أقلام ثقافية

في تجربة الشاعرالعيدي الهمامي

عوالم شعرية بين الوحدة والحلم والقلق في ليل يلملم شتاته.. كهارب من جرح ..

في عوالم الكتابة بتلوينات أحوالها وتنوع شواسعها يمضي الشاعر حاملا شيئا من شجنه القديم وحزنه المعتق يلوذ بالكلمات معانقا احزانه حيث لا مجال لغير القول بالآه ..يسكب في ذاته المتداعية ما سال من أحزان الروح..هكذا هو الشاعر العيدي الهمامي في هذا العالم يرمم بالشعر ما تداعى من سياج الروح حيث يقول:

"...ليل يلملم شتاته

كهارب من جرح

ادمى روحه،

يلوذ بحزنه

ليسكب فيه ما تيسر من القصائد

وليمسح ما تجمد بالمقلتين...".

هكذا هي الذات الشاعرة المدججة بالقلق والأسئلة تمنح صاحبها حالات من الوحدة وهو المثقل بهموم القصيدة يمضي بها يرتجي نورا في ليل الناس مشيرا الى الأصدقاء المتعبين والموعودين بثمار القصائد..انها فسحة الشاعر بما تضفيه من لوعة وحسرة وقلق وهو الحالم بالكلمات تبعد عنه ألم الوحدة وجراحاتها..الشعر هذا الحاضن للمعنى حيث لا مجال لغير القول بالقصيدة تذهب الحزن وتعلي من شأن الذات:

"...في هذه الساعة المتأخرة

والمتدحرجة من سقف الليل

أغادرني ولم أنه قهوتي

أودع طاولتي مدججة بالأسئلة

تشتكي الوحدة

ومتلمسة لي العذر

عبر وجوه اصدقائي

المتعبين بالمعنى

والمثقلين

بإرهاصات القصيدة...".

بين مدن شتى هنا وهناك يقيم الشاعر العيدي الهمامي وبه شيئ من حنين وألق الشعر .يقترف فعل الكتابة على سبيل السلوى مشيرا الى الآفاق ينحت بخطاه تمثال السفر والرحلة تجاه ضفاف وأمكنة وقد سكنه النشيد والأغنيات..

هذا شيئ من قصائده على الجدار اذ يوغل في السفر وكأنه يخاطب الكائنات وحتى العناصر والتفاصيل يرتجي هدأة الحال وبهاء الأمكنة.هذا ويواصل الشاعر العيدي الهمامي معانقة أشعاره  عبر الاصدارات الشعرية وكتابة القصائد التي تعكس حيزا من هواجسه وهمومه شأنه شأن بقية الشعراء حيث الكلمات تنحت مجاريها مثل مياه النهر .

ديوانه الشعري "وطن في قصيدة " وقبله ديوانه الآخر "قاب قوسين"  .. ينوع القصائد ليمضي في دروب الشعر تأخذه الكلمات الى رحابها وتعرفه الأمكنة في الحل والترحال..من عطور القيروان البهية لمعت له نجمتان واحدة بلون القصيدة وثانية بطعم الحلم..طفل في تخيره لموسيقى الكلام ..يمضي اذن ولا يلوي على غير القول بالآه تقصدا للحكاية وأخذا بناصية الكلمات..و من نصوصه الأخيرة ما يلي:

" لم أعد أتذكرني

ساعة بين يديها

قارئة كفي

هي

تتهجى تجاعيد يدي

وأنا أهزها

في مسح طبوغرافي،."

العيدي الهمامي قدم لقراء الشعر وعشاقه عملا جديدا ينضاف لديوان سابق ولنصوص كثيرة ينثرها على جدران يومياته بالفيس تنهل من رؤاه وتفاصيل ذاته وهو يقيم تواصله مع ذاته والآخرين ... والعالم..فبعد المجموعة الأولى " قاب قوسين " الصادرة عن دار هديل بصفاقس ..أصدر الشاعر العيدي الهمامي ديوانه الشعري الثاني بعنوان "وطن في قصيدة " وذلك عن دار المنتدى للثقافة والاعلام... وفي هذا السياق انتظم ببيت الشعر بالقيروان لقاء احتفائي بالشاعر وعمله الجديد وذلك في أمسية رائقة راوحت بين كلمات الضيوف عن الشاعر وتجربته والتكريم وحفل التوقيع وقراءات شعرية للشاعر المحتفى به ..أمسية حفل توقيع ديوان الشاعر عيدي الهمامي في بيت الشعر في القيروان استهلت بكلمة ترحيبية وتقديمية للقاء من قبل مديرة البيت الشاعرة جميلة الماجري التي رحبت بالضيوف مشيرة الى حميمية اللقاء من خلال الاحتفاء بالشاعر الهمامي لمناسبة صددور عمله الشعري الجديد .. وتتالت مداخلات وكلمات الشعراء والكتاب بشأن تجربة الشاعر العيدي الهمامي بعد مداخلة الشاعر المنصف الوهايبي الذي تولى التقديم والتعريف بتجربة المحتفى به وطرح عديد الإشكاليات التي تثيرها عديد التجارب الشعرية عموما ..كما كانت الشهادات متعددة من قبل أصدقاء الشاعر ثم كانت الفسحة المفتوحة للشاعر العيدي الهمامي  عبر قراءات من ديوانه وصولا الى حفل التوقيع بحضور عديد الوجوه الأدبية والفكرية في أمسية لطيفة ...شاعر وقصائد وديوان آخر في طريق الشعر العالية وفي مسيرة الشعر الباذخة وفق تلوينات متعددة ومن نصوص الشاعر هذ الطقس الشعري

"...واقفا يودع رفاقا أعداء كانوا اخوة الأمس،

جماعة الأمس واليوم يتساقطون مثل حبات سبحة نخرة

جذع نخلة هاوية بشط/ الجريد /،

شجرة زيتون عمرت قرونا وداهمها سن اليأس/ بالساحل/

كلما أينعت قيل هي لا شرقية ولا غربية

يضيئ زيتها على الهنود الحمر ومتساكني الألسكا،

كرمة تيبس عودها /بالوطن القبلي /

لم تبلغ حباتها المعصرة

ولم يتذوق عصيرها/زبراط/،

سنبلة أكل الطير حباتها ولم تنضج بالحقول

مواسم المطر

وثورة الأودية /بالشمال /،

حصاد الدواميس لا يرى الشمس

جبال تضج بحمولتها

و/جنوب/ كالحمار يحمل الأثقال

كلما توقف يعاجله راكبه بالسوط ..

(::: )

مائدة يوغرطة

العاصفة تتجمع

والبراكين اشارات مشفرة

لم يشر لها كهنة المعبد

ولا سحرة الفرعون الصغير

ومعهد الأرصاد الجوية تتخطاه الأحداث...".

هكذا هو الشاعر الهمامي.. يمضي في دروب الشعر تأخذه الكلمات الى رحابها وتعرفه الأمكنة في الحل والترحال..

***

شمس الدين العوني 

في المثقف اليوم