أقلام ثقافية

هايكوات.. أَمْ ومضات وخواطر صغيرة؟

{"حرفيَّاً " بقدمٍ

راسخةٍ في الأرض تقفُ

الفزاعةُ}

* هامش في المتن:

في الحقيقة لقد تعمّدتُ عدم ذكر اسم كاتب هذه الخاطرة الصغيرة او الومضة العادية، وذلك للابتعاد عن سوء الفهم وإلتباس القصد، وتلافياً لإحراج كاتبها، وذلك لانني أَريد الحديث والكتابة عن ظاهرة عدم المعرفة الحقيقية وسوء فهم شعر الهايكو، وكذلك وجود حالات من التهريج والجهل والادعاءات الفارغة والتنطّع والهرطقات الساذجة والمضحكة التي اخذت تحدث وتسود في الاوساط الثقافية في معظم البلدان العربية، وخاصة البلدان التي تتضمّن مجاميع من الشعراء و" الهايكستيين و" الهايجن" المهتمين بالكتابة الهايكوية الآخذة بالانتشار بشكل واسع ولافت للانتباه في الحياة الثقافية العربية .

وها انا أعود لأتساءل، هل أَنّ الخاطرة الصغيرة؟ او "الومضة" اعلاه، هي هايكو؟ او ان لها أَيّة علاقة بشعر وفن الهايكو؟.

بكل صراحة: انا اعتقد انها ليست "هايكو" على الاطلاق، وهذا للاسباب التالية:

أولاً: انها تتكون من جملة واحدة: وبالطبع من الضروري جداً حذف مفردة (حرفيَّاً) حتّى تستقيم الجملة الى حدٍّ ما وتكون:

{بقدمٍ راسخةٍ في الأرض تقفُ الفزاعة}

ومن ثم يبرز سؤال آخر اعتقده مهماً هنا، وهو: ماهي علاقة كلمة {حرفياً} بهذه الجملة سواءً كانت خاطرة او ومضة او هايكو؟

وأُريد القول، أَولاً: ان الهايكو ينبغي أن يتألّف من مقطعين او ثلاثة مقاطع، والعلاقة بين المقاطع هي التي تخلق الهايكو وتمنحه الدلالات الحسّية والتصويرية والمشهدية .

ثانياً: لقد اعتمد كاتب هذه الخاطرة او الومضة على الأنسنة، عندما قال:

{بقدمٍ راسخةٍ في الأرض تقفُ الفزاعة}

في حين ان الهايكو لا يُوّظف المُحسّنات البلاغيّة: حيث لا استعارة، ولا تشبيه، ولا أنسنة .

وكذلك فان الهايكو ينقل لنا صورة من الطبيعة بكلمات بسيطة دونما زخرفات لغويّة .

ثالثاً: ان الهايكو يقبض على لحظة ما ذات مغزى وتُحْدِثً لدى الشاعر ومن ثمّ المتلقي، لحظة كشف وإضاءة .

فأين هي لحظة الكشف والإضاءة في مثل هذه الومضة المُفبركة؟!

نعم ... نحنُ نقرأ بعض الجمل الشعريّة الجميلة، لكنّها لا تُحدِث فينا اية انفعالات ومشاعر وردود افعال وبروق من الدهشة والسحر والانخطاف. كما في هذه الومضة العادية جداً:

{في الصالة

زهرة متفتحة

منذ اربعة اعوام !}

رابعاً: بلا شك ان ترتيب الجملة الشعريّة بناء على سطر طويل/ قصير/ طويل، فإنَّه ليس اكثر من تشبّث بالشكل الخارجي. وفي الحقيقة إن الهايكو وجوهره وفلسفته ومشهديته وتصويريته وجمالياته ليس بشكله الخارجي ابداً .

* متن في الهامش:

لا يُخفى علينا كشعراء ومهتمين ومشتغلين في هذا العلم والفن الشعري ان مضمون الهايكو بلا شك هو أهم من شكله، والدليل أن هنالك العديد من الشعراء في مُختلف انحاء العالم كانوا قد كتبوا الهايكو على سطر واحد أو اثنين، ومنهم من نجح في كتابة هايكو حقيقي وأصيل، ومنهم مَنْ فشل فشلاً كبيراً ومُضحكاً، إذاً فالتمسّك بالشكل الخارجي لا يكفي مهما حاول البعض من المُتشاعرين، بفبركة خواطر صغيرة او ومضات مرتبكة او شذرات مُلتسبة وبلا ايّة جدوى في عالم الهايكو والابداع والجمال. كما في هذا النص المُرتبك والخالي من العمق والدلالة والرؤية الهايكوية:

{بلاطةُ المحطةِ؛

دون توقيع أقدامكِ

احتفي بالرحيل}

* اشارة:

ستكون لي قراءات وطرروحات وأفكار ورؤى ومناقشات وملاحظات حول العديد من الظواهر الهايكوية الموجودة في الاوساط الثقافية العربية، والنصوص التي تُنشر في الصحف والمجلات الورقية والالكترونية. حيث انني اتابع باهتمام وعناية وأقرأ معظم نصوص كتّاب الهايكو في العالمين العربي والدولي ...

والقادم أَجمل، ولكنَّهُ سيكون أًصعب جداً ... جداً .

***

سعد جاسم

في المثقف اليوم