أقلام ثقافية

كتاب بالروسية صدر في بغداد

ضياء نافعصدرت طبعا بعض الكتب باللغة الروسية في بغداد قبل هذا الكتاب، ولكنها كانت منهجية، اي ترتبط بتدريس طلبة قسم اللغة الروسية في جامعة بغداد فقط ، أمّا هذا الكتاب، فانه يختلف تماما، اذ انه ليس مدرسيّا، وانما (وحسب معلوماتنا المتواضعة) يتوجه للقارئ بشكل عام، وانطلاقا من هذه النقطة الجوهرية وارتباطا بها، يمكن لنا القول،انه يعدّ اول كتاب بالروسية يصدر في بغداد خارج اطار الكتب المنهجية التي أشرنا اليها، هذا اولا، وكذلك يمكن القول (اي ثانيا)، انه اول محاولة نشر لمواد علمية يجمعها طالب  دكتوراه للتحضير لكتابة اطروحته، ويرى، ان هذه المواد مهمة لدرجة، انه قرر نشرها بلغتها الروسية (اي كما في الاصل الروسي) في بغداد، دون ان يترجمها من الروسية الى العربية (كما يحدث عادة عندما ينشر خريجو الجامعات الاجنبية نصوص اطاريحهم في بلدانهم)، وحول هاتين (النقطتين المتميّزتين !) في (اولا) و(ثانيا)، اكتب هنا بعض السطور التعريفية عن هذا (الحدث الثقافي!) الفريد وغير الاعتيادي بتاتا في مسيرة الكتب ونشرها في بغداد، وطبعا يرتبط هذا الحدث بمسيرة اللغة الروسية في العراق بشكل عام، وهو موضوع مهم جدا بالنسبة لي شخصيا منذ الستينيات في القرن الماضي ولحد الان .

صدر هذا الكتاب باللغة الروسية في بغداد الان (ونحن في عام 2022)، ويقع في (380) صفحة من القطع المتوسط، ويتضمن مقدمة باللغة العربية تشغل 15 صفحة في بداية الكتاب . مؤلف الكتاب د. هيلان كريم المجمعي، الذي كان طالبا عندنا في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد قبل اربعين سنة، وكان انطباعنا – نحن التدريسيين – عنه ايجابيا دائما، اذ كان هادئا ونظاميّا ومنفّذا لكل الواجبات الدراسية، وهي سمات الباحث العلمي المستقبلي، وقد تذكرت صفاته تلك عندما كنت اتصفح كتابه هذا، الذي جاء تحت عنوان بالعربية هو – (الكلمات العربية المستخدمة في اللغة الروسية)، الا ان الترجمة الحرفية للعنوان بالروسية كالآتي – (المفردات ذات الجذر العربي في اللغة الروسية المعاصرة)، ويمكن للقارئ ان يلاحظ التباين بين العنوانين العربي والروسي، وهو تباين يختلف بشأنه المتخصصون، اذ ان تلك المفردات اصبحت روسيّة، رغم انها (ذات جذر عربي)، وهذه ظاهرة طبيعية جدا وتتكرر  في كل اللغات، وما أكثر الكلمات ذات الجذور الاجنبية في لغتنا العربية، ولا نقول عنها الان انها كلمات اجنبية في لغتنا العملاقة والشامخة بين اللغات، بل يشير المختصون الى جذورها الاجنبية ليس الا في معاجم خاصة ومحدودة التداول، ومن الطريف جدا ان نشير هنا، الى ان  المؤلف نفسه قد ذكر هذه النقطة المهمة حول الكلمات الروسية في مقدمة كتابه، اذ انه أجرى استبيانا في روسيا بين طلبة جامعيين روس، وطرح عليهم اسئلة عن تلك الكلمات ذات الجذر العربي، وتبين نتيجة هذا الاستبيان، انهم يعتقدون، ان هذه الكلمات روسية بحتة، ولا تمتلك اية علاقة باللغة العربية بتاتا، وأنا على يقين، ان الباحث سيصل الى نفس النتائج في حالة اجراء هذا الاستيبيان بين الطلبة العراقيين في بغداد حول الكلمات العربية ذات الجذور الاجنبية.

د. هيلان كريم المجمعي اصطاد عصفورين بحجر واحد عندما أصدر كتابه هذا، كتابه الفريد شكلا ومضمونا بالنسبة للمكتبة العربية بكل معنى الكلمة، العصفور الاول - هو تحقيقه هذا الموقع الريادي والتاريخي في مسيرة اللغة الروسية في العراق، والعصفور الثاني - هو تقديمه للقارئ العربي حوالي 500 مفردة روسية ذات جذر عربي، 500 مفردة تثّبتها المصادر الروسية نفسها، المصادر القاموسية المعتمدة في وثائق اللغة الروسية المعاصرة وتاريخها، الوثائق التي لا يمكن لأحد (من العرب او الروس او غيرهم) ان يشكك  في عمقها وصحتها ودقتها وعلميتها، فما أجمل هذا العمل الابداعي يا طالبنا القديم، العمل الذي يحق لنا (ان نباهي به الامم !!!)....

***

أ.د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم