أقلام ثقافية

عقيل العبود: خاتمة كتاب صراخ السنابل.. نصوص في فضاء الغربة

عندما تبتعدُ الأشياءُ عن سيَاقات موضوعاتها، يصبح العقلُ البشريُ مثل عربات قطارٍ آيلة سكتها للانحراف.

ولهذا تتوالى لغة الأحداثِ بهذه الطريقةِ من التعسفِ، وبتسارعٍ غريب، كأنها وبشكلها المريب تُنذرُ عن آفات، ومخاطرٍ تكادُ أن تفوق في وحشيتها حدود تصوراتنا.

فالعالمُ هذا الكيانُ الغارقُ بأسرارهِ العجيبة، مفرداتهُ تصبحُ عرضةً للإنحلال والتلاشي.

اما الوجود الإنساني فيتحول إلى أشلاء سرعان ما تتنافر تمردًا على طبيعتها المسالمة تارة، وانصياعاً لكابوس محيطها المتجبر أخرى، وعلى هذا الأساس تسود لغة القوة، والطغيان وفقا لآلية السلطة، والسلطان وذلك بحسب الرهان، أي كما هو مخطط له.

والتسلط هنا مقولة يحكمها دستور غير خاضع لمنطق الضمير، والوجدان، ولذلك فإن لغة الموت، والحروب، والبنادق تسري لتجويع، واستغلال الشعوب عن طريق الحكام، والحكومات، اما النشازات، أي الطبقات المتطفلة لهذه الحكومات فتتقدم خطوة، أوخطوات لتفرض كابوس وجودها المرعب.

عندئذٍ المشاعر هذه التي تتولد فينا بطريقة غريبة، بجميع صورها، تفاعلاتها كما نراها ينتج عنها أنماط تختلف في حقائقها المتجسدة في الخارج عن حقيقة ما تفرزه الأذهان، وبهذا تتقاطع الأفكار والتصورات، وتتنافر.

وعلى غراره، الإنسان باعتباره متمثلا بهذا النمط من الأبجديات، تراه بين الفينة، والأخرى ، يبحث عن ذاته المتجزئة، يركن صوب هذه الناحية تارة، وتلك اخرى؛ املاً بالعثور عليها أي على طبيعة ذاته، ولو بعد حين؛ يشعر بالوهن والهزيمة تارة، وبالانتصار أخرى.

هنا الهزيمة تتبعها الخيبة، والخذلان، وتصبح أشبه بتكرار لمواقف لها تبعات وسوابق، اما الإنتصار فمقولة لها صلة بإرادات غير خاضعة لجبروت هذا الخواء الذي يمتزج مع حالة الضعف التي تطوقنا بهذا النوع من الألم، وهذه هي شروط الانتماء.

ومن سياق المعنى، فإن الانتماء، يُعَدُ حقيقة حسية لها بعدان، الأول يمثل تلك المساحة من التاريخ، والثاني يمثل ذلك الشطر من الجغرافية، وتلك حقيقة الأوطان التي أوشكت خرائطها أن تفارقنا منذ عصر، تم الخضوع فيه لإرادات هذا النمط من الاستبداد.

والحاصل فإن الثورة مثل البذرة تنبت في الداخل، لتتجسد خارج أسوار هذا الجدار المغلق الذي يقيد إنسانية الإنسان، لتنطق بروحه؛ تتجسد خارج نظام المعادلة التي خلفتها السياقات المتعثرة للموضوعات.

صراخ السنابل أحداث، وسيناريوهات تم انتقاؤها بطريقة السرد القصصي تارةً، وبطريقة النص الشعري أخرى، تتلو المشهد بطريقة السرد، والمجموعة هي استغاثات وجودنا المكبل بأغلال هذا الأخطبوط الذي يخطط لفرض آليته بطريقة هذا النوع من التوحش.

***

عقيل العبود 

في المثقف اليوم