أقلام ثقافية

طقوس الكتابة عند الكتاب

الكاتب هذا الإنسان الاستثنائي، المتألق الذي يعزف ألحان الحياة والجمال منفردا معانقا للكتابة سيدة المقام، مستعدا لها بطقوس خاصة تميزه عن غيره فهل هناك طقوس للكتابة عند الكتاب المبدعين؟ عندما ندرس سير الكتاب في مختلف العصور نجد لدى كل كاتب طقوس خاصة يشحن بها نفسه قبل الشروع في الكتابة فهي نوع من التحفيز الإيجابي نحو السفر الشاق في بحار المعاني والدلالات وقد تكون هذه الطقوس عملية شاقة ومتعبة و كأنها إرهاصات قبل ولادة العمل الإبداعي فنجيب محفوظ صاحب نوبل قبل أن يكتب كان يسير مسافات طويلة صباحا ولا يكتب إلا بجواره فنجان قهوة مصحوبة بعلبة السجائر مثل بلزاك و فولتير اللذين كانا يحتسيان ما بين أربعين و خمسين فنجان قهوة ومن طقوس بعض الكتاب الجلوس في المقاهي واختيار ركن منعزل والشروع في السباحة في بحار الفكر والإبداع فكان الكاتب وخبير تطوير الذات الكندي إرني زيلنسكي كتب جل كتبه داخل مقهى وحققت هذه الكتب مبيعات بالملايين مثل كتاب " اعمل أقل تكسب أكثر" الكسل سر النجاح . يكشف لنا الكاتب والروائي اللبناني " جبور دويهي" طقوسه وعاداته أثناء الكتابة فيقول في إحدى حواراته :" الواقع أني رجل عادات ومقاه، أكتب في الخارج أبعد ما أكون عن غرفة نومي يوميا دون استثناء عندما أنطلق في مشروع روائي بين العاشرة صباحا و الواحدة في مقهى يكون متوسط الضجيج، أبدأ بقلم الرصاص و أنتهي أمام لوحة مفاتيح حاسوب (أبل) وقبيل الفراغ من الكتابة أترك ذخيرة لليوم التالي أبدأ منها من جديد، لكني عموما بطيء فلا يتجاوز عدد كلماتي التي أعدها دائما المائة كلمة " . أما الروائي المصري " إبراهيم عبد المجيد " فيكتب على الضوء الأبيض ويكتب بعد منتصف الليل وحتى شروق الشمس . والكاتب المصري " محمد حسنين هيكل " صاحب " خريف الغضب" لا يكتب مقاله الأسبوعي إلا العاشرة مساء أما " أنيس منصور" صاحب المؤلفات الكثيرة فلا يكتب إلا في الساعة الرابعة صباحا بينما شاعر المرأة " نزار قباني " يكتب وهو مستلق على الأرض أو نائما ويكون في منتهى أناقته وبعض الكتاب كالعقاد وأنيس منصور لا يكتبان إلا عندما يرتديان البيجامة .

والروائي السوداني " أمير تاج السر" صاحب الروايات الكثيرة منها (زحف النمل) يقول :" لا أكتب في البيت إلا نادرا ولا أكتب في الليل كما يفعل الكثيرون وقد قمت منذ سنوات طويلة باختراع مكان خاص بالكتابة أرتاده يوميا حين أكون منغمسا في نص جديد أو حتى لكتابة مقال من تلك التي أكتبها بصفة دورية، هذا المكان هو ركن ليس هادئا تماما في فندق متوسط بمدينة الدوحة حيث أقيم وفي ذلك الركن أفتح كومبيوتري و أنغمس بسرعة في كتابتي ويمكن أن أرد على تحية عابر بقربي ولا أنفصل عن الكتابة أو أنهض و أتمشى قليلا و أعود".

وكان " فلاديمير نابوكوف" مؤلف رواية " لوليتا" كتب كل أعماله على بطاقات فهرسة واحتفظ بها في صناديق صغيرة أما الكاتب الأمريكي " إرنست همنجواي" يبين لنا طقوس وعادات الكتابة لديه فيقول: " عندما أعمل على قصة أو كتاب أبدأ كل صباح ما إن يطلع الضوء، لا أحد يقاطعك والمكتب بارد وتدفئه بالكتابة، أكتب بلا توقف، أتوقف عندما أعرف ما سيحدث لاحقا، أكتب حتى تعرف أنك مازلت تملك المزيد من عصير الكتابة، أنك مازلت تعرف ما سيحدث" . أما "جين أوستن" كانت تكتب في غرفة جلوس العائلة لا تلتفت لأحد غير آبهة بالمقاطعات. والكاتبة " سيمون دو بوفوار" قبل أن تشرع في الكتابة تشرب الشاي ثم تبدأ في الكتابة من العاشرة صباحا حتى الواحدة بعد الظهر. هذه بعض الطقوس عند الكتاب العرب وبعض الكتاب العالميين فما هي طقوس الكتابة عند الكتاب الجزائريين هذا مقال آخر سنعود إليه قريبا؟.

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية

شدري معمر علي

 

في المثقف اليوم