أقلام ثقافية

"الشماتة" في تراثنا الشعري

ثامر الحاج امين"الشماتة" مرض اجتماعي  يتمثل في اظهار الفرح والتشفي عندما يتعرض شخص تكرهه الى سوء او الفشل في تحقيق هدف معين او عند وقوعه في محنة ما، وبالرغم من ان الشماتة جزء من التركيبة البشرية تظهر بشكل جلي في المجتمعات المأزومة التي يسودها الجهل والتخلف والفوارق الطبقية حيث ينتج هذا النوع من المجتمعات سلوكيات مريضة وبالتراكمات تشكل ظاهرة عند شرائح واسعة منها ألا ان وجودها وأثرها يكاد يختفي في المجتمعات المتطورة التي قطعت شوطا من التقدم الحضاري وتجاوزت العقد النفسية، كما ان الشماتة صفة مذمومة تعكس حقد وسواد قلب ولؤم من أبتلي بها وتلبسَ شيطانها، ولشدة قباحتها فقد وصفها الفيلسوف أرثر شوبنهاور بانها تفوق الغيرة أذى وتأثيرا عندما قال فيها (أن تشعر بالغيرة، فذلك طبيعي، لكن حينما تشمت، فذلك شيطاني)، وأيضا ذهب الشاعر عبدالله بن علي عينية  الى وصف شدة اوجاعها وثقلها على الانسان وذلك في قوله:

كل المصائب قد تمر على الفتى

فتهون غير شماتة الحساد

وكم كبير من تراثنا الشعري بشقيه الفصيح والشعبي تناول هذه الظاهرة حيث خاض فيها الشعراء بين ذام لها ومحذر منها ومؤكد على دوران عجلة الزمن وتبدل الاحوال وان المصائب كالداء الذي لا يسلم منه أحد وبالتالي على الآخرين انتظار دورهم وحصتهم من المصائب قبل ان يشمتوا بالأخرين مثل قول الشاعر:

فـقـلْ لـلـشــامـتـيـنَ بـنـا أفـيـقـوا

سـيـلـقـى الـشـامـتـون كـمـا لـقـيـنـا

والتحذير نفسه نقرأه عند شاعر اخر يؤكد فيه حتمية وقوع المرء في ذات المصيبة التي يشمت بها وهي دعوة لنبذ الشماتة وغسل القلوب من أدران الحقد والتشفي:

قل للذي يبدي الشماتة جاهلا

سيأتيك كأس أنت لا بد شاربه

والشعر الشعبي العراقي لم يهمل الاشارة الى قباحة الشماتة والتحذير منها  انما تناولها في معظم اجناسه  الشعرية ففي قصيدة " مضايف هيل " يحذر الشاعر الكبير مظفر النواب قتلة المناضل الشيوعي " صاحب ال خصاف " ان لا يشمتوا ولا يفرحوا بتنفيذ جريمتهم فهناك من سيطالب بدمه ويأخذ بثأره:

لا تفرح ابدمنه لا يلگطاعي

صويحب من يموت المنجل يداعي

هذا إيشان، ما ينذل للگطاعي

وبليل الخناجر، منجله يداعي

ولا يبتعد شاعر الدارمي عن هاجس الخشية والتوجع من الشماتة عندما يحكي عن جور الزمان عليه ومحاولة اذلاله امام خصومه فيقول:

طگني الدهر بچتاف جرني بكرابه

دوّر شكو كراه مرني عله بابه

وما اثقل الشماتة وقسوتها حين تجتمع مع العجز عن حمل أوزار الايام وثقلها حيث يجسدها شاعر آخر يصف حيرته امام حمله الثقيل وتفرج الأعداء عليه فيقول:

الحمل نص ادغار والناگه عرجه

نوّختْ يم شمات خلتني فرجه

او في قول الشاعر حين يعبّر فيه عن المكابرة والتظاهر بالقوة والنشاط كل ذلك من أجل ان لا يفرح الشامت برؤيته وهو منهار القوى:

أجلدّ أبممشاي ناحل تراني

خوفي من الشمات مو من زماني

كما لم يغفل شاعر الأبوذية الاشارة الى الشامت الذي أعماه حقده عن رؤية الأشياء على حقيقتها، يروى ان الشاعر عبد الحسين ابو شبع النجفي كان مارا في مقبرة النجف وادي السلام ووقعت عينيه على شاهدة قبر الشهيد الشيوعي حسين محمد الشبيبي  ـ حازم ــ فتنهد قائلا:

عيوني تعاين عله الدرب وتراب

وروحي ما يهمها الخطر وتراب

الشامت يرى كبرك حجر وتراب

ويرى التاريخ كبرك مزهريه .

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم