أقلام ثقافية

القولبة الثقافية

شدري معمر عليهل يمكن للمثقف أن يسجن نفسه ضمن أطر تفكير ضيقة وقوالب جامدة فيسجن نفسه في قلعة معتمة لا يرى منها العالم إلا بألوان العتمة والسواد؟ هذا سؤال وجيه و إذا كانت الإجابة بنعم فهذا ما نسميه القولبة الثقافية. والمثقف المقولب ثقافيا يتسم ببعض السمات التي ذكرها المشتغلون بالتنظير الفكري والثقافي و أهمها: الصرامة والعناد فهذا المثقف المقولب صريح جدا يميل إلى فرض أفكاره بقوة حتى و إن كانت أفكارا شاذة تصادم قيم وهوية المجتمع وبالتالي هذا المثقف يكون معول هدم للمجتمع، يثير النعرات والعصبيات والأحقاد ويزرع في أراضي الوطن بذور الفتن وكم ابتليت الأمة العربية عبر تاريخها الطويل من هؤلاء المقولبين الذين أشعلوا نيران الفتن بأفكارهم الضيقة التي انطلقت كالرصاص في قلب الأوطان. السمة الثانية أن المثقف المقولب لا يملك الحساسية ليفرق مابين الشيء الظني الاجتهادي وما هو ثابت وقطعي وهذا راجع للقصور الفكري وعدم الإحاطة بالقضايا من كل جوانبها وقد شهدت ساحتنا الجزائرية نماذج من هؤلاء يشككون في ثوابت الأمة بدعوى الحداثة و العصرنة ومحاربة الجمود والتخلف. والسمة الثالثة أن المثقف المقولب يعطي للعقل دورا كبيرا و أهمية عظيمة فيخضع النصوص لمحاكمته العقلية وينسى أن هذا العقل مهما امتلك من قدرة على التفكير والتمحيص والنقد فيظل قاصرا وتغيب عنه كثير الأمور. هذه بعض السمات التي يتسم بها كل مثقف مقولب من خلالها نحكم عليه ونضعه في المكانة التي تليق به، وحتى نخرج من هذه القولبة الثقافية، علينا أن نتحلى بالمرونة الفكرية وغربلة الأفكار والقدرة على التمحيص والنقد البناء ووضع الأشياء في مكانها. وأن نتقبل الرأي الآخر فلا تعصب ولا ضيق للفكر، بل أن يكون همي كمثقف فاعل ومؤثر هو البحث عن الحقيقة حتى ولو كانت مع من يخالفني الفكر والمعتقد. ولا يمكن أن نعالج هذه القولبة الثقافية إلا بتعليم جيد نوعي، يتعلم فيه الطفل إبداء الرأي واحترام رأي زميله وندربه على النقد البناء والنظر إلى أي قضية نظرة إبداعية غير نمطية أي نعلمه التفكير خارج صندوق الأسرة والبيئة. فالقولبة الثقافية قد تساهم فيها الأسرة والمؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام فإن كانت هذه المؤسسات تملك رؤية استشرافية، ومناهج تربوية فعالة تتماشى مع العصر يمكن أن تخرج لنا إنسانا مثقفا منفتحا، فعالا مؤثرا وقد يحدث العكس في البيئات الجاهلة والمتخلفة والمنغلقة تنتج لنا إنسانا يعيش على هامش التاريخ، لا يعرف ما يحدث حوله وحتى ولو حاول فهم الأشياء يفهمها بعقل قاصر وبرؤية ضيقة وبفكر منغلق لا يملك الأدوات الكافية للتحليل والنقاش والبحث عن حلول مناسبة لأي مشكلة تعترضه في محيطه.

***

لكاتب والباحث في التنمية البشرية

 شدري معمر علي

في المثقف اليوم