أقلام ثقافية

الفقدان.. قاتل زهير بهنام!

قبل سنين جذب انتباهي عنوان كتاب (مصحات للحب والخرافات) لأن فيه (رائحة) سيكولوجيا!.اقتنيته فوجدته ديوان شعر يضم (17) قصيدة معظم عناوينها جميلة.. غريبه.. غير مألوفة:

(قلب يتناثر منه الوقت،

أنا كلّي مضاء.. من قدمي الى قمة وضوحي،

أتسلق سعادتي الثملة.. .)

اغلقت الكتاب لأقرأ ثانية أسم الشاعر: زهير بهنام بردى.. وشدني اكثر اسم (بهنام)، فانا احب المسيحيين، ولأن العراق بدونهم بستان بلا ورود!

عدت أقرأ ثانية فوجدت في هذا الشاعر انه بارع في وصف الأنثى بمفردات غير مالوفة:

(كبرياؤك نخل غض يتباهي بدجلة،

وطولك رخام حضارة،

لا تهرم سلالتها المتكررة).

*

(بمناسبة الدمع..

أرشق فمك باليواقيت

وعيونك باسم الحب

وابعث نبيذ الفرادايس يملأ يديك).

*

(لان فيك من المجرّة الشيء الكثير

تعطّل البخت في فنجان العرافات

وطلع من الرمل هدهد

يعتريه شرود باهت

واعلنت الديكة احتجاجا في صحف الفجر).

**

وأنه بارع في جمع الأضداد:

(والافق فم عفريت ضخم

ونباح الكلاب زهور

تفرش الطريق

بأكف غريبة

والوقت نبض

يتأخر عن الحب).

*

(يوم رحلت..

جعلت الدمع ورقا أخضر فوق الشجر

.. والثعابين شوارعا لأقدامنا)

**

وبارع في سوريالية المفردات:

(هناك عهد ومكان

فيه ظلال كثيفة من غير شمس

واماكن فارغة طاعنة السن والتجاعيد

ووقت مستقطع تماما شبه ضائع

اشطب ما لم ابدأ منه في اخر سطر بليغ

وانفق في احصاء اكثر اصابع نساء عابرات اليه

كحائط ثقيل ساقط

ببساطة وبعيدا عن تلميح ابله

هو متحف صامت لا يقفل في ان واحد

تحزن الوانه تارة اشكالا مضحكة

وتارة تقطب جبينها

لتستفسر عن نعومة انثى

لمستها بشبق مثير).

**

وكانت المفاجأة.. لحظة سمعت صوت جرس الهاتف

- مرحبا.. دكتور قاسم

+ اهلا ومرحبا.. من معي لطفا؟

- انا زهير بهنام

+نعم!.. تقصد الشاعر زهير؟!.. يا مليون هلا وغلا

- يسرنا دعوتك لالقاء محاضرة...

وحدد المكان.. النادي السرياني.. عينكاوه

والتقينا.. وبعد ان قدمني والقيت محاضرتي.. وكرمني بقلادة.. انفردت به في ركن حديقة النادي لأكتشف فيه ما ادهشني في (مصحات للحب والخرافات) وارضي فضولي السيكولوجي ما اذا كانت (مصحاته) قد عاشها ام ابدعها خيال فيه شطحات شيزوفرينا.. واجمل الشعر عندي ما كانت فيه شطحات جنون!. وكانت سهرة (عينكاويه سريانية) ممتعة.

اكتشفت في هذا المصلاوي السرياني الشاعر صفات يتفرد بها عن شعراء كبار.. اجملها انه سليم نفسيا من عقدة تضخم الأنا، وأنه اديب وصحفي ايضا.. وأنه ودود جدا، وانه يجيد فن الأصغاء ليزيد محبتك حرصا ان يكون صديقك!.

من قتل زهير؟

الحب.. قتله!.. فقلبه الرقيق ما تحمل فراق ابنته سرى، وفراق من كان يعتبره اعز صديق. وما تحمل فواجع وطن عشقه.. فكل من احبهم وعشقهم ماتوا او غابوا.. فكان الفقدان.. قاتل زهير وقاتل من في صدره (قلب نافذ من اول نوته نبض، يطالب بك في لوعة عصور وازمان).

***

د. قاسم حسين صالح 

في المثقف اليوم