أقلام ثقافية

خلاصة محبة الأولاد

عمار عبدالكريم البغداديشهريار: خلاصة القول إننا حينما نعجز عن مد جسور الثقة مع أبنائنا وبناتنا، ثمرة حياتنا، وتشح لدينا اطلاقات المحبة الكفيلة بإدامة الترابط المقدس الذي انبثق في لحظات نفخ الروح في أجسادهم الرقيقة، فإننا سنواجه أعظم الصعوبات في كتابة سطور رسالتنا الخالدة .

وكيف لنا أن نكون محبوبين عند الله والناس إن اخفقنا بكسب قلوب أولادنا وثقتهم ؟ !، ذلك لعمري أعظم بلاء يصيب الوالدين، وأسوا درجات نحصل عليها في اختبارات الدنيا بأسرها .

ولعل أعظم محبة تتدفق من قلوبنا نحوهم تلك التي تبدأ بإصلاح أنفسنا بتحقيق إنتصاراتنا الداخلية على مكامن الضعف في أخلاقياتنا ومبادئنا، لتمتد ضياءً ينير لهم دروب الحياة .

علينا أن نبرهن صدق محبتنا لهم بان نكون صادقين مع أنفسنا، كي لا نضطر الى ارتداء أقنعة تغطي عيوبنا، لكنها سرعان ما تتهاوى لتهدم جسور الثقة مع أولادنا .

بالتواضع نكسب قلوب الناس وبه ننفذ الى سرائر أبنائنا وبناتنا المتكئة على محبتنا، وبذلك التواضع نزرع أعظم قيم النجاح في نفوسهم، فحين نطبع على صدورهم ثقافة الإعتراف بالخطأ والإعتذار، فإننا نمكِّن ذواتهم من الإرتقاء فوق مهارات التعامل الزائفة مع الناس، ونضع في أيديهم مفاتيح كنوز القيم العليا، فتكون إنتصاراتهم الذاتية على رغباتهم السطحية، وشهواتهم الدنيوية قاعدة متينة للإنطلاق نحو عالم الإبداع والتميز .

ولا ننسى أبدا أن من أعظم صفات المحبة لأولادنا تقدير ذواتهم وطاقاتهم، وتقمص شخصياتهم من خلال الأنصات بإهتمام كبير لطموحاتهم، والنظر للحقيقة عبر عيونهم هم لا من نافذة تجاربنا وأحلامنا الضائعة .

علينا أن نعاهد أنفسنا على خلع قبعة الخبير، ونكتفي بوضع قواعد عامة مبنية على (السمات الأخلاقية)، وأن نترك لأبنائنا وبناتنا حرية خوض تجاربهم الخاصة، ولو أننا أمعنا النظر بعين الرقيب الرحيمة في سنواتهم الأولى لتجاوزنا الكثير من اخطائهم في سنوات المراهقة، وقطفنا ثمرات نجاحاتهم حتى قبل ان يبلغوا الرشد .

فإن وقعنا في الخطأ الشائع (مازال صغيرا)، فإن علينا أن نتدارك مافاتنا قبل بلوغهم سن المراهقة، وأن ننزع عباءة المقامات العالية، ونسعى جاهدين الى بناء علاقات محبة صادقة، وثقة متبادلة توصلنا الى معاني الصداقة مع أبنائنا وبناتنا، لنكون كنفهم الدائم حين يسقطون في شِباك الأهواء، وأفخاخ النزوات لنضع معهم أسس التكاتف في معترك الحياة، ذلك التكاتف الذي يصنع الإنتصارات المشتركة، فتكون الأسرة قلعة محصنة بوجه التحديات، وتحافظ على تماسكها حين تنزل الأقدار الجسام .

والمحبة المشروطة آفة تأكل الأخضر واليابس في مزرعة التكاتف التي تعتاش الأسرة على خيراتها، وتستلهم منها طاقات الإبداع وحسن الإختيار، ولتحقيق ذلك علينا أن ننسى مشاريعنا القديمة وأحلامنا الوردية، وأن نقدر ذوات أولادنا، ونحترم الزمكانية التي يعيشونها، لاتلك التي بُنيت فيها تصوراتنا الذهنية ومقايسنا البالية للنجاح والتفوق .

وحينما نقتنع بأن الحتميتين الوراثية والنفسية تصنعان مزيدا من التطابق الأخلاقي والخَلقي، لكنهما في جميع الظروف لا تحققان تطابقا في النظر الى الحقيقة أو في الطموح الشخصي، فإننا نمتلك مفاتيح المحبة الصادقة لأولادنا، ونتخلص من شروطها المقيدة لنجاحاتهم، ونتربع على عروش قلوبهم كمشكاة تنير لهم دروب الحياة حتى بعد رحيلنا، لتتجسد معاني الرسالة الخالدة بأعمق صورها ونتائجها .

وختاما علينا أن نؤكد مرة أخرى: إن الأنصات بنية الفهم والتقمص الشخصي هو مفتاح المحبة في قلوب أبنائنا وبناتنا، حينما ننصت لهم نمنحهم الثقة لندخل قلوبهم، فان دخلناها منحناهم مفاتيح الأبواب المغلقة، فإن إمتلكوا تلك المفاتيح السحرية سلكوا الطريق الصحيح لتحقيق ذواتهم وطموحاتهم .

نحن الشجرة وهم الثمار، وكيف للثمار أنْ تكون بطعم الشجرة ؟، أو أنْ تأخذ شكلها او لونها ؟، لكنها المحبة الصادقة .. غذاء معنوي ومادي بقيمٍ عالية يمنح الثمرة أدق تفاصيل النمو الصحيح، وأفضل سمات التطور الطبيعي، حتى تكون بأحلى ألوان الدنيا وأشهى أطعمة النجاح والتفوق .

***

بقلم: عمار عبد الكريم البغدادي

.....................

* من وحي شهريار وشهرزاد (51)

مقتبسات من مؤلفي: شهريار من بغداد وشهرزاد من القاهرة

في المثقف اليوم