أقلام ثقافية

(Fast Food) الثقافة!

يوسف ابوالفوزأتفق تماما مع القائل، بأن وسائل التواصل الاجتماعي، بحكم كونها سلاحا ذو حدين، أصبحت تحديا جديا لجمهور الكتاب وقراءة الكتب، فتأثيراتها سيئة على عالم طباعة الكتب واقتنائها وبالتالي القراءة، خصوصا ان عددا ليس قليلا، من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يقضون جل أوقاتهم في الدردشة وتناقل المعلومات أو اكتشافات تطبيقات جديدة.

تكرر تقارير التنمية البشرية، الصادرة عن منظمات عريقة، مثل اليونسكو، بان الشعب الياباني الذي يعتبر من أكثر شعوب العالم حبا للقراءة، ورغم كل التطور التكنولوجي الهائل عندهم، فان الاحصائيات (أواخر عام 2021) تذكر بان 87٪ من اليابانيين ما زالوا يفضلون الكتاب الورقي، بل نجد في ميزانية الاسرة، ان حجم الانفاق على شراء الكتب يأتي في أغلب الأحيان بعد الانفاق الصحي. أما في بلدان الشرق الأوسط ــ منها العراق ـ فالأمر يبعث على الأسى. فتقارير التنمية البشرية تشير دائما الى ان القراءة هي في ذيل اهتمامات المواطن العربي، فمعدل ما يقرؤه سنويا هو ربع صفحة وذلك يتطلب ست دقائق فقط سنويا !!، بينما يكرس المواطن الأوربي 200 ساعة سنويا للقراءة، ويصدر في أوروبا مئتا كتاب مقابل كل كتاب يصدر في العالم العربي. هكذا أصبحنا نصطدم بتقارير ومتابعات تقول (ان أمة أقرأ تحولت الى أمة لا تقرأ). يعزو البعض ذلك الى الأرقام المخجلة في نسبة انتشار الامية (أكثر من 70 مليونا)، خصوصا بين النساء، وما يعانيه قطاع التعليم من تخلف في المناهج وطرق التدريس، ولا نغفل انتشار فضائيات النفط، ونوعية الثقافة السطحية التي تروج لها في برامجها والمسلسلات التي لا تكتفي بالابتعاد عن الواقع وانما تتعمد تزوير الوقائع والتاريخ. ولتتأكد من هذا تخدع نفسك يوما، وتدخل في نقاش مع (مثقف)! ـ عن شخصية في تاريخ العراق المعاصر، وإذ ترد معلومة ما، وتحاول عرض رأي أخر مغاير، حتى تصطدم بإصرار غريب على ما يقول ويتبين لك ان مصدره الموثوق هو المسلسل التلفزيوني الفلاني! لهذا لم استغرب كثيرا يوم كتب لي أحد المعارف، من اصدقاء الـ (فيس بوك) بأنه معجب بمقال لي منشور مؤخرا لكنه وجده طويلا، وحين عدت الى المقال وجدته 400 كلمة فقط.

وارتباطا بكل ما تقدم، صار منطقيا ظهور نوع جديد من النصوص والكتاب، أولئك الذين يطبخون وينشرون نصوصهم (= بوستاتهم) على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، على طريقة وجبات الطعام السريعة (Fast Food)، اكلات تحضر بسرعة، لا تشبع وغير صحية، لكنها لذيذة المذاق فيها كثير من البهارات والصاص، هذه النصوص هي خلطة حكايات سطحية (بطولات ربما!) مع صاص التهكم وبهارات الايحاءات (ممكن تكون جنسية)، مع قليل من أفكار ليبرالية (لا مانع من شتم الطائفية)، ليس مطلوبا هنا الاهتمام باللغة، ويمكن تغليفها ببعض الامثال الشعبية وثم تناولها وأنت في ...!

تجمع هذه النصوص في كتاب، ينظم لها حفل توقيع لينصبّ الكاتب / الكاتبة على أثرها مبدعا له مريدوه و(معجبون!) بالعشرات، بينما زيارة الـ (فيس بوك) والتوقف عند صفحة كاتب عراقي مخضرم، أفني عمره في اغناء الثقافة العراقية والعربية بنصوصه الأدبية المتفردة، وأوجد له أسلوبا متفردا في السرد، نحته وصقله بالاجتهاد والصبر، تجد ان متابعيه معدودون وأغلبهم من معارفه! وعلى تواضع تجربتي الادبية، مررت بهذا الحال أيضا، إذ لطالما نشرت نصوصا قصصية، في دوريات عراقية ثقافية عريقة، فأعيد نشرها على صفحات التواصل الاجتماعي، أقول ربما تصل الى بعض القراء، فأتعلم شيئا من ملاحظاتهم وتعقيباتهم. بعد أيام، أجد ان من مر هناك فقط بضعة انفار وجلهم من معارفي. الأيام القليلة الماضية وإذ استمتع بطقوس ما سميته (العزوبية المؤقتة) أثر سفر شريكة حياتي بعيدا وغيابها عن البيت، فجربت دخول المطبخ، وحاولت التفنن بطبخ اكلة (تبسي مشكل) العراقية، وعّن لي ان اضع صور الطبخة على موقع الـ (فيس بوك)، وخلال وقت قياسي انهالت وبالعشرات التعليقات والكومنتات والاعجابات والقلوب والاعتراضات و...، وما تزال مستمرة ويمكنك التأكد من ذلك...

ــ (ما يكفي دمع العين يا بوية ...)

وسنلتقي.

***

يوسف أبو الفوز

في المثقف اليوم