أقلام ثقافية

امريكا اللاتينية: مجتمعات شيطنها الاعلام والسينما وانصفتها منصات التتويج العالمية

تعد قارة امريكا الجنوبية والوسطى او ما يصطلح عليه ب "امريكا اللاتينية" من اكثر العوالم التي لم تنصف على المستوى العالمي.

فعندما يذكر هذا العالم اول ما يتبادر الى الاذهان العصابات والمافيات وتجارة المخدرات وهشاشة الامن وعدم الاستقرار والجريمة المنظمة، والاختطاف والقتل وربما يتبادر الى اذهاننا انك لا يمكن ان تخرج من بيتك للتسوق او التنزه الا بصحبة حارسك الشخصي فكل العيون ترصد تحركاتك ويمكن ان تنقض عليك الكواسر المرابطة في الازقة والاحياء ويفرغوا جيبك او ينتهي بك المطاف ان تكون ضحية المساومة المادية وعلى الاغلب تلقى جثة هامدة في ضواحي المدن الكولومبية او الغابات التشيلية او ملقى على قارعة الطرق الخارجية تائها لا تعرف اين تذهب فلا ارض تقلك ولا سماء تظلك.

كل هذه المشاهد ألفناها وعشناها في الافلام الهوليودية التي تصدر للعالم بطولات الدول الغربية وهي تسعى حسب ما تدعي الى تحرير هذه المجتمعات من الحياة الكابوسية والرعب، وكل يوم يخرج الاعلام الغربي صاحب الباع الطويل يسطر البطولات بملاحقة المافيات وتجار المخدرات ويصنعون من ذلك نصرا في الحملات الدعائية الانتخابية.

امريكا اللاتينية لا تختلف كثيرا عن باقي بلدان العالم ففي الولايات المتحدة نفسها العديد من المافيات والاتجار بالاسلحة والجرائم المنظمة وكذلك اوربا التي تشهد العديد من هذه الانشطة وما يخفى على الجميع خطر المافيات الايطالية ومنظهة ايتا الارهابية الاسبانية وفي هنكاريا ورومانيا والمافيات الروسية وغيرها. لكن غالبا ما يسلط الضوء على سلبيات المجتمعات الضعيفة التي لا تملك الماكنات الاعلامية التي يمكنها ان ترد على الاتهامات الموجهة اليها بالمثل.

فماذا لو غضينا الطرف وادرنا ظهورنا للاعلام العالمي ودخلنا في المجتمعات اللاتينية فماذا عسانا ان نجد:

1. نجد العديد من الحضارات التي قامت فيها كحضارة كارال سوب 3000-2500 ق. م. وحضارة ناسكا1-700 م في دولة البيرو، وحضارة الأولمك 1200-400 قبل الميلاد التي شيدت أول أهرامات حجرية في قارة أمريكا وحضارة المايا 500 ق.م - 800 في المكسيك بين 2500 قبل الميلاد و 1500 بعد الميلاد. وإمبراطورية تيواناكو، 550-950 م وتقع على جانبي الحدود بين بيرو وبوليفيا، وحضارة الإنكا (1400-1533 م) الساحل من كولومبيا إلى الأرجنتين.

2. نجد حركات ادبية فريدة من نوعها اثرت الادب العالمي بشتى اصناف النتاجات الادبية كالرواية والقصة والشعر والمسرح ولمع نجم العديد من الادباء والكتاب اللاتينيين منهم من حصل على جائزة نوبل للاداب كامثال الروائي الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز عام 1982 والشاعرة التشيلية غابرييلا ميسترال عام 1945 والشاعر الروائي ميغيل انخل من غواتيمالا عام 1967 و الشاعر التشيلي بابلو نيرودا عام 1971 وكان اخرهم في الحصول على جائزة نوبل هوالروائي البيرواني ماريو باغاس يوسا عام 2010. ويزخر هذا الادب بالنتاجات الادبية المهمة التي اصبحت قبلة للباحثين والنقاد.

3. اضافة لكل ما تقدم نجد ان تلك الامة انجبت العديد من الشخصيات المرموقة التي لا زالت عالقة في اذهان العالم اجمع منهم من ناضل في سبيل التحرر وانقاذ الشعوب من العبودية كامثال الثائر جيفارا، ومنهم من سطر بطولات كروية ورياضية ولا يكاد يذكر معهم احد تاريخيا في هذا المجال كامثال بيليه البرازيلي ومارادونا الارجنتيني وشخصيات سياسية كبيرة ساندت القضايا العالمية العادلة كالقضية الفلسطينية. ولا يمكن التغافل عن الفن التراثي لهذه الرقعة الجغرافية كالرقصات العالمية كالسامبا البرازيلية والتانغو الارجنتينية والسالسا وغيرها.

بالتالي فان هذه المجتمعات هي مجتمعات مفعمة بالروح الحيوية ولها اسهامات كبيرة في النجاحات العالمية ولا ينعكس الدور السلبي الذي تقوم به بعض الجماعات الخارجة عن القانون عليها فكل البلدان فيها مظاهر سلبية قد تكون اكثر بكثير من بلدان امريكا اللاتينية الا ان الصورة النمطية التي صورتها السينما والاعلام العالمي لا زالت عالقة في اذهان الناس متغافلين عن الجوانب الايجابية لهذه الشعوب البسيطة والمسالمة.

***

م. خليل عوين فرحان

كلية اللغات – جامعة بغداد

 

في المثقف اليوم