أقلام ثقافية

جَلسةُ صُلحٍ مع الفشَل

مينا راضيفي مِنهاجِ العَلاقاتِ السَطحيةِ وفي قاموسِ المَعارِف، كلَّما سألتُ أحَدًا ذلك السؤالَ المُعتاد: "كيفَ حالُك؟" يبدأُ بالحَديثِ عن سِلسِلةِ إنجازاتهِ المُستَجِدّةِ ونَجاحاتهِ الطازَجة. في كل بَيتِ أزورهُ لا أجِدُ على الجُدرانِ سوى الشَهاداتِ والصوَرِ التي توَثِّقُ اللَحَظاتِ السَعيدة، لكنني لا أجِدُ أثَرًا للفَشَلِ في أي مَكان، فلماذا نَدفِنُ فشَلَنا في تُرابِ الذاكِرة؟

لطالَما جالَ في خاطِري هذا السُؤال: لماذا يُحاوِطُ المُجتَمَعُ الفَشَلَ بأسلاكٍ شائِكة؟ لماذا يُعتَبَرُ الفَشَلُ وَصمةَ عارٍ تُلَطِّخُ تاريخَ الإنسان؟ خلالَ رِحلةِ حَياتي كنتُ أخافُ الفَشَلَ مثلَ أي شَخصٍ طَبيعي، كنتُ أخشى الزَلَلَ والتَعَثُّرَ أكثرَ من أي شَيء، لكن عندَما اعتَراني شَيءٌ يَسيرٌ من النُضجِ الفِكري، وعندَما ألبَستُ كل الأشياءِ مِن حَولي ثَوبَ المَنطِقِ وَجَدتُ أن الفَشَلَ أمرٌ طَيبيعيٌ جدًّا، بل إنهُ يَكادُ يكونُ شَيئًا جَميلًا، فما الفَشَلُ سِوى مُعَلِّمٍ صارِمٍ يُلقي علينا دُروسَهُ ثم يَرحَل، ما الفَشَلُ سِوى حَدَثٍ يَجعَلُنا نُدرِكُ قيمةَ النَجاح. لو لا الفشَل لَما تَفَشّى مُصطلَحُ "تَطويرِ الذات" ولَما امتلأتِ المَكاتِبُ بمَلايينِ الكُتُب، فكَثيرٌ منَ الكُتُبِ لم تُكتَب إلا لسَردِ قصّةِ فَشَلٍ تَحوَّلَت إلى نَجاح. ما أريدُ قَولهُ هو أن ذاتَ الإنسانِ لا تَتَطَوَّرُ إلا إذا فَشِلَت، فالنَجاحُ لا يَمنَحُنا مِساحةً للتَطَوُّرِ أو النُمو. عندَما يَنجَحُ المَرءُ فإنهُ لا يَفعَلُ شَيئًا سوى الوُقوفِ مَكانهُ والإعجابِ بنَفسهِ والتَصفيقِ لها. أما الفَشَلُ فهوَ وقودُ النُمو، فُرصةٌ لبِدايةٍ جَديدةٍ يَمنَحُها لنا القَدَرُ على طَبَقٍ منَ الخَيبة، إنها فُرصةٌ ذهَبيةٌ مُغَلَّفةٌ بطَبَقةٍ منَ السَلبيةِ الظاهِرية. سَمِعتُ أحدَ المُؤلِّفينَ الكويتيين يَقول: "إنَّ الفشَلَ هَزيمةٌ مؤقَّتةٌ تَخلِقُ للمَرءِ فُرصةً للنَجاح." وأنا أصَدِّقُ ذلك الكاتِب، كائِنًا من يَكون.

***

بقلَم الكاتِبة مينا راضي

في المثقف اليوم