أقلام ثقافية

هوية ثقيلة

ثامر الحاج اميناللغة لم تكن يوما وحدها كاشفة لجنسية المرء وانتمائه العرقي انما رافقها في تلك المهمة عدد من الصفات الظاهرة على الانسان التي تميزه عن الاخرين وتجعله متفردا بها وهي ما تسمى بالهوية الجسدية والتي تتعلق بالبنيان الجسماني ولون الجلد والعينين وكذلك شكل الملبس، فمثلا من السهولة التعرف على جنسية المواطن من سكان شرق آسيا ــ الصين، الفلبين، تايلاند ــ ذلك انهم يتميزون بعيونهم وانوفهم كذلك الحال في لون الجلد بالنسبة للأفريقي ولون العينين والشعر بالنسبة للأوربي، أما مواطنو بعض البلدان الشرقية فلهم صفات ظاهرة اخرى تكشف عن جنسيتهم تلك هي البطنة او ما يطلق عليه بـ (الكرش) الذي يكاد يكون ظاهرة عند بعض المجتمعات ويعبّر عن بعدين متناقضين فهو سمة من سمات العادات الغذائية السيئة ويتسبب بمخاطر صحية عديدة وفي نفس الوقت دالة اجتماعية تشير الى النعمة والى وطن المتكرش، وعلى الرغم من المضايقات الصحية والاجتماعية التي يتعرض لها اصحاب الكروش والتحذير من مخاطر ملازمته لجسم الانسان ومنها تحذير الطبيب ابن سينا الذي قال فيه (احذروا البطنة فأنها تُذهب الفطنة) الا ان فريق من اصحاب الكروش ظل يحاول التقليل من اضراره الصحية وتأثيره على الشكل العام ويسعى الى تلطيفه وتسويغه اجتماعيا واعتباره وجاهه تماهيا مع المثل القائل (الرجال بلا كرش ما يسوه قرش) او انه (اشبه بالبيت بدون عفش) دون مبالاة بالسخرية التي تقال فيه من غياب الرزانة والخفة في التصرف (الثقل مو بالشخصية الثقل بالكرش)، وقد تماشى البعض من الشعراء مع هذه الآراء حيث تمادى بعضهم في دفاعه وتعلقه بالكرش وتغزل به كما لو انه يتغزل بحبيبته فاحدهم قال فيه:

يلي مليتك محشي ورز

ماشي تغيض الناس وتلز

طول ما انت حبيبي معايه

يبقى كل العالم طز

في حين وصف احد الشعراء مضار الكرش بقوله :

شكوت الى الطبيب عظيم كرشي

فرّق لشكوتي ولسوء حالي

فأخبرني بأن الكرش ذل

وهّم ٌ مثل اثقال الجبال

و في بعض المجتمعات تكاد ظاهرة الكرش تختفي تماما وذلك بسبب الفقر وعند اخرى بسبب دوام افرادها على ممارسة الرياضة المنتظمة واتباعها نظام غذائي صحي دقيق لهذا يظهر اصحاب الكروش غرباء عند تواجدهم في هذه المجتمعات وافرازهم يكون سهلا وهو ما لمسناه في زياراتنا لعدد من الدول، ومرة في احدى زياراتنا لدولة اوربية همس لي صاحبي مستغربا من سرعة تعرف افراد هذه المجتمعات على عراقيتنا فقلت له: انه الكرش يا صاحبي، فالعراقيون سيماهم في بطونهم من أثر التشريب .

***

ثامر الحاج امين

 

في المثقف اليوم