أقلام ثقافية

ظاهرة نشر ثقافة وحب المطالعة..

hamid taoulostكما هو معلوم لدى الجمع، أنه مند ظهور "الإنترنت" وصعود نجمها بين وسائل الإعلام المتقدمة، وافتتان الناس بها، والنزوح المهول نحوها، واحتلالها محور اهتمام الناس، كنموذج رئيسي في اكتساب المعرفة والترفيه ، بدأت عادة القراءة تضمحل، عند من كان يقرؤون، وبدأ عدد القراء يتضاءلون، حتّى كادوا يختفون، وأضحت البقية الباقية منهم من كبار السن، الذين شبّوا على القراءة، وألفوا ما تستكشفه نفوسهم بها من أحاسيس النشوة ومشاعر السعادة، التي لا يستطيعون منها فكاكا، مهما كانت الظروف والملابسات، فتراهم في المدن والقرى وكل المناطق النائية، يقرؤون في كل مكان وفي أي مكان، إلى هنا الأمر عادي وليس فيه غرابة، لكن المشهد الغريب على الأقل بالنسبة لي أنا كسائح جاء من أمة "إقرأ" فوجد المكتبات المتجولة –عبارة عن حافلات كبيرة مزودة برفوف مليئة بآلاف الكتب - تجوب أسواق المدن والقرى الأسبوعية، لتقريب القراءة ممن لم ينزل عليهم قوله سبحانه وتعالى في سورة العلق: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ"1 "خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ"2"اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ"3"الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ"4"عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ"5.

لقد قادتني الصدفة - وخير الأشياء ما يأتي بالمصادفة، كما يقال- إلى قرية فرنسية صغيرة وجميلة، تدعى "جوانيي" لأشاهد احتشاد ساكنتها يوم السوق الأسبوعي، عند حافلة كبيرة، فذكرني احتشادهم ذلك، والذي ظننته تخفيضا مهما في بضاعة ما، بتراكم الناس حول بائع الطماطم في أسواقنا أيام رمضان المبارك .. توجهت نحو الحشد، فإذا بي أمام حافلة كبيرة للكتب، حسبت أنها لكتبي يبيع الكتب في الأسواق، لكن كم كانت المفاجأة قوية رأيت أعداد من مثل تلك الحافلة واكتشفت بأنها "مكتبات متنقلة" بالمجان لمن يريد القراءة، كان الناس منهمكين في اختيار الكتب التي سيقرؤونها خلال أسبوع .

وليست فرنسا وحدها من تعرف ظاهرة المكتبات المتجولة، بل الكل يعرف قصة "أنطونيو لاكافا" Antonio La Cava المعلم الإيطالي المتقاعد، الذي قرر الاستفادة من تقاعده، عبر مساعدة الأطفال في المناطق النائية على اكتشاف متعة القراءة، بمبادرته العجيبة الـ Bibliomotocarro، التي وفرت له حياة مهنية ثانية بعد 42 عاماً قضاها في حقل التعليم الابتدائي، ومكنته مؤخراً من حصد "جائزة الودّ لعام 2014"، التي تمنح سنوياً منذ عام 1971م للشخص الأكثر تميزاً في خدمة المجتمع، والتي جعلت صيته يذيع فى جميع أنحاء إيطاليا، ويبلغ تعاونه مع 49 مدرسة في مقاطعة “بازيليكاتا” الإيطالية ..

وتتمثل مبادرة "أنطونيو لاكافا" –التي لم تكن الوحيدة لأن له عدداً مهماً من المبادرات الجديدة، من بينها مختبر للأفلام القصيرة انطلاقاً من نصوص أدبية، أو “مختبر كتابة متجول” يسمح للأطفال بإطلاق العنان لمخيلتهم- في فكرة جديدة وطريفة، تقدم خدمة مبتكرة في نشر الثقافة، وتحبيب المطالعة، في إطار مهمته الإنسانية بعد انتهاء فترة الخدمة الرسمية، وإحالته للتقاعد، وذلك من خلال تحويل عربته، والتي هي عبارة عن آلية (Piaggio Ape) ثلاثية العجلات، يسميها الإيطاليون "النحلة"، إلى "مكتبة متجولة" أو "حافلة كتب زرقاء"، عبر تزويدها برفوف مليئة بأكثر من 700 كتاباً، تتنوع بين كتب مصورة، وروايات وقصص الأطفال، تجوب أنحاء إيطاليا النائية يومياً، دون كلل ولا ملل، لتزود قرية كل أسبوع، بالكتب المعارة بالمجان وأزيد من 200 دفتراً فارغ الصفحات، يتم منحها للأطفال بصورة مجانية؛ لتشجيعهم على كتابة ما يرغبون بكل حرية فضلاً عن كتابة التعليقات، وملخص بعض القراءات، لتشجيع وتحميس الأطفال على قراءة الكتب، وذلك منذ ما يقارب من 15 عام .

لا حاجة لأقص عليكم المزيد من القصص التي يقوم بها الإنسان الغربي الكافر لنشر ثقافة القراءة، فما ذكرته أعلاه يكفي ويفي ما أريد الوصول إليه ..

 

حميد طولست

في المثقف اليوم