أقلام ثقافية

الشاعر مظفر النواب.. موعظة في الحياة والموت

ثامر الحاج امينيوم آخر حزين يستقبله العراقيون هذا الذي حمل خبر وفاة الشاعر الكبير "مظفر النواب" في الغربة بعد حياة لم تعرف الاستقرار كان قاسمها المشترك المطاردة والسجون والمنافي ثم الرحيل بعيدا عن أرض الوطن، رحل مظفر النواب أحد ابرز رموز الثقافة العراقية والعربية تاركاً وراءه ارثاً نضاليا وشعريا لم نقرأ له شبيها الا عند الشعراء الاستثنائيين، فمواقع التواصل الاجتماعي ومنذ اعلان خبر وفاته ضجت بكلمات النعي والرثاء مستذكرة السفر الخالد الذي يمتد لأكثر من نصف قرن لهذا الشاعر والمناضل الرمز، الشاعر الذي نذر شعره وحياته لأنبل قضية تشغل بال الانسان ألا وهي حريته حيث تصدى النواب بكل شجاعة وصدق لهذه المهمة النبيلة، فمنذ صغره عشق قيم الخير والحق والجمال وبسبب هذا العشق ذاق مرارة التشرد قبل ان يذوق حلاوة الشباب حيث وصف ذلك (يمشرّد بزبون الزفة،. شموع الزفة اتطرز شليلك) وكانت حياة ضاجة بالتحدي اختار فيها الوقوف الى جانب الفقراء والكادحين ودعا الى الثورة من أجل كرامتهم واستعان بذلك الى التذكير بتجارب الثوار على الظلم عبر التاريخ فكانت ثورات الزنج والقرامطة وكل الاحرار زادا لقصائده يقابلها تواصل حميم مع الشعر وقصائد تنضح صدقا وحبا للحياة بكل قيمها الرائعة وعناد أذهل الاصدقاء والأعداء واصرار على بياض القلب وصدق الانتماء والثبات على المواقف حيث واجه الطغيان بشجاعة قل نظيرها (ما طول بالريّه نفس،. ما نوگع انحب الچف)، لقد ظل النواب رغم الانكسارات ذو بصيرة ثاقبة وايمان راسخ بقدرة الانسان وحتمية انتصاره على اعداء الحرية وعزيمة لم تتمكن النيل منها قضبان السجون ولا مرارة المنافي ونبلا فشلت كل المغريات ان تحيله مسخا، فعن قصة هروبه من سجن الحلة كتب (عضني سجن العراق فما استطاع،. وحاولتني كل الريح ان أجاري)، فياله من كبرياء، ويا لها من ارادة هذه التي وقف الطغيان أمامها مذهولا بعد ان عجز عن اركاعها ومصادرتها.

اليوم اقرأ ما كتب عنه في مواقع التواصل الاجتماعي من عامة ابناء الشعب فاستذكر قول الشاعر ابو العتاهية (وكان في حياتك لي عظات،. وانت اليوم أوعظ منك حيا) ففي حياته قدم لنا مظفر النواب دروسا في الوطنية والصدق والثبات ونظافة النفس من الطمع والتهافت على المال والمناصب ورسم لنا في شعره لوحات من جمال اللغة والبلاغة أما موعظة رحيله فكانت هذا الفيض من محبة الشعب التي كانت معبرة بصدق ووضوح على حسن سيرته وعظمة مواقفه ونموذجا للاقتداء بسجاياه.

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم