أقلام ثقافية

فارس حامد عبد الكريم: السياحة بجوار كلكامش وجنة عدن

فارس حامد عبدالكريمالسياحة في الأهوار العراقية الجنوبية، ذات وقع سحري خلاب وقع أثره على قلب ومشاعر كل من زارها وعاود زيارتها مرة بعد اخرى،  كما انها لفتت انتباه المستكشفين والسياح والرحالة وشركات الاستثمار السياحي الدولية عبر ازمنة تاريخية متعاقبة فبقيت في ذاكرتهم شباباً وعادواً لزيارتها وهم شيوخاً.

واهوار العراق منطقة تاريخية بل قل هي التاريخ نفسه فمن هنا كانت نشأته الأولى عندما دحرج اول شخص في التاريخ العجلة وحفر بالكتابة على الطين، بعد أن اسسوا اول دولة في التاريخ، دولة مؤسسات بكل معنى الكلمة، تلك هي حدود دولة سومر العظمى.

ويعتقد البعض أن المنطقة هي الموقع الذي يُطلق عليه العهد القديم "جنات عدن".نظراً لسحر طبيعتها.

ونقلاً عن والدي القاضي المرحوم حامد العجرش وخالي القائمقام المرحوم فائق عجينة اللذان عملا في مطلع حياتهم المهنية في هذه المناطق ان شركات أجنبية عدة كانت تؤكد ان السياحة لو استثمرت في هذه الاهوار لتفوقت جداً على السياحة في البلاجات والسواحل البحرية وجلبت سياحاً وعملة صعبة تعادل ميزانية دول لما لها من وقع وسحر خاص مرتبطة بتورايخ واساطير وملاحم راسخة في عقول وقلوب البشرية جمعاء منذ زمن كلكامش وانكيدو. 

وقد عرضت الكثير من الشركات عروضها للإستثمار فيها  منذ العهد الملكي ومابعده وكان اقوى العروض ماقدمته احدى تجمع الشركات اليابانية من بناء بنى تحتية ضخمة ومواصلات معلقة ومراسي ويخوت للتجوال والصيد (صيد الاسماك والطيور وانواع البط) وتشييد فنادق ضخمة على وحي الاساطير والملاحم السومرية والعراقية عامة  وهذه تجذب ملايين السياح وحسب المعلومات ان مجموعة الشركات هذه قدمت عروضها الى حكومة عبد الكريم قاسم ولكن الاضطرابات التي مر بها العراق احالت المشروع للرف وحسب ما سمعت ان عند قيام النظام السابق بتجفيف الاهوار في تسعينيات القرن الماضي احتجت العشرات من المنظمات العالمية المعنية بالتراث الانساني التي وصفت الاهوار بأنها مهد الحضارة والثقافة البشرية واساطيرها وملاحمها  وان ادعاءات تجفيفها جاء لحماية الامن الوطني أو الادعاء ان تجفيفها يعد شأناً داخلياً لا معنى له امام عظمتها الطبيعية والتاريخية ... فهل من سكان المعمورة لم يرد يوما ذكر اسطورة كلكامش على مسامعه وسومر، فضلاً عن ان كل من يجيد القراءة والكتابة في عموم التاريخ البشري يدين بالفضل لهذه البقعة المباركة ...

فهل من وطنيين اشاوش يتبنون إحياء هذا المشروع الحيوي والدفاع عن رمزيته التاريخية.

معلومات جغرافية

الاهوار ( water bodies of the marshes ) هي مجموعة المسطحات المائية التي تغطي الأراضي المنخفضة الواقعة في جنوبي السهل الرسوبي العراقي، وتكون على شكل مثلث تقع مدن العمارة والناصرية والبصرة و ذي قار و ميسان على رؤوسه. وتتسع مساحة الأراضي المغطاة بالمياه وقت الفيضان في أواخر الشتاء وخلال الربيع وتتقلص أيام الصيهود. وتتراوح مساحتها 35-40 ألف كيلو متر مربع.

في يوم 17 يوليو تموز 2016 وافق اليونسكو على وضع الأهوار ضمن لائحة التراث العالمي كمحمية طبيعية دولية بالإضافة إلى المدن الأثرية القديمة الموجودة بالقرب منها مثل أور و إريدو و الوركاء.

ومن أكثر الخصوصيات في تلك البيئة الرومانسية ان بيوتها تبنى بالقصب والبردي وتدعى صريفة وهي منحدرة من كلمة (صرياثا) الأرامية التي تعني الكوخ التي أنحدر منها اسم مدينة البصرة.

وقد ورد ذكر بيت القصب هذا في ملحمة كلكامش تعريبه هو (بيت من قصب البردي. . بيت من قصب البردي. . جدار. . جدار. ياملك شورباك. . يا أبن (أوبارو- توتو) أهدم بيتك وشيد زورقاً). وكما نلاحظ في تلك العبارة فان حزم القصب يمكن أن تكون زورق خفيف للتنقل بين تلك الجبايش تطور مع الزمن إلى ما نجده اليوم يما يسمى البلم والمشحوف وغيرها من طبقات وسائط التنقل المائي الذي هو وسيلة المواصلات الوحيدة في تلك المناطق.

 وتشير الدراسات والبحوث التاريخية والأثرية إلى أن هذه المنطقة هي المكان الذي ظهرت فيه ملامح السومريين وحضاراتهم وتوضح ذلك الآثار والنقوش السومرية المكتشفة.

معلومات تاريخية

حينما فكر كلكامش بالبحث عن سر الخلود، انطلق في رحلته العجائبية من  الأهوار في أوروك حيث مزارع الأرز  لينتصر على رمز الشر في ذلك الزمان(خمبابا) الذي يحول دون خلود البشر حسب الرواية السومرية التي عثر عليها مكتوبة بخط مسماري في أحد عشر لوحاً.

وتعود هذه الملحمة الأولى في التاريخ البشري إلى عصر سلالة أور الثالثة في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، حين قام الملك كلكامش برحلة مصطحباً معه صديقه أنكيدو البشري الشجاع وهو من أهالي مملكة سومر.

وتصف الرواية الأولى قصة عوالم "ميزوبوتوميا" أو بلاد ما بين النهرين التي ترجمها الآثاري العراقي طه باقر عن السومرية، حيث كتبت عن الإنسان البدائي الذي حاول قهره الموت، وأراد معرفة سر الخلود على مشارف أربعة ممالك على حافة الأهوار هي أور وسومر وأريدو والوركاء أول السلالات السومرية التي استمرت بثلاث مراحل شغلت الحقبة الأطول في تاريخ العراق ما بين (3500-1600) قبل الميلاد.

 

فارس حامد عبد الكريم

 

في المثقف اليوم