أقلام ثقافية

وتشيخوف اوكرانيّ ايضا؟

ضياء نافعسألت جارتي الروسية (التي ادردش معها بعض الاحيان في الممرات او قرب بناية السكن) – هل سمعت ما يقولونه الان حول تشيخوف؟ هم يؤكدون ان انطون بافلوفيتش تشيخوف كاتب اوكراني وليس كاتبا روسيّا، فضحكت جارتي وقالت مصححّة قولي – غوغول، غوغول، وليس تشيخوف، وأضافت، ان غوغول فعلا اوكراني بكل معنى الكلمة، فهو ولد هناك، ثم انتقل في شبابه الى بطرسبورغ، الا انه كاتب روسي كبير وعملاق وترتبط باسمه نتاجات شهيرة في تاريخ الادب الروسي والادب العالمي ايضا (وقسم منها طبعا بنكهة اوكرانية واضحة المعالم)، وهذه مسألة طبيعية جدا في مسيرة روسيا التاريخية وآدابها وتعددية شعوبها، اذ يوجد الكثير من الادباء الروس الكبار من اصول غير روسيّة، مثل باسترناك وآيتماتوف وأكودجافا و كثيرون غيرهم، ولا أحد يقول الآن، ان باسترناك ليس كاتبا روسيّا وانما يهودي، وان آيتماتوف ليس كاتبا روسيّا وانما  قرغيزي، وأكودجافا ليس كاتبا روسيّا وانما قوقازي (من ام ارمنية واب جورجي)....الخ، ويبدو انك توهمت باسماء الادباء الروس واختلط عليك الامر ليس الا عندما سمعت هذا الشئ عن تشيخوف، فقلت لها وانا اضحك ايضا، كيف يمكن لي ان اتوهم باسماء الادباء الروس يا جارتي العزيزة ويختلط عليّ الامر وأنا اتعايش مع الادباء الروس (في السّراء والضّراء !) اكثر من ستين سنة من حياتي، انهم يتحدثون عن تشيخوف، عن صديقي انطون بافلوفيتش تشيخوف، فسألتني والاستغراب كان واضحا بعينيها وعلى وجهها - الكلام يدور عن تشيخوف، هل انت متأكد؟ قلت لها – طبعا متأكد جدا، وقد قرأت ذلك قبل أيام ليس الا واندهشت بشدة عندما اطلعت عليه، فقالت جارتي -  انها لم تسمع بذلك بتاتا، ولم يخبرها أحد من الاصدقاء حولها عن هذا الموضوع ابدا، ولكن كل شئ يمكن ان يحدث الان في عصرنا العاصف وغير الاعتيادي هذا، ثم أضافت - يوجد عندنا مثل روسي يقول – في الحب وفي الحرب كل الوسائل جيدة . ضحكت أنا، وقلت لها، ان الحرب بين روسيا واوكرانيا وصلت الى تاريخ الادب الروسي وأعلامه على ما يبدو، وقد توجهت نيران هذه الحرب الآن الى تشيخوف هذه المرّة . صمتت جارتي قليلا، ثم سألتني بصوت خافت  – وماذا يقولون حول تشيخوف بالضبط؟ فقلت لها، يكتبون انه اوكراني، وانه ولد وترعرع في تاغنروغ، وهي مدينة قريبة جدا من اوكرانيا، ووجدوا حتى بعض الجمل و المقاطع - هنا وهناك – في رسائله وذكريات أصدقائه حوله، والتي تشير الى انه اوكراني ويعتزّ جدا بانتمائه لاوكرانيا، بل وان أحدهم كتب يقول، ان هناك من (أجبر!!!) تشيخوف ان يكتب نتاجاته باللغة الروسية وليس بلغتة الاوكرانية، فتعجبت جارتي من كل هذه الاقاويل، وقالت، اي هراء هذا ! و من الذي أجبر الصبي (غير المعروف آنذاك بتاتا) تشيخوف عندما كان عمره أقل من العشرين، و كان تلميذا في المدرسة ليس الا (اي قبل ان يلتحق للدراسة في الكلية الطبية بجامعة موسكو) ان يكتب مسرحيته الرائعة بلا عنوان، والتي يسمونها الان (بلاتونوف) باللغة الروسية، والتي لم ينشرها اثناء حياته كلها، بل نشرها أخوه بعد وفاة تشيخوف؟، ومن الذي أجبر تشيخوف  عندما كان طالبا جامعيا ان يكتب قصصه القصيرة الجميلة و الساحرة والمتنوعة جدا جدا بلغة روسية رقراقة وشفافة مثل الماء الزلال، هذه القصص التي لازلنا نطالعها بحب واعجاب واندهاش لحد الان، وان ابطالها ومضامينها لا زالت تتفاعل مع مسيرة حياتنا، ثم سألتني – هل تعرف ان تولستوي نفسه قرأ واحدة من تلك القصص مئة مرة امام الآخرين؟ قلت لها، نعم، أعرف كل ذلك، وأعرف ايضا، ان تولستوي قال عنه بما معناه، ان تشيخوف في الفن (أعلى منه !!!)، فقالت جارتي بألم واضح – نعم، لكن هؤلاء الذين يتكلمون عن اوكرانية تشيخوف لا يريدون الاقرار بكل هذه الوقائع على ما يبدو، ويريدون ان يؤججوا نيران الحقد والكراهية والخلافات بين الشعبين السلافيين الشقيقين الروسي والاوكراني بمثل هذه التشويهات والاكاذيب والتلفيقات، وان هؤلاء بالذات هم الذين يريدون استمرار هذه الحرب الرهيبة وتوسيعها، والتي أتمنى ان تنتهي باسرع وقت، واختتمت جارتي قولها – يا الآهي، ما الذي سيقوله تشيخوف نفسه لو سمع بهذه الترهات حوله؟

***

أ. د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم