أقلام ثقافية

الملوية وفلسفة الحكم!!

الرمز العمراني للملوية يحتمل تفسيرات وتحليلات كثيرة، ويمكن الإقتراب منه بعدة زوايا، ولابد من القول بأنها تمثل فلسفة حكم ممثلة لجوهر معاني الحكم في الإسلام، والتي أرسى دعائمها نبي الدين في المدينة على مدى عشرة سنوات.

فالرموز العمرانية للحكم تمثلت في الزقورات والأهرامات، وهي أفكار مستوحاة من التل، وعبارة عن طبقات يتصاغر حجمها بالإرتفاع وفيها هيمنة فوقية، بينما الملوية تعبر عن قوة الإتحاد والإندماج ما بين الناس، للوصول إلى فضاءات المطلق الرحيب المنشودة، والتي ينتهي عندها المسير فوق التراب.

إن المعنى الحضاري والروحي الكامن في الأعماق تحول إلى رمز عمراني، يُذكِّر الناس بأن التفاعل الحقيقي إنساني روحاني، فالبشر في مسعاه فوق التراب يروم التحرر من قبضته، والإنطلاق في رحاب كون فسيح، تترامى فيه جنان الخلد كما يتصورها، ويستحضرها من عوالم الغيوب.

وبهذه الرؤية الإدراكية العميقة مثلت الملوية خلاصة الجوهر الحقيقي لمعنى الدين، الذي يشير إلى أن البشر من آدم وهو من التراب، ولا فرق بينهم، والمطلوب التلاحم والتماسك والإعتصام بإرادة التسامق نحو المطلق البعيد، والوصول إلى منتهى غاية الوجود الحي المتواشج مع ينابيع الإشراق، ومواطن العلياء الملكوتية الفيحاء.

فالتسامق الحقيقي يتأكد بالتواصل المتنوع ما بين البشر في المكان والزمان، وإطلاقهم لطاقة الصيروة الكبرى الكامنة فيهم، والإستثمار فيها لنيل التطلعات السامية الخلابة الرقراقة المعاني والأفياض.

فالملوية تقدم منطوقا للحكم وفقا لأسس إنسانية رحمانية، تؤكد على أهمية وضرورة التفاعل التعاضدي الإيجابي بين رأس نظلم الحكم والرعية، التي عليها أن تكون في تواشجات متصاعدة ما بينها وأركان الحكم بأنواعها، فالغاية ليست الهيمنة والإستبداد وفرض الإرادة القسرية، وإنما الإنسجامية والإنسيابية اللازمة لتأمين العدل وبث الرحمانية بين الناس.

وكأنها رمز للتذكير بما يجب أن يكون عليه الحكم، لكي لا ينحرف الحاكم ويتوهم بأنه المالك المطلق لكل شيئ، وعلى الآخرين تنفيذ ما يراه، دون النظر بفحواه ومدى صوابيته.

فالتفاعل المتناسق بحاجة إلى حركة بإتجاهات متننوعة لكي يتأسس الضمان الآمن للحقوق والواجبات، ويبدو أن الذي أبدع فكرة الملوية وأشاد صرحها، أراد التشديد على معاني ومرتكزات الحكم السديد.

فهل فازت الأمة بكرسي رشيد؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم