أقلام ثقافية

ذكرى ولادة الشاعر الروسي الكبير الكساندر بوشكين

(1799 - 1837)

ترجمة الد كتور إسماعيل مكارم

في شهر حزيران من هذا العام سيحتفل المجتمع الروسي على المستويين الأكاديمي، والشعبي بذكرى ولادة الشاعر الروسي الكبير، إبن روسيا البار – الكساندر بوشكين، إذ يصادف يوم ولادته في السادس من حزيران حيث ستقام الندوات الأدبية، وحلقات الحوار، والحفلات، والأمسيات الشعرية، والمؤتمرات من قبل الباحثين، والإختصاصيين، ومحبي الشعر الروسي، بل من قبل محبي مؤلفات الشاعر بوشكين.

إذا قال باحث ما: أنا أقوم بدراسة إرث الكساندر بوشكين، كأننا به يقول أنا أدرس إرث المتنبي، أو أنا أدرس إرث أبي العلاء المعري، إذ أنّ عالم بوشكين كبير وغنيّ كعالم عمالقة الشعرالعربي الكبار.

في كلمته أثناء كشف الستار عن تمثال بوشكين في موسكو عام (1880) خاطب الكاتب الروسي المعروف فيودور دوستويفسكي الجمهور واصفا الكساندر بوشكين قائلا:

" إنكم ستجدون في هذا الكاتب الروح الوطنية، والإنسان العبقري، بموهبة فريدة، فذة، حيث أنه استطاع أن يجمع بذاته:

الحس الوطني الحقيقي، وروح الأمة.. هذه الروح المسيحية الحقة، الصادقة... ليس هناك أدنى شك بأنّ أشخاص بوشكين كانوا دوما أصحابَ سماتٍ وطباع روسية "(1).

قمنا منذ سنتين بنشر ترجمة لقصيدتين للشاعر بوشكين وهما: "أقف بخشوع أمام الضريح المقدس" و " إلى من افتروا على روسيا " إذ نشرتا في صحيفة "الأسبوع الأدبي" الدمشقية. لم يكن ذلك عبثا، إنما حاولنا ملامسة الجانب

الفكري - السياسي لدى الشاعر، وموقفه من قضايا وطنه الكبرى، رغم خلافه مع القصر والسلطة بالنظر إلى أمرين وهما:

(إلغاء قانون الرق، وتحرير الفلاحين من قوانين العبودية)، ثم (إصلاح نظام الحكم، بتغيير نظام الحكم القيصري المطلق). حاول فريق من الباحثين ومؤرخي الأدب الروسي تصوير مأساة بوشكين بأنها عبارة عن صراع بين رجلين: الحاكم متمثلا بشخصية القيصر نيكولاي الأول من جهة، والشاعر، الذي يتوق إلى الحرية من جهة ثانية. بينما هناك فريق آخر في زمننا هذا يعتقد بأن بوشكين - المفكر والسياسي، والرجل موسوعي المعرفه كان يسبق عصره فكريا، ولم تكن لديه النزعة الإنقلابية، إذ أنه صرّح في أكثر من مناسبة بأنه يقف ضد كل ما يعيق تقدم مجتمعه الروسي. ويؤكد هذا الفريق أن جوهر الصراع ينحصر في مسألة أن كفاح بوشكين كان يمثل الصدام بين الواقع، الذي كان يعيشه المجتمع وما يطمح إليه الشاعر- المفكر والسياسي الكبير بغرض الإصلاح.

لقد وصفه الكاتب الروسي المعروف غوغول قائلا: " إن بوشكين يمثل روح الإنسان الروسي القادم بعد مئتي عام "(2).

في عامي 1830- 1831 قامت إنتفاضة وارسو، وتعرضت روسيا لخطر غزو أوروبي غربي جديد يهدد مصيرها، ووجودها لذا رأينا الكساندر بوشكين يكتب قصائد المديح والحماسة هذه، أي ثلاثيته الشهيرة عام 1831، متغنيا بأمجاد روسيا و بتقاليد الجيش الروسي. هنا على المثقف من أبناء بلداننا أن يرفع القبعة أمام الكساندر بوشكين، الذي نسي مظلوميته، وجرحه الراعف، وسكناه في المنفى بأماكن مختلفة في أنحاء روسيا، ووقف بكل قامته مع جيش بلاده دفاعا عن سيادتها وكرامتها. كنا قد نشرنا إثنتين من قصائد الثلاثية، واليوم نقوم بنشر القصيدة الثالثة - وهي تحت عنوان - " ذكرى بورودينو "3748 بوتريه بوشكن

إليكم نص القصيدة

БОРОДИНСКАЯ ГОДОВЩИНА

ذكرى بورودينو

إنه ليوم عظيم – ذكرى بورودينو (3)

أثناء حفل تأبين أخوة لنا

قلنا : ها هي القبائل قد غزتنا

مهددة بلادنا روسيا بالمآسي

ألم تكن أروروبا كلها هنا ؟

وأي نجم ٍ كان دليلها !

ولكننا كالسنديان صَمدنا

وبصدورنا صَدينا تلك الهجمة..

هجمة القبائل التي رضخت لارادة قوية

وما كانَ غير متكافئ جعلناهُ متكافئا

**

ربما قد نسوا هزيمتهم المُدوّيَة.

أجل لقد نسوا ذلك، أراهم اليومَ يَتغطرسون

لقد نسوا السيفَ الروسيّ وذلك الثلج

الذي صار مقبرة لهم في السّهوب

إن تلك الوليمة الشهيرة تشدهم من جديد −

دم السلافيين يُسكرهم

غير أن الصحوة عندهم قاسية ستكون

وغفوة أولئك الضيوف سَتكون طويلة

في مكان إقامتهم الجديدِ، إذ هو باردٌ وضيّق

تحتَ تراب حقولنا الشمالية.

**

تعالوا إلينا : إنّ روسيا تناديكم !

ولكن ليكن في معرفتكم أيها الضيوف !

أنّ بولونيا لن تقف في الطليعة:

فسوف تعبرونها عظاما !

لقد قضِيَ الأمرُ في ذكرى بورودينو

ها هي راياتنا ترفرف هناك من جديد

واقتحمنا الثغور، وها هي وارسو قد سقطت

إني أرى بولونيا كالفوج المهزوم

ترمي رايتها المدماة على التراب –

أما العصيان فقد أخمِدَ وأخرسْ.

**

من سقط في المعركةِ فهو سالم

نحن لا نمرغ وجوه أعدائنا بالتراب، ولا ندوسُها

ولن نذكّرَهم بما كتِبَ

على الألواح التاريخية

ولا بما جاء بالوصايا من جيل لجيل

ولن نحرقَ مدينتهم وارسو

أما هم .. فلا، لن يَروا

وجهَ نمسيس الشعبية الغاضب (4)

ولن يَسمعوا أغنياتٍ تغيضُهم

معَ قيثارةِ مُطربٍ روسي.

**

أنتم .. يامن تثيرون الشغب في المجالس.

أيها الخطباء، يا من أطلقتم لألسنتكم الأعِنّة

أنتم، يامن أصبحتم نذيرَ الشؤم الأسود

أنتم، يا من تفترون على روسيا !

من أين جاءكم العلم أنّ الروسيّ ..

إنما هو تمثال طيني مَريض، وضعيف ؟

أتتصَورونَ أن هذا المَجدَ الشمالي –

حكاية بائسة ومنامٌ كاذب ؟!!!

ألا تقولون لنا : متى مَدينة وارسو

ستدوّن لنا قانونها المُنتظرَ الجَبّارَ ؟

**

إلى أين سننقل تلك الحُصونَ ؟

أإلى حدود (بوغ) أو حتى (فورسكلا) أو (ليمان) ؟

وبيد من ستكون (فالينيا)؟

ولمن سَيعودُ إرثُ بوغدان ؟ (5)

إذا ما اعترفنا بأحقية المنتفضين

ستنفصِلُ عننا ليتوانيا.

أما مدينتنا القديمة (كييف) بقبابها الذهبية

أمّ المدائن الرّوسية القديمة

هل ستنضم الى وارسو الهائجة

معَ كلّ أضرحتها المُقدسَةِ تلك ؟

**

هل بضجيجكم هذا وبالصّراخ المَبحوح

قد أربَكتمُ الحاكِم َ الروسيّ ؟

ألا تقولون لنا .. من قد نكّسَ رأسهُ ؟

لمن سَيُقدمُ الإكليل.. أللسيفِ أم للعويل ؟

ألا تعرفون قوة روسيا ؟ أما سَمِعتم بالحربِ والموتِ

وذاك العصيان، وجبروت العواصِفِ الغريبة

من كانوا وراء ذلك، أرادوا أن يهزّوها (6)

انظروا: إنها تقف صامِدة ً، مَتينة ً، صلبة !

وهذه الاضطرابات حولها قد خمَدَتْ

وهاهي بولونيا لقد تقرّرَ مَصيرها ....

**

ما النصرُ الا ساعة سعادة ٍ تريحُ القلب

فانهضي يا روسيا وارفعي الرأس عاليا

وبصوتٍ واحد دَعينا نسمَعُ هذا الحماسَ !

ولكن حاذري رفع الصوت عاليا في الهتافاتِ

بقرب فراش ِ من يَستريح هناك

ذلك القائد العظيم – قاهرالشرور ورافع الحيف

ذاك الذي خضَعتْ له قمَمُ طوروس

واستسلمت أمامه قلعة يريفان (7)

هذا الذي ضُفِرَتْ له أكاليلُ سوفوروف

أكاليل الغار تلك في خِضَم حُروبٍ ثلاثْ.

**

إني أراه قد قام من ضريحِهِ

ها هو سوفوروف يشهَدُ انهيار وارسو(8)

وها هو طيفهُ يَلوحُ هناك ويَبتهج

لروعةِ هذا المَجد الذي كان قد أسّسَ له !

ها هو يُبارك لكَ أيها البَطلُ ..

يُباركُ جراحَك، ويُبارك استراحَتك كمُحارب

ويباركُ لرفاقِك المُخلصين البَسالة والإقدامَ

يُباركُ الخبَرَ المُبشرَ بانتصاركَ العظيم

وذلك الضابط َالشابّ حَفيدَهُ

الذي جاء بالخبرمُتجاوزا براغا.(9)

***

مصادر وهوامش:

1.moiarossia.ru /Pushkin –i−religiya/ Электронный ресурс.

Дата обращения 04.06.2021г.

2. https//rg.ru>2016 .09.02. pochemu- gogol-obeshchal-

Электронный ресурс. Дата обращения 29.06.2021г.

3.بورودينو – هي البلدة، التي جرت فيها المعركة الكبرى بين الجيش الروسي المدافع عن أرضه وجيوش نابليون الغازية عام 1812.

4.نمسيس – إلهة في الأساطير اليونانية، حامية للآلهة من رذائل البشر.

5.بوغدان خميلنيتسكي – القائد الذي حرر أوكرانيا من البولونيين وضم أوكرانيا إلى روسيا.

6.المقصود هنا – روسيا.

7.إشارة إلى قائد القوات الروسية، التي قاتلت في وارسو، وأخمدت الإنتفاضة - وهو الجنرال إيفان باسكيفيتش.

8.القائد العسكري الشهير- الكساندر سوفوروف، محقق الإنتصارات، ومن أشهر القادة العسكريين في العالم.

9.براغا – قلعة قرب وارسو.

ترجمت القصيدة عن النص الأصلي الروسي:

Бородинская годовщина//А.С. Пушкин. Сочинения

в трех томах. Т.I.М. 1954 г.

في المثقف اليوم