلاثة"[40 ] . بمعنى ان فضاء الديانات الإبراهيمية جميعا يربطها مجال واحد هذا المجال يعود الى ابراهيم الخليل.

فالتوحيد اساس هذه الاديان.

 "أصبحوا الان في الغرب يتساءلون عن مستقبل الاديان التقليدية؛ هل سوف تستمر اولا؟ وكيف لا؟ كما أصبحوا يتساءلون عن إمكانية الخروج المتسارع من الأُطر الدينية وشيفراتها المعنوية الصانعة للتاريخ"[41 ] .

في الغرب يعتقدون ان الخروج عن النصية الابستمولوجية، اي القفز على المقدس عامل مساعد لتفكيك هذه الاديان واعتبار المقدس فيها قابل للطعن والتغيير. خاصة وان بعض النصوص الواردة في الكتب المقدسة كالقران تستخدم كفتاوى للحروب.

 "ان جميع الاديان الحية أصبحت تستخدم اكثر فاكثر اما من اجل خلع المشروعية على" الحروب المقدسة"، وأما من اجل سد الفراغ الروحي والأخلاقي الناتج من العولمة الرأسمالية التي لا تعترف الا بالماديات والربح والمنافسة المحمومة والفعالية الاقتصادية"[42 ] .

وهذا يعد ذريعة للخروج عن هذه النصوص بحسب آراء المتشددين من باقي الديانات، كما انه ايضا فتح الباب على مصراعيه امام بعض الفضائيات لبث حملات إعلامية هائلة ضد الاسلام مثلا كما يحصل اليوم في الغرب، ما يدعو الى فك حلقات الارتباط مع القران والإسلام وبالاستعانة احيانا بأفكار على نمط اراكون، لذلك من باب الاهمية، يحرص ماسينيون لويس على معنى الايمان، فيكتب بثقة الى محمد اراكون، باعتباره فهم الاسلام، وهذا مقطع من نص رسالته الى محمد اراكون:

"اعتقد ان إيمانك الاسلامي تعرض للزعزعة بسبب تطبيق المنهجية التفسيرية العقلانية على الكتب المقدسة. وهي اذا ما طبقت على العهدين القديم والجديد تؤدي الى الشكوك نفسها"[43 ] .

لا يمكن اعتماد المنهجية التفسيرية العقلانية على كتاب سماوي كالقران دون غيره، باعتبار ان الاديان التي يتم البحث فيها الان تعود الى منشأ واحد، ولو حصل هذا مع القران مثلا سيعرض جميع الكتب السماوية الى ذات الأشكال، لذلك يعد الامر هذا تزعزع عن الاسلام كدين. وهذا ما تستغله اليوم جماعات من المتشددين المسيحيين وغيرهم.

 ""انني أقول غالبا للماحكين المسيحيين ضد الاسلام من نوعية الغلويري (اي الأب المبجل روبيرتوفوسا) ما يلي: لا تفعلوا ضد الآخرين ما لا تحبون ان يفعلوه لكم. فشتم المسلمين عن طريق" حديث الإفك" اوقصة" زينب بنت جحش" هي عملية سهلة يكثر منها المبشرون البروتستانيون في المشرق. ولكن ينبغي ان يدركوا ان هذه العملية قد تنقلب عليهم. فالآخرون ايضا يمكن ان يدسوا بعض التلميحات المغرضة ضد يسوع وأمه""[44 ] .

 

الفصل السادس: ٣٧٥-٤٣٣

توطئة:

وموضوعه مقابلتان مع محمد اراكون

"" كانت وزارة الشؤون الدينية في الجزائر تنظم مؤتمرا كبيرا، مكلفا من الناحية المادية، تحت عنوان:" مؤتمرات الفكر الاسلامي". وقد حصل ذلك على مدار عشرين سنة أوأكثر بين عامي ١٩٦٩و ١٩٩١. وأصبح هذا المؤتمر السنوي بمرور الزمن عبارة عن مؤسسة رسمية حقيقية.... احسست بالحاجة لان ادشن علما جديدا تحت اسم "علم الإسلاميات التطبيقية""[45 ] .

هذا العلم سيعد قاموسا ومنهجا متكاملا من خلاله يتم دراسة اهم الإخفاقات التي حصلت للإسلام وعلاقته مع باقي الاديان وبالعكس.

 "في الواقع، ان رجال الدين التقليديين أومن أدعوهم بالمشرفين الرسميين على المقدس الديني يراقبون أي كتاب يتحدث عن الاسلام، فاذا كان تفجيريا من الناحية الفكرية اي تفكيكيا وتحريريا، فانهم يمارسون عليه الرقابة الصارمة ويمنعون انتشاره وقراءته قدر الامكان"[46 ] .

هنا من الضروري الفصل بين الالتزام والتعصب، فالارتباط بالمقدس وعدم تجاوزه لا يعني التزمت ومحاربة الافكار " ينبغي ان نبدأ بالعلوم الاجتماعية اولا، لا بعلم اللاهوت. اذا كنت لا تمتلك الأدوات والمناهج الفكرية الحديثة التي اثبتت فعاليتها، فإنك لا تستطيع ان تُمارس علم اللاهوت بشكل جيد"[47 ] .

من المهم بناء جسور اجتماعية أنثروبولوجية تناقش مستويات ومراحل التطور المعرفي للمجتمعات.

 

فهرس الاعلام: ٤٢٥-٤٣١

مدخل:

وهي مجموعة من مختلف الأبحاث والدراسات في اللاهوت، والفلسفة، والسياسة، والاجتماع، وغيرها وتتضمن افكار ومقدمات ابن خلدون، ابن الرواندي، ابن رشد، ابن سينا، ابن المقفع، اغسطينوس (القديس)، الافغاني جمال الدين، الخراساني، ابو مسلم، الغزالي، ابو حامد، هيكل، محمد حسنين، يوحنا بولس الثاني(البابا)[48 ] . لعل الموضوعات التي ناقشها اراكون تعد من ابرز الموضوعات التي يناقشها محمد اراكون في الوقت الحاضر، كونها تم فرش بساطها على اساس ارتباطها مع اهم الافكار والمقدمات التي نوقشت من قبل هؤلاء الاعلام ومنجزاتهم المهمة.

 

١٣.خلاصة البحث

هنا ابتداء، اراكون أراد ان يقول ان مقولة الدين لم تحظ بوصف واحد، فهنالك مؤثرات عرضية، واخرى ذاتية، اما العرضية فتدخل في موضوع السلطة، والسياسة، وانثروبولوجيا الطابع النظري للثقافات الدينية، بينما الذاتية تمثل سلطة المقدس- حيث تم بفعل المؤثرات العرضية تم تفريغها من محتواها الذي كان قائما على فلسفة العقل حتى بدلا من ان تنهض تلك الفلسفة تم اجهاضها لتحل بدلا عنها لغة الانصياع الى المنقول من الأخبار والاحاديث وتغييب سلطة العقل لاستقراء المضامين المعرفية التي تنسجم فكريا مع درجات التقبل المنطقي؛ بمعنى كيف نجعل الحكم الشرعي مواكبا لتفسير العقل القابل لاستيعاب الشروط والمفردات المنسجمة مع منطق التشريع الديني. فموضوعة تهافت الفلاسفة والتي تقول ان لا حاجة للدين بالفلسفة كانت مفتاحا وبابا لتسييد هذا النوع من التراجع الفكري للفلسفة، حتى وبامرة الحاكم اسقطت الحصانة المعرفية عن فلسفة بن رشد فتهافتت، وتهافت معها كتاب "تهافت التهافت" ذلك الذي اريد به ان يقال ان الابستمولوجية مقولة الدين، والفلسفة هي الطريق الأسلم للتعامل مع ما جاءت به تعاليم السماء، ولكن للأسف لقد تم الاعتداء على إبستمولوجيا الدين وبقي العقل قاصرا للتعريف بمعنى هذه الابستمولوجيا، وكان ذلك فراغا لم تستطع سلطة الدين ان تتلافاه فيما بعد تحت ظل عرش السلطة، فكان لهذا الفراغ أثر سلبي على الدين، حيث بدلا من "الفكر التنويري" كان "الفكر الظلامي"، وبدلا من التحاور والتآلف كانت الفرقة وكان الاختلاف. لقد نشا الصراع ليؤسس وعيا لا يرتقي لفهم ما جاءت بها الاديان، فبدلا من الارتباط بمقولة الذات الإلهية، صار الارتباط بمقولة السلطان. وراحت مساحة الفتن تتسع على مر العصور والأزمان. فالقضية قضية صراع ايديولوجي وليست إبستمولوجي، باعتبار ان مقولة الدين اقرب لارتداء ثوب السياسة من مقولة الفلسفة التي أعلنت استقلاليتها وتفردها عن مقولة السياسة لكي لا تستباح. في مؤلفه، محمد اراكون أراد ان يضع القاريء امام حقيقتين نحتاج الى البحث فيهما؛ الاولى تاريخية، مرتبطة مع سلطة الحاكم وعلاقة الفتوى الدينية بذلك، والثانية ابستمولوجية معرفية، فالصراع الفكري سببه صراع تاريخي وهو الذي قاد ويقود العالم اليوم باتجاه الفجوة بين هذا الدين وذاك.  

 

عقيل العبود

.......................

المصدر:

اراكون محمد، نحو تاريخ مقارن للأديان التوحيدية، دار الساقي بيروت لندن، ترجمة وتقديم هاشم صالح، الطبعة الاولى 2011

 

هوامش البحث

[1 ] راجع ص ٤٠٠، المقطع الثاني، سطر٤-٦

[2 ] راجع ص٦٢، المقطع الثاني، سطر١، راجع ايضا راجع ص ٦٣ المقطع ٣، سطر ٤

[3 ] ص٩، المقطع الثاني، سطر١-٩.

[4 ] المقطع الثالث، سطر١-٤، راجع ايضا القسم الرابع سطر ١-٣، ص١٢

[5 ] المقطع الثاني، سطر١-٤،ص١٥

[6 ] المقطع الثاني،سطر ١- ٣،ص١٦

[7 ] المقطع الثاني،السطر الأخير ص٢٠، سطر١-٥ ص٢١.

[8 ] راجع ص٢٤، سطر ٢-٤.

[9 ] راجع ص٢٧، المقطع الثاني، سطر١-٣.

[10 ] راجع ص٣٧٦ المقطع الثاني، سطر ١-٤، اقرا ايضا،ص ٣٧٩.

[11 ] راجع ص٣٧٧، سطر ١-٦. راجع ايضا ٣٧٨، المقطع الثاني سطر١،٢

[12 ] راجع المقطع الاول ص٣٩٢سطر١-٣

[13 ] راجع المقطع الثاني، سطر(١-٤)، ص٣٩٢

[14 ] راجع المقطع الثاني،السطر الأخير، مقطع٢ ص٣٩٨، ص٣٩٩سطر١،٢، مقطع ١.

[15 ] راجع ص٣٨١، سطر٢-٤، المقطع الاول.

[16 ] راجع ص ٩٠-٩٣، راجع ايضا ص١١١، المقطع الثاني سطر١-٢

[17 ] راجع ص١١٣سطر ١٤

[18 ] راجع ص١١٦المقطع الثاني ١-٤

[19 ] راجع ص١١٩، سطر ١-٥، المقطع الاول

[20 ] راجع ص١٣٨، المقطع الثاني، سطر (١-٢).

[21 ] راجع ص١٩٥.

[22 ] راجع ص ١٩٤

[23 ] راجع ص ٢٣٤، المقطع الثاني، ١-٤، راجع ايضا ص١٩٤،المقطع الاول٣-٢

[24 ] راجع ص٢٤٣سطر٤،٥، المقطع الاول.

[25 ] راجع ص٢٤٣سطر ٨، مع ص٢٤٤سطر١-١١

[26 ] راجع ص٢٤٦سطر٥-٩

[27 ] راجع ص٢٤٧ سطر١-٤، المقطع الثاني.

[28 ] راجع ص٢٦٥سطر١-٣

[29 ] راجع ص٢٦٦، المقطع الثاني(١-٤).

[30 ] راجع ص٢٦٩سطر٨-١٠

[31 ] راجع ص ٢٨٠ المقطع الثاني سطر١-٩

[32 ] راجع ص٢٩٤، المقطع الثاني، سطر ١-٦

[33 ] راجع ص 306، المقطع الاول، سطر ٨-١٣.

[34 ] راجع ص ٣٠٨، المقطع الثاني سطر ١١-١٤

[35 ] راجع المقطع الثاني، سطر١-٤،ص 319

[36 ] راجع ص٣٢٥-٣٢٦.

[37 ] راجع ص٣٢٧المقطع الثاني سطر١-٣

[38 ] راجع ص٣٤١، سطر ١-٣

[39 ] راجع ص ٣٤٥سطر١-٢، المقطع الثاني.

[40 ] راجع ص٣٤٥سطر ٤، المقطع الاول.

[41 ] راجع المقطع الثاني، السطر (١-٣)ص٣٥٨

[42 ] راجع ص٣٥٧، المقطع الثاني، ثانيا١-٤

[43 ] راجع ص٣٦٨سطر١-٣

[44 ] راجع ص٣٧٠-٣٧١ المقطع الرابع١-٦.

[45 ] راجع ص٣٨٢، المقطع الثاني سطر ١-٦

[46 ] راجع ص٣٩٢،٣٩٣ السطر ٧-١٠، المقطع الثاني.

[47 ] راجع جواب السؤال التاسع، المقابلة الثانية، ص٤٢٠

[48 ] راجع جميع الصفحات الخاصة بالفهرسة.

 

في المثقف اليوم