أقلام ثقافية

شئ عن الرحيل

سمير محمد ايوباحافير في الحب

وكأن هجيرَ وجعي قد لامس سَمعَها، وهي هناك في طرابلس لبنان. فعاجلتني ذاتَ ليلٍ بإتصالٍ معجونٍ بقلق بَيِّنٍ، إفتَتحتهُ بِعُجالةٍ مُلتاعة: ما بِكَ؟! قيل لي قبل قليل، أنكَ بعد رحيلِهِ لستِ أنتَ!!!

تَمتمَتْ تَنهُداتي ألمُتلاحقة: تَعِبَ صدري من وجَعِ  قلبي.

كَرَّرَتْ سُؤالها: ما بِكْ ؟!

قُلتُ وأنا أذوي بين الحيرةٍ والوجَع: مع كُلِّ راحلٍ يَتطايرُالرفاق. خريفُ الرحيلِ  يَستَكمِلُ بِلا لياقةٍ ساديتَه، يُتابعُ تَعريةَ حُلمي  من أوراقِه الخضراء ، فيزداد عودُه يَباسا ويسهل كسره.

لتُغويني على مُواصلةِ القول، بالكاد قالت: وإنْ!

تَوجعتُ أكثر قائلا وكأني لم أسمعها: آه ، ما اقسى الأحلام  العارية، وما أوحش المعارج حين تذوي قناديلُها، قِنديلاً تِلوَ قِنديل.

أعرف أن عينيها قد أبرقت  كعادتها مع الحيرةِ الحَيِيَّةِ، قبل ان تُرعد شفتاها بحزنٍ لا يُخطِؤه قلبي مثل سمعي، وهي تقول:

هي الأقدار يا أنت، تُطفِئُ قناديلاً وتسرج أخرى. وعيناك ليس لنا والله، إلا المزيد من الحب الذي في قلوبنا، لأحلامنا ولمن شاركنا بها، ليخفف عنا وحشة المعارج من بعدهم ، حتى يغزوها رحيل جديد آخر.

لم أعقب لأني كنت كطفلٍ، أتلهى بِمشاغلةِ  دمعةٍ تُصِرُّ على مشاركة وجعي المُتَنَهِّدْ، بَقيتُ صامتاً وهي تُواصل تساؤلها:

أتسمح لي ان أكون قِنديلا مسروجاً وأن أسرج لك أصابعي العشر يا رفيقي، علّني أبدِّدُ عنك شيئاً من وحشة الفراق؟.

***

كتب الدكتور سمير محمد ايوب

 

في المثقف اليوم