أقلام ثقافية

الإبداع بين الإلزام والإلتزام!!

صادق السامرائيإلتزم: تعهد، إعتنق، تقيّد، إمتثلَ

ألزم: فرض، اوجبَ

أبدع: أنشأ، إخترع، أحدث، خلق

الإبداع ينطلق من كينونة طاقوية ذاتية الحركة واضحة الإتجاه، فيكون مرهونا بخصال ومواصفات ينبوعه، وأي فرض على تغيير فحواه يسمى إجبارا أو إلزاما، وبهذا يفقد الإبداع جوهره وإن كان متصلا بمميزات الأبداع المتعارف عليها.

فالإبداع يمكن أن يُمتطى لغايات وأغراض متنوعة.

فهناك إبداع من أجل الإبداع، وآخر لتمرير مرامٍ لا إبداعية.

وما يجري في واقعنا المنهوك بالكراسي المهيمنة على مصير الناس، أن الإبداع تحول إلى تبويقات وهتافات وتسويغات للتفاعلات الخبيثة الفاسدة، حتى طغى مفهوم الإبداع المحشو بالخبائث والموبقات، وصار الإبداع لسان حال الكراسي أيا كان تطلعها، ودرجات إمعانها بالتبعيات والخنوع والإذلال المشين للوجود الوطني والإنساني.

فالقول بالإبداع الملتزم ما عاد له وجود وقيمة، فالمبدعون ملزمون لا ملتزمون، ولهذا تنهار معالم وجودنا وتتدحرج أوطاننا نحو آبار الويلات والتداعيات المريرة.

والمبدع الملتزم منبوذ، ويواجه مصدات كبيرة وتحديات قاهرة، ولا يُراد لما يراه أن يُقرأ، فالمطلوب الكتابة بمداد التبعية والإستسلام، وتأمين إرادة القطيع المرهون بالسمع والطاعة.

لو كان الإبداع الملتزم موجودا وسائدا وفاعلا، لصنعَ تيارا ثقافيا قادرا على التوثب والإنطلاق نحو مستقبل أفضل، وبإرادة واعية ذات رؤية حضارية ساطعة.

فعلينا أن نقر بإنتصار الإبداع الإلزامي على الملتزم، فمعظم المنابر الإعلامية ذات أجندات إلزامية، ولا تريد مَن لا يكون مرهونا بها، لأن في ذلك تأثير على مصادر تمويلها وإدامتها.

فالقول بإبداع ملتزم، عليه أن ينتفي من ثقافتنا، فنحن مجتمعات محكومة بالإلزام، وبهذا طريقى ولا طريق سواه، فكن معي أو أنت عدوي.

والحقيقة المريرة المغفولة قصدا، أن دولنا تحت الإستعمار المباشر والغير المباشر منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وأي نشاط لا يتوافق مع هذا الواقع المحجَّب عليه أن يزاح بشتى الوسائل والإدعاءات، وحتى الفن للفن عليه أن يموت، لأنه يربي الذائقة النفسية ويمنح البشر القدرة على المطالبة بحقوقه الإنسانية.

فهل لنا أن نعترف بما نحن فيه وعليه؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم