أقلام ثقافية

مصطفى النبيه: صالون هدى للمخرج هاني أبو أسعد يجرنا للوحل من جديد

مصطفى النبيهصالون هدى" يقف خلفه مخرج يدرك قواعد اللعبة ويجيد فن انتزاع الجوائز

نحن أمام عمل يحرف الحقائق ويدس السم في العسل، فالخط الدرامي للشكل الخارجي في بناء السيناريو يتناول قضية الإسقاط والعمالة، أما المحتوى العام فهدفه الرئيسي التشكيك والتشهير في الكل الفلسطيني، فرغم محاولة المخرج البائسة من خلال عمله أن يقدم المرأة الفلسطينية على أنها ضحية مجتمع فلسطيني متخلف إرهابي كان السبب الرئيسي في كل مصائبها، وأباح لها المخرج من خلال عمله كل الذنوب وما حدث وما سيحدث، حمّل مأساتها والجرائم التي تعرضت لها للمجتمع الفلسطيني، وتناسى دور الاحتلال، فمن وجهة نظره نحن شعب مريض مشوه من أعلى رأس الهرم حتى أصغر طفل فينا، فالخيانة والتشكيك سمة أساسية تسيطر علينا، والمنفذ الوحيد للمرأة أن تلجأ للاحتلال .. وكأنها دعوة للمرأة الفلسطينية أن تنتقم لنفسها بخيانة وطنها، تخون هذا الواقع المرضي وتنام في أحضان الاحتلال، والدليل على ذلك في نهاية الفيلم.. عندما صرحت المقاومة للضحية "ريم" بأنها بريئة وتطلب مساعدتها للقبض على الضابط الإسرائيلي   " موسى " الذي طلبت منه مساعدته لتهرب من البلد. لم تردَّ " ريم "على المقاومة وتركَنا المخرج بنهاية مفتوحة.. هل ستهرب إلى حضن المقاومة القمعية كما صوّرها أم أنها ستلجأ للمخابرات الإسرائيلية؟ "فريم" الضحية التي يجور عليها زوجها ومجتمعها وتشعر أن الجميع يريد أن ينهشها لا تثق في كل من حولها.. فالمخرج وكاتب السيناريو "هاني أبو أسعد" حمّل قضايا الاحتلال والابتزاز وإسقاطه لفتاة ذهبت لصالون تجميل وتم تصويرها عارية بشكل فاضح بعد تخديرها لتقع في بئر الخيانة والمسؤول عن ذلك المجتمع الفلسطيني ممثَلا بكل شرائحه، وجعل جرائم الاحتلال وبشاعته على الهامش، فنحن ضحايا أنفسنا.. نعيش عقدة الذنب، خُلقنا لنعذب بعضنا بعضاً ونُجر إلى التهلكة بإرادتنا. "فهدى" ضحية زوجها القمعي الذي حرمها من أبنائها، و"ريم" ضحية زوجها الذي يشك بها لأنه يشعر بالتهميش ويفتقد لحبها.

فالمخرج وكاتب السيناريو "هاني أبو أسعد "من بداية تخطيطه لبناء السيناريو قرر أن يضرب النسيج الاجتماعي ويشوه الكل الفلسطيني، وقد تكرر هذا النهج في أعماله السابقة ومر ذلك بسلام. ولأننا مجتمع يعشق الضجيج، فقد رمى لنا عظمة... كي ننشغل بها ونتناسى الخراب والخطر القادم الذي يحمله العمل والرسائل الموجهة للعالم، فهو يعلم جيدا طبيعة المجتمع الفلسطيني المحافظ الذي يتحمل الوجع ويخشى أن يبوح بمنغصات حياته، فترك لنا مشهد العُري وتأثيره على المرأة الفلسطينية.. الأم والمناضلة الثائرة، حتى ينتفض الجمهور الفلسطيني ويتناسوا الدمار والخنجر المسموم الذي غرسه في تكوين البنية الأساسية للمجتمع الفلسطيني.

فالمصيبة هنا أكبر ومجحفة بحق الجميع، ولها امتداداتها السابقة متأصلة بمنهجية ورؤية المخرج "هاني أبو أسعد ". فبعد فيلم "الجنة الآن " الذي صور الاستشهاديين على أنهم أبناء العملاء وأنهم ضحايا القهر وليس أمامهم إلا أن يثأروا من المحتل ليطهروا أنفسهم ويمسحوا عارهم، وتكرر هذا النهج في فيلم "عمر"، وشكك أيضا في المقاومة. وأكمل السيناريو التخريبي في فيلم " صالون هدى "الذي صور المجتمع الفلسطيني على أنه غاب، قلب المعايير فجعل "هدى" الخائنة سيدة الحكمة مثقفة، قوية واثقة بنفسها، فهي التي تنتزع الاعتراف من المناضل. فمنذ بداية التحقيق تجلس شامخة منتصرة والمناضل ينحني ليشعل لها السيجارة ثم تتحدث بثقة غير مبالية بأي شيء، فهي القوية التي تدافع عن ضحاياها.. وفي المقابل، المقاوم رمز النضال وشى عن صديقه وقتله بأيادي الاحتلال، لذا يعيش عقدة الذنب، فهو الضعيف المهزوز الذي امتهن المقاومة ويسكنه خراب، وعندما تناول قضية الاحتلال وأسلوبه في الإسقاط والابتزاز جعلها مجرد جرائم على الهامش وجعلهم أكثر إنسانية، فالضابط "موسى " يقول لريم بأنه لن يستطيع مساعدتها لأنها لم تقدم خدمة للمؤسسة الأمنية، والاحتلال من وجهة نظره دولة مؤسسات، ثم بعد ذلك يتعاطف معها ويقول لها: بعد نصف ساعة أخبريني أن المقاومة اقتحمت بيتك ليتم إنقاذك من الإرهابيين. جعل الجريمة الكبرى في مكونات الشخصية الفلسطينية التي تعيش على الأحقاد والتخلف والموروث المرضي، وتناسى الاحتلال وحاول استدرار دموع المُشاهد عندما سلّمت "هدى " على رجل المقاومة قبل إعدامها وطلبت وصيتها أن يتم قتلها من الخلف بالرصاص، وهذه أيضا رسالة خطيرة.. فيقول المخرج من خلالها إنها ضحية رصاصة غدر، ونضيف أيضا.. عندما قال لها المقاوم بعد أن طلبت أن يكون إعدامها برصاصة بظهرها.. في كلتا الحالتين سيتم تشويه صورتك، فقالت: لكني سأبقى نظيفة بالنسبة لك، فهو شريكها من وجهة نظرها في الخيانة.

ملخص القول إن فلسطين والقضية الفلسطينية، أصبحتا مشروعا استثماريا للسماسرة. فعلى وزارة الثقافة والسلطة الوطنية الفلسطينية أن تجتهدا في صناعة أفلام تنتصر للقضية الفلسطينية ...

كفى، كفى.

 

بقلم. مصطفى النبيه

 

في المثقف اليوم