أقلام ثقافية

سفر فجر أنثى حالمة ...

محسن الاكرمينحين سحب الباب بمنطقة أقل انفتاحا لمتسع الرؤية، تأكد أنها هي من تطلبه بالرنة الخفيفة على الجرس. كانت كل ملامحها تحمل توجس عدم استيفاء حسن الاستقبال.ابتسم ابتسامة وفاء، ثم قبلها حين فتح الباب كليا بالاحتضان. كان في هذا اليوم يحمل وفرة من هرمون السعادة المتنامية التي تُحدث عنده نشوة حب الحياة. اليوم كان في حاجة إلى ضحكات من الحمق، ونسيان صرامة التعقل. اليوم في زيارتها غير المبرمجة بوصول الصدفة، كان يريد سد متسعات فجوات الصمت والابتعاد. في رقصته على نغمات موسيقى (سعاد ماسي) وهو يشد يدها عند الخَصر، كانت تعلم أنه يريد طي صفحات من البياضات القاتلة. كانت خفة الحركة، توازي حضور رضا الذات والآخر. وحين باتت تلك الموسيقى الهادئة تحتل شعورهما الكلي، سلّم التركيز في حضورها المتموج بعيون غامضة، وبوقفة أجساد تقايس التلاحم.

من تساؤل الأنثى الراقصة: لماذا نختلق الفرح الرخو مرات عديدة، ولا نفرح بطفولتنا المتنامية، ونسافر في بعد الحقيقة؟ هذا السؤال الصغير في مركزيته الوجودية، قد يكشف بالبرهان الثابت ازدواجية زيف فرح مستحضرات التجميل الرخيصة، وقوة الضجر الذي يتعايش معه الكل بالكتمان المتضايق، فقد علمتها التجارب تركيبات متنوعة من أقنعة ركح المسارح بلا فوائد. اليوم إيثري يمتلك موهبة وحي معرفة دقات القلوب بالتصنت، و لما حتى اختراق الذكاء العاطفي للأنثى بحسن القول ولمسات حب عميقة تأتي من بئر الغريزة الحدسية، وبشم الأجساد ونفض روائح التباعد. هي تعلم أنها اليوم ستجاريه بفتح نوافذها المقفلة على كل عناوين العاطفة والحب المباح. فعندما ألقت بجسدها على متسع  الجلوس، رأت الفرح يتحرك عندها قدما ونشاطا.

انتهت تلك الفواصل الرحبة من الموسيقى التي ذوبت جبل ثلج التباعد الجسدي، لم تضغط الأنثى المنتشية على دواخل نفسها، بل كشفت عن روحها المكسورة، ورمت بصنعة كلام  القوافي، ومارست تحرير نُدَب الأشواك عن دواخله. هو الآن على صدرها يسترق سمع التأني إلى كل دقات قلبها الخافتة، و حتى المثيرة منها لليقظة بكلام (وإني أحبك ...إني أحبك...). هو الآن يلامس أفكارها الطازجة، بدون نبش غريزية فاضحة. هو الآن يتحرر من مخلفات كوارث الغضب، ويحتمي بفعالية تواصل القلوب تكيفا.

قد ينام على صدرها بدون حبوب منومة، كان قد ألف أن يتناولها في فراغات لياليه الفزعة. كان يتحرك يدا رخوة على ممرات جسدها الطيع بالفتوة وبخيارات كثيرة الإثارة. تكيفت الأنثى كليا مع وضعياته الجسدية حتى لا ينكسر حلمه في بعد الحقيقة. من حسن التوافق أن كليهما رميا مخلفات الماضي من النافذة ليسقط أرضا بجسد الإغماء. اليوم باتت كل الخيارات ممكنة ولا تراجع في حب لا يصنع لحظات النشوة ومكاشفة  الذوات.

حين بدت شفاهه تتململ بنطق حرف الحاء، قبلته الأنثى الندية بعلامة ترك اللحظة تصنع المفاجآت، عندها تعلم أن من الصمت حكمة، ومن الكلام بلاهة في جلسة الأحبة. اكتشف أن الأنثى الخصبة راهبة قد تخلت عن خمار الرأس وأبانت عن خصلات شعرها القصيرة. تخلت عن فتاة المراهقة التي تتأهب تربية لقاء فارس أحلامها للزواج والإنجاب، فارس أحلام يحملها في ليلة مطيرة بعيدا، ومع رومانسية حب العناق. تخلت الأنثى الحاضرة عن كل الأحلام الواهمة حتى لا تصدم بنهاية سوء الاختيار، ويمكن أن تحتمي عمرها الباقي بالبكاء والنكبة النفسية. اليوم أحس أن الحب يحمل استقلالية روحية. فطن أن حبيبته تخلت عن موهبة الفر دانية المميتة، وباتت تبحث عن صدر آمن لتبكي عمرها عليه، و تنهي ليلتها بنشوة بسمة.

من صوت الغرفة الصامت يمكن أن تكشف حرب أصوات الوجع، يمكن أن تسمع صوت نسوي يعلن (أنا عييت)، يمكن أن تغلب على الأصوات القادمة بالترادف والسرعة أن القلب يكره الوحدة ويعيش مع حنين لقاء الصدفة، فحين تسيل الدموع المختلطة بملوحة حرارة الأجساد، يمكن أن يرسب الوهم والكبرياء على صدر الأنوثة الناعمة.

هي الحياة التي مثل القمر الذي يسوّق لنا وجها منيرا لكي يريحنا في تشبيهات قوافي الشعر(أحبك قمر ليلي)، ويخفي عنّا دائما ذاك الجانب المظلم. هنا قرر ألا يشبه وجه حبيبته بالقمر فهو لا يريد تلك الدائرة المظلمة من شخصيتها، ولا تلك البقعة التي داست عليها أقدام المستكشفين الفضائيين. من بعيد، وأننا أحرر تلك المشاهد المسافرة معي، توقفت أنهما بالتطابق سواء. رأيت حلم حلول الروحين بين الجسدين، تعلمت منهما أن السعادة ليس بصناعة عقود شراكات حب بختامها يتزوج الأبطال. أدركت لزاما أنهما باتا يمارسان كوميديا إيجابية حتى في نوم الأحضان.

***

محسن الأكرمين 

في المثقف اليوم