أقلام ثقافية

صورة عن وفاء شاعر

من أروع الصفات التي يتحلى بها الانسان هي الوفاء، وعندما تجتمع فيه صفة الوفاء الى جانب صفة الابداع أكيد سينال فيها مرتبة من السمو والكمال، فمن مواقف الوفاء التي اتسمت بها مسيرة الشاعر "علي الشباني" والتي خاض في بعضها مغامرة غير محمودة العواقب تلك التي شهدت فيها عن كثب جهوده النبيلة واصراره الشجاع على اقامة جلسة تأبين لصديقه الشاعر " طارق ياسين ".

ففي صيف عام 1975 مات الشاعر طارق ياسين بالسكتة القلبية والذي وهو واحد من الشعراء المجددين في القصيدة الشعبية العراقية، وقد جاء خبر وفاته صاعقا بالنسبة لأصدقائه خصوصا المقربين منه ومن بينهم ــ المقرب منه جدا ــ الشاعر علي الشباني الذي جمعته بياسين مشتركات ثقافية وحياتية عدة توجت في العام 1970 بإصدار مجموعتهما الشعرية المشتركة (خطوات على الماء) وباشتراك صديق ثالث لهما هو الشاعر عزيز السماوي، وما ان انجلت أيام معدودة على رحيل ياسين حتى راح الشاعر علي الشباني يعد العدة لإقامة حفل تأبين له فأتصل اولا بالاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق الذي اعتذر بذريعة عدم تبنيه للشعر الشعبي، ثم اتصل ثانية بنقابة المعلمين العراقيين باعتبار الراحل كان معلما فاعتذرت هي الأخرى خشية غضب السلطة عليها في حال اقامة تأبين لشاعر محسوب على اليسار العراقي، فما كان من الشباني الا التنسيق مع عائلة الفقيد لإقامة جلسة التأبين في بيت الشاعر الكائن في حي عدن وكان يومها حياً حديثا نائياً يقع على اطراف بغداد ويضم عددا من البيوت المتناثرة تفصل بينها مساحات فارغة توحي بالوحشة خصوصا في ساعات الليل .

ابلغني الشباني الذي كنت اتابع عن كثب سعيه وجهده الكبيرين بموعد الجلسة وأيامها كنت طالبا جامعيا في بغداد، وعندما حان موعدها وجدت بانتظاري عند باب كلية الهندسة في الباب المعظم الشاعرين علي الشباني وعزيز السماوي وانطلقت بنا سيارة الاجرة صوب حي عدن حيث يقع منزل الشاعر طارق ياسين وهناك وجدت كل شيء قد تم ترتيبه بانتظام رائع حيث تم تهيئة قاعة متوسطة الحجم من خلال فتح البوابة الوسطى التي توصل الاستقبال بغرفة الطعام وقد سبقنا اليها حشد كبير من الشعراء اتذكر من بينهم عبد الرحمن طهمازي الذي تولى ادارة جلسة التأبين وشاكر السماوي وناظم السماوي ويعرب الزبيدي وكاظم الرويعي وعذرا عن نسيان باقي الاسماء، وقد استهل طهمازي الجلسة بالإشارة الى الإرث الثقافي الذي تركه الراحل ياسين من مخطوطات لعدد من الروايات والمؤلفات الموسيقية وكان يأمل من وزارة الثقافة تبني طباعة رواياته واهتمام الدوائر الموسيقية بنتاجه الموسيقي اعقب ذلك التقديم والسياحة الرائعة في عالم طارق ياسين الابداعي قراءات شعرية لعدد كبير من الشعراء الحاضرين وجاء الختام باجتماع المشاركين على مائدة عشاء فاخرة اعدتها عائلة الراحل في حديقة المنزل .

حين خرجنا من تلك الجلسة على شكل مجاميع وجدنا الظلام قد خيّم على الحي النائي وبعد انتظار طويل تهيأت لنا سيارة قديمة تتسع لعشرة اشخاص لننحشر فيها وتقلنا الى الباب المعظم وسط مناداة الشاعر كاظم الرويعي بتحمله دفع اجرتها كاملة .  

***

ثامر الحاج امين 

في المثقف اليوم