أقلام ثقافية

رسالةٌ عراقية، من الرسائلِ الأكَدِيَّةِ (7)

عبد يونس لافينُعَرِّجُ في هذه الحلقة، على رسالةٍ اخرى من رسائلِ التحذيرِ الرَّسميَّة. إنها صادرةٌ من لدُنْ ذاتِ المسؤولِ الأكَدِيِّ، الذي مرَّ ذكرُهُ في الحلقة السادسة، وهو آيشكُن - داگِن  (Iškun-Dagan)، ولكنَّها هنا موجهةٌ الى مسؤولٍ اخرَ، أدنى منه موقعًا هو لوگال را  (Lugal ra)، وكان ذلك قبل الاحتلالِ الكوتِيّ.

وقبل أن تسألَني أجيب: الكوتيّون هم شعبٌ مكوَّنٌ من اناسٍ رُحَّلٍ، لا يستقرّون في مكان، عاشوا بين الجبال، في أواخرِ حكمِ الملكِ الأسد، مُؤسِّسِ الإمبراطوريةِ الأكَدِيَّةِ، سرجون أو شارّو گِن  (Šar-ru-gen).

كانوا يُغيرونَ بين الآونةِ والأخرى على الأكَدِيّين، سيما في مراحلِ ضَعفِهم، بعد وفاة هذا الإمبراطورِ العظيم.

نصُّ الرسالة:

هذه رسالةٌ  من آيشكُن - داگِن  (Iškun-Dagan)

الى لوگال را  (Lugal ra)

إحرثِ الْحقلَ، وراقبْ ماشيتَك،

وفوق ذلك كلِّه، لا تقل لي:

الكوتِيّون  حواليْنا،

ولا استطيعُ ان أحرِثَ الْحقل.

مواقعُ رجالِهم تفصلُ بين الواحدِ والآخر،

مسافةُ ميل،

عليك أنْ تذهبَ وتؤدي ما عليك من حِراثة،

بينما رجالُهم يذهبون الى عملِهِم،

فإنْ هوجِمْت،

اجلُبْ ماشيتَك الى المدينةِ حالًا.

عادةً حينما كان الكوتيّونَ

يستولون على الماشيةِ ويذهبونَ بها،

لم أقُلْ كلمةً واحدة،

بل أُعطيكَ الفضةَ لقاءَ خسارتِك.

ولكني الآن أُقسِمُ بحياةِ الملك:

شار- كالي - شاري   :(Šhar-kali-šharri)

اذا ما اخذ الكوتيّون ماشيتَك،

وليس بإمكانِكَ أنُ تُعوّض عنها،

سوف لا اعطيك فضةً اذا جئت إلى المدينة.

بعد هذا التحذير،

ألا يُمْكِنُكَ مراقبة  الماشية؟

تذكَّرْ: كنتُ قد طلبتُ منك

إيصالَ الشعيرِ إلَيَّ في أكوام.

لِيكنْ في علمِكَ

هذا تحذيرٌ فانْتَبِهْ... خُذْهُ في الاعتبار!

نستخلصُ من نصِّ الرسالة: أنَّ التحذيرَ كان فعلًا قبل الاحتلال الكوتِيّ، ذلك لأنَّ المسؤولَ المُحذِّرَ من موقعِه الأعلى أقسم بالملكِ شار- كالي – شاري. وشاري هذا  كان  آخرَ ملوك الاكديّين، وكان ضعيفًا جدًّا، والبلادُ في ظِلِّه، أصبحت في أسْوَأ مراحلِها، حيث عانت من حركاتِ تمرُّدٍ بعد وفاة والدِه، ومن مجاعةٍ جرّاء تغيُّراتِ المناخ، فكان موقفُه ضعيفًا جدًّا مهَّد لسيطرةِ الكوتيّين، وتحطيمِ امبراطوريةِ أكَد.  

التحذيرُ الذي تضمَّنتْه الرسالة كان صارمًا، فهو يدعو المسؤولَ المحلِّيَّ، الى حراثة الحقلِ، ومراقبةِ الماشيةِ في ظرفٍ قاسٍ، حيث الكوتيّون حوله، وربما هاجموهُ في ايَّةِ لحظةٍ، واسْتوْلَوْا على الماشية،

و(ذلك هوالخسرانُ المُبين).

لا شكَّ أنَّ لوگال را كان في وضعٍ لا يُحسدُ عليه، بين تحذيرٍ صارمٍ من مسؤولٍ أعلى، وبين خطرٍ يُحيقُ به في أيَّةِ لحظة.

أما آيشكُن – داگِن، فقد كان يخضعُ لأوامرِ الملكِ المأزوم، والضحيةُ هو لوگال را!

واقعٌ مثلُ هذا، ليس علينا بغريب،

وليس منا ببعيد!

***

عبد يونس لافي

في المثقف اليوم