أقلام ثقافية

ما المقصود بقصيدة النثر؟ (4)

لم يكن بودلير الذي تأثر بأليوسيوس، هو من ابتدع هذه الدلالة : "الشعر النثري أو المنثور". الباحث ميشال ساندراس Michel Sandras يرجع استعمال هذا التعبير في أواخر القرن السابع عشر مع بداية الكلاسيكية، حيث كان الهدف منه، يقول الباحث، إعطاء شرعية للرواية التي بدأت أولى خطواتها قبل أن تزدهر مع القرن التاسع عشر. كما ارتبط هذا التعبير في القرن الثامن عشر بالحكي الملحمي وهكذا أصبح يُعتبر شعرا نثريا. فحسب بعض النقاد، تم استعمال هذا التعبير في الحديث عن المؤلفات التالية:

- les Aventures de Télémaque (1699) de Fénelon.

-Incas (1777) de Marmontel.

- Ruines (1791) de Volney.

- Martyrs (1810) de Chateaubriand.

أما بودلير فإنه أعاد استعمال هذا المصطلح ليطلقه على نصوص نثرية قصيرة، تتميز بتعابير ذاتية حداثية، من دون أن يتوغل في هذه التجربة التي توقفت مع "اسى باريس" والذي عُرف أكثر ب: "قصائد نثرية قصيرة". وإذا كان جل الباحثين ينسبون المصطلح لبودلير، فيعود ذلك لكون الشاعر استعمل هذا المصطلح ليضيف له سمة الحداثة. وهكذا أصبح الشعر النثري مرتبط بالحداثة، وهو ما أدى إلى شيوعه في نظري بين شعرائنا، خاصة وأن موضة الحداثة كانت في أوجها بعد ما لحق الثقافة العربية من سبات عظيم.

وفي الأخير، لابد من إثارة ملاحظة مهمة فيما يخص استعمال مصطلحي: الشعر النثري، والذي يقابله بالفرنسية poésie en prose، وهو موضوع اهتمامنا، فنجد في ثقافتنا العربية من يتحدث عن قصيدة النثر، أو النثيرة أو القصيدة الخنثى الخ... ، وبين النثر الشعري prose poétique، وهو مصطلح يفهم منه في الأدب الفرنسي، أن الأمر يتعلق بمقاطع فقط، تحيل على الشعر، حيث تتحلى وتتزين بالصور التي تشكل إحدى خصائصه، داخل نص نثري. هكذا تتضح ضرورة التدقيق المفاهيمي. النثر الشعري إذن، هو نثر تخترقه شعرية هنا وهناك لضرورة أسلوبية، كما قد تخترقه خصائص أجناس أخرى، وهو ما جعل النقاد يتحدثون عن تقاطع الأجناس في الجنس الواحد. أما بالنسبة للمفهوم الأول، "الشعر النثري"، فكُتاب هذا "الجنس" أو هذا الفرع من جنس الشعر، إذا صح التعبير، يعتبرونه شعرا وليس نثرا، إلا انه لا يحترم قواعد الشعر العروضية، وهو ما يجد معارضة قوية من قبل الشعراء الذين لا يتصورون شعرا بدون قواعد. لهذا حينما تأثر الشاعر بودلير، بأليوسيوس، وربما أيضا بموريس دو كيران، اللذان سبقت الإشارة إليهما، كتب ديوانه وعنونه ب petits poèmes en prose، والذي لم ينشر إلا بعد وفاته (ما قد يفهم من ذلك، ربما عدم اقتناعه بهذه التجربة، وإلا لكان نشره قيد حياته كما نشر" أزهار الألم"، حتى ولو أن بعض النقاد يجعلون بودلير ميالا إلى هذا "الجنس")، ولم يقل : prose poétique، لآن المصطلح كان مستعملا من قبل النقاد في دراستهم للنصوص النثرية.

***

محمد العرجوني

في المثقف اليوم