كتب واصدارات

أسعد الاماره: عرض كتاب الصحة النفسية وبعض أساليب المعالجة للدكتور باسم فارس الغانمي

asaad alemaraمن المعروف لدى المشتغلين في مجال الصحة النفسية، وعلم النفس المرضي والاضطرابات النفسية أو السواء النفسي، أن هذا التخصص الدقيق في علم النفس والطب النفسي متحرك ومتجدد، وبحاجة لتحديث مستمر في كل موضوعاته،  لأن الإنسان في وجوده يتفاعل مع الآخرين. أن علم الصحة النفسية هو علم قائم على التطور والتكيف، ليس علم كلاسيكي جامد، واظهرت لنا البحوث الميدانية أن التطور المستمر لا يعيق التكيف، وهنا لابد أن نفرق بين دراسة موضوع الصحة النفسية بمحاولة صادقة والنظر بموضوعية دون تشويه لحقائق الاحتياجات الشخصية وإن كانت غير مقبولة اليوم، لكنها ستكون مقبولة في المستقبل، وهو  التطور بعينه، فالواقع المعاش  يظهر لنا كيف أن الفرد أو المجتمع أو الكائنات الحية بصفة عامة كانت تحتاج على مر الزمان إلى قدر من التكيف مع قدر من التطور، فالتكيف التام يؤدي إلى درجة من الجمود والملل، ويقول د. محمد شعلان: قد تنتهي بالموت أو على الأقل تتساوى معه.

أحيانًا ينفعل الإنسان  ويفكر بعنف مع نفسه بسبب الضغوط الحياتية اليومية المتغيرة ومستجدات الحياة اليومية السريعة فضلا عن الأوضاع السياسية التي أشرك السياسيين جميع شرائح المجتمع في بلداننا العربية، فأصبح الهم العربي ديالكتيك وجود الإنسان ومن ثم أنعكس ذلك على حياة الناس وفي أدق تفاصيلها، فلم يعد العلم أكاديميًا بحتًا، أو يدرس في أروقة الأقسام العلمية والكليات والجامعات، إنما أصبح همٌ مستمر ودائم، وقول مؤسس التحليل النفسي "سيجموند فرويد" ان صاحب الهموم صاحب خمور ، يعاقرها ويدمنها، لذا بات الاهتمام بدراسة صحة الإنسان النفسية وإنعكاساتها على مجمل صحته البدنية، أمر لا جدال فيه،  فظهرت الاضطرابات النفسجسمية "السيكوسوماتيك" بانواعها، وبرزت مظاهر جديدة لم يألفها القدامى من المشتغلين في علوم النفس والطب النفسي، وهي أضطرابات ما بعد الصدمة والتي يطلق عليها" PTSD" وتصنيفات أخرى جديدة.

تناول هذا الكتاب الذي صدر من مكتبة الأنجلو المصرية في القاهرة بمصر للدكتور باسم فارس الغانمي الأستاذ في كلية التربية للبنات بجامعة الكوفة موضوعات جديدة مستحدثة لم تتناولها التصنيفات السابقة لعلوم النفس مستندًا على فكرة قالها عالم التحليل النفسي المصري الشهير البروفيسور " مصطفى زيور" أن محك الفحص يتغير إذا ما تبين أن ما كان موضوع المحك قد تغير. ذلك أن الفحص ليس فحصًا للمعرفة فحسب وإنما هو فحص لمحكها أيضًا،  لذا فإن موضوعات الصحة النفسية دائمة التغير والتبدل مثلما هو الحال بالفيروسات التي يصنع لها علماء الأدوية مضادات حيوية، أذا لم تجدد وتتحدث  هذه المضادات لن تواكب تطور الفيروسات، ومن ثم تنتصر على مقاومة الإنسان.

تناول هذا الكتاب  موضوعات أساسية في مجال الصحة النفسية منها:  تعريفها، ومعاييرها، ومؤشرات الشخص السليم والأسرة السليمة، ومفهوم التوافق والتكيف والصراع النفسي وسيكولوجية الرياء والنفاق وسوء التوافق الأسري، والأمن النفسي للطفل،  وأساليب المعاملة الوالدية، وسيكولوجية الغيرة والحسد، وسيكولوجية الكذب والتدليس فضلا عن موضوع التلصصية.

أستعرض المؤلف موضوع القلق وقلق المستقبل، والرهاب وانواعه، وأفرد لموضوع الضغوط النفسية مجالا واسعا وانعكاساتها على الشعور بالإنهاك وأضطراب التواصل الاجتماعي، وموضوع التوحد واضطراب الكلام والافازيا والنسيان. كما تناول في الفصل الخامس الاضطرابات العقلية بأنواعها، مثل الفصام والاكتئاب العقلي الذهاني، ومحاولات الانتحار لدى هذه الشريحة من المرضى. تناول كتاب الصحة النفسية في الفصل السادس الشخصية المضطربة وأنماطها، وتناول أيضًا الإدمان، وكذلك الذكاء والتخلف العقلي ونماذج من الاختبارات والمقاييس النفسية.

أن موضوع الصحة النفسية هو جماع بين التكيف والتطور، وبين التقبل والرفض، وبعبارة أخرى الجمع بين الأضداد في اطار واحد كما يقول الدكتور "محمد شعلان" لذا فإن موضوعات هذا الكتاب هي محاولة اجتهادية جادة نحو مفهوم جديد للصحة النفسية لا سيما أن الصحة النفسية كما عبر عنها الدكتور "عبد السلام عبد الغفار" هي الحالة النفسية العامة للفرد، والصحة النفسية السليمة هي حالة تكامل طاقات الفرد المختلفة بما يؤدي إلى حسن استثمارها، ومما يؤدي إلى تحقيق وجود الفرد، ويختلف الناس فيما بينهم من حيث مدى سلامة صحتهم النفسية.

 

د. اسعد الاماره - استاذ جامعي وباحث نفسي

 

في المثقف اليوم