أقلام ثقافية

عزلة الكاتب وطاقة الإبداع

كثيرا ما يسأل الكاتب عن سبب عزلته وابتعاده عن المجتمع، ويكيل له بعض الناس التهم بأنه شخص متكبر، يعاني من أمراض نفسية وهذا الانعزال والهروب هو دليل قاطع على الاكتئاب والتشاؤم. والحقيقة أن العزلة بالنسبة للكاتب أمر طبيعي فرضته عليه سنوات التفرغ للقراءة التأمل والكتابة فلولا هذه العزلة الإجبارية والاختيارية في نفس الوقت لما قرأنا هذه الأعمال الإبداعية العظيمة التي تفتخر بها الإتسانية فلنترك الكاتب مع همومه الثقافية وانشغالاته الإبداعية ولنوفر الجو الفكري المناسب من سكن واسع وحقوق مادية وتحفيزات تجعله يواصل حرفة الكتابة والاحتراق ومع هذه العزلة يحتاج الكاتب إلى بعض الأحيان أن يطل على قارئه فيشاركه بعض النشاطات الثقافية من ندوات وأمسيات ادبية وحضور بعض اللقاءات الإعلامية فهذا التواصل مهم للكاتب حتى لا يتهم بأنه يعيش على الدوام في يرجه العاجي وللمثقفين آراء وانطباعات حول عزلة الكاتب ..

يقول الكاتب المغربي  "العلوي رشيد ": " العزلة متنفس وحيد لخيال الكاتب الرحب والفسيح: ففيها يطلق عنان الحرف لإعادة تشكيل الوجوه والقوام والألوان.

عزلة الكاتب اختيار يعاش وليس من نوع الاختيار الحر، لأن شروطا واكراهات عدة تدفعه إلى الاعتزال: لا أقصد الخلوة، وإنما العزلة التي ليست هي وحدة أو أن تكون وحيداً، لأنه يستحيل أن تكون وحيداً، أنت دوماً مع: "أشخاص، أشياء، كائنات، أشباح، تخيلات، هلوسات، أو على الأقل مع سيجارتك تحاور المجهول في صمت.

تمنحك العزلة الصمت والهدوء، وحتى الحنين إلى الصخب والضجر هو من العزلة"

يقول الشاعرُ المكسيكي أوكتافيو باث في كتابِه "متاهة العزلة": "إن احساسنا بالحياة يعبر عنه كانفصال وقطيعة، كتيه وسقوط في بيئة معادية وغريبة، وبقدر ما ننمو، بقدر ما يتحول هذا الإحساس البدائي إلى شعور بالعزلة، وبعد ذلك إلى وعي، فنحن محكومون أيضاً بتجاوز عزلتنا، واستعادة الصلات التي كانت تربطُنا بالحياةِ في ماضٍ فردوسي. فالعزلةُ هي المكانُ الذي من خلاله يحققُ الفردُ وجودَه كإنسان وحيد في هذا العالم، فهل الكتابة هي ذاك الوجود وتلك العزلة التي من أجلها يبحث الكاتب عن ذاته، وعن تفرده في العالم؟".

نعم نستطيع أن نجيب عن تساؤل الكاتب " فهل الكتابة هي ذاك الوجود وتلك العزلة التي من أجلها يبحث الكاتب عن ذاته وعن تفرده في العالم؟ " فمن خلال هذه العزلة يحقق المبدع تفرده وتميزه ويستيطع أن يحلق بعيدا في عوالم الكتابة المتألقة العابرة للقارات فيحقق ذاته من خلال هذا الهروب الفلسفي الذي بسببه ينال كثيرا من التهم الباطلة لأن أصحابها لم يغوصوا في نفسيته ...

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية:

شدري معمر علي

 

في المثقف اليوم