أقلام ثقافية

تحليل شخصية الدكتاتور في رواية (حفلة التيس)

هديل عادل كاملماريو بارغاس يوسا" روائي ولد في البيرو عام 1936 وبرز في عالم الأدب بعد نشر روايته الأولى "المدينة والكلاب" التي نال عليها جوائز عديدة منها جائزة "ببليوتيكا بريفي" عام 1962 وجائزة "النقد" عام 1963 وترجمت إلى أكثر من عشرين لغة أجنبية، وتتالت أعماله الروائية، وتعددت الجوائز التي حصل عليها، وقد كان آخرها حصوله عام 1944 على جائزة "سرفانتس للآداب" التي تعد أهم جائزة للآداب الناطقة بالأسبانية.

وفي روايته "حفلة التيس" يستعيد الروائي "ماريو بارغاس يوسا"، وبكثير من المرح، والمذاق الذي يميّز طريقه الكلام الرومينكانية، يستعيد مرحلة تاريخية قاتمة في حياة جمهورية "الدومنيكان" الصغيرة حيث يقدم نموذجاً للقائد "التاريخي الملهم تروخييو" الذي أنزل بشعبه في الآفات والمصائب والأهوال ما يتسامى القلم عن تدوينه، وقد استطاع ماريو بارغاس رسم صورة مرعبة لذلك الطاغية، مستعيناً بحسه الروائي العميق، وبتجربته الأدبية الفنية، في تقصي فترة تاريخية، سياسية تصعب على الرواية تناولها بالشكل الذي أظهرته رواية "حفلة التيس" ثمة وصف عميق ودقيق للدواخل الشخصيات ومشاعرها، وحالات الهلع والذعر التي تنتابها، ووصف آسر للشوارع والبيوت والحدائق والطرقات والروائح، وزرقة البحر وفق منحى بصري لا يترك شيئاً إلا ويجد له حيزا في رواية الأرواح الباحثة من الطمأنينة في تضاريس تلك الجمهورية المضطربة والقلقة، فتتحاور بخوف، وتحيا بخوف، وتموت بخوف... لكنها تتغلب في النهاية على هذه العقدة، وتقتل الطاغية، وبشجاعة هذه المرة بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود.

من أهم رواياته: وقت البطلِ 1967 وحديث في الكاتدرائيةِ 1975 وحفلة التيس والبيت الأخضر ورسائل إلى روائي شاب.

من أهم مسرحياته (العمّة جوليا) و(كاتب النصوص) و (الزوّار)

وله كتاب رحلات هو: (يوميات من العراق)

1. تندمج رواية حفلة التيس ضمن تقليد رواية الدكتاتور وضمن صنف الرواية التاريخية.

2. يتشاطر تروخيو الشخصية التي تقوم بدور البطولة في هذا العمل مع بعض الادباء المتفردين الاخرين بصفات عدة منها: القسوة المفرطة، الترف والطبيعة الحيوانية البدائية والتي تجعل الكاتب يقارن نفسه واخرين قريبون منه بالحيوانات.

3. في رواية الدكتاتور يظهر الشعب كشخصية مراوغة ومتقلبة حيث كان يعتمد على بعض الابطال من اجل التحرر من الدكتاتور.

4. تتكامل الرواية بثلاث مجموعات قصصية ثانوية ممكن تميزها بوضوح وهي كالاتي: التركيز على ورانيا، التركيز على المتامرين والتركيز على السلطة.

5. ان نسبة لابأس بها من احداث الرواية استخدم فيها الاسلوب الحر الغير مباشر.

6. استخدم الكاتب طرق متنوعة للحفاظ على الحبكة الدرامية مثل: تغير العصور، القصص المتداخلة والتنوع في رؤية الكاتب.

7. يرى الكاتب ماريو باركاسيويا ان الادب ينبغي ان يؤدي وظيفة سياسية بالرغم من كونه يشكك في قدرة المجتمع على امتلاك عملا فنيا.

8. تعد رواية حفلة التيس رواية سياسية تعكس من وجهة نظر الكاتب الدكتاتورية للجيش والسلطة

9. يأخذ الاديب ماريو باركاسيوساموقف ضد تدخل الدولة في الميادين الاقتصادية والاخلاقية لذا يمكن ان نصفه بأنه شخصية متحررة بالمعنى القديم لمصطلح التحرر.

10. يعد هذا العمل بمثابة دعاية سياسية ضد الحكومات التي يعتبرها الكاتب اعداء له مثل البيرتو حاكم بيرو و فيدل كاسترو حاكم كوبا و هوكو جافيز حاكم فنزويلا.

تسعى الرواية إلى المزج بين الواقع والخيال، من خلال طرح روائي تاريخي، ويختار الكاتب البيروفي الأحداث المعاصرة ليعكس ما يدور في أذهان الشخصيات، الحقيقية والمتخيلة، لكن تجدر الاشارة هنا على أنها ترصد بعمق أحداثا واقعية بحذافيرها تتمثل في اغتيال الدكتاتور، ونجد أن هناك بعض الأحداث التي يبتدعها الروائي، وقصة حياة عائلة كابرال، هي فعليا متخيلة بالكامل، ويستخدم الروائي التاريخ من أجل أن يبني قصة متخيلة، وذلك خاصة في ما يتعلق ب«الاستعمار الروحي» لبلد بكامله على يد عائلة واحدة..

وقد أتاح تخيل الروائي لعائلة كابرال، توفر فرصة حيوية له في إظهار جانبين من جوانب حكم تروخييو، ويرتقي في هذا السياق ليبدع في رسم صورة للنظام بموازاة الأحداث التاريخية، ويؤكد على نموذج حالة فريدة في هذا الشأن: «ليس ما أكتبه تاريخاً، بل رواية، كانت الحدود الوحيدة التي فرضتها على نفسي هي أن لا أبتدع شيئاً لا يمكن أن يحدث في الدومنيكان.

وقد كانت صلت تروخيو وثيقة بأمريكا، إذ إنه ابن وفي لتعاليم المارينـز الذي تربى في أحضانه أثناء فترة إعداده العسكري، لذلك يعترف بالجميل لهذا الجيش الأمريكي، الذي علّمه معنى الشرف والجبن، وبيّن له الطريقة المثلى لمواجهة الأعداء وعدم الهرب من المعركة

قدّم لأمريكا خدمات كثيرة، ففي بداية عهده قام بمطاردة المتمردين ضد الاحتلال العسكري الأمريكي! وكانت حكومته من أشد الحصون مناهضة للشيوعية، وأكثر الدول صداقة لأمريكا، وقفت إلى جانبها في الحرب على اليابان وألمانيا، ومنحتها صوتها في الأمم المتحدة مهما كانت القضية

بالإضافة إلى هذه الخدمات (من أجل إسكات صوت الآخر الذي بإمكانها نقد استبداده) لجأ الطاغية إلى شراء ضمائر الصحفيين الأمريكيين وأعضاء الكونغرس بالمال والامتيازات والإعفاءات الضريبية، لكنهم تخلوا عنه إثر توتر العلاقة بينه وبين بلدهم، بسبب محاولة الاغتيال الفاشلة ضد الرئيس الفنـزويلي، وبدؤوا إزعاجه بالحديث عن السيادة والديمقراطية وحقوق الإنسان! لكن تراجع هذا الدعم بعد أن بدأ المذكور في الخروج عن الطاعة، لنرى ان أميركا تشارك في النهاية بدعم وتسليح المتآمرين عليه.

اورينا رات ما ال اليه النظام الدكتاتوري وما تبقى من وطنها ..وحلمها بوطن سيقبر ثقافة الاستبداد والظلم وعبادة الشخصية، ونوازع الخنوع لها، رات كل ما انتجته سياسة التميز والاستبعاد .. لتبدو كأنها مرحلة ما بعد التغير.

رواية حفلة التيس هي تحفة أدبية مذهلة صاغها يوسا من حالة إنسانية سوداوية يرتبط وجودها واستمراريتها بوجود البشرية، حالة الطغيان والاستبداد وتأليه البشر، حالة الولاء الأعمى وثقافة القطيع، (الثورة) وماتحمله من نُبل الثوّار وإرادة الشعوب المضطهدة، وماتخفيه من حسابات سياسية بغيضة تسلب رومنطيقة الثورة من أحلام البسطاء.

***

ا.م.هديل عادل كمال

 

في المثقف اليوم