أقلام ثقافية

حارتنا في الزمن الجميل؟

في ذلك الشارع الضيق الصغير الترابي كانت حارتنا بأزقتها الضيقة لها طابعها الجميل المتميز عن باقي شوارع القرية. فكل أصحاب المهن في شارعنا. من أول منزل العمدة القديم. وسكرتير الجمعية وشيخ الخفراء. فمنزل العمدة القديم. الذي تخرج منة الطبيب والمستشار والضابط والمحضر والطبيبة. ومهندس الزراعة والمحاسب. الي أقل المهن. فكانت الحارة تحتوي علي مهن قليلة لن تجدها في قري كثيرة. كانت لدينا اقدم فرقة موسيقية تقوم بأحياء معظم الأفراح في المركز. والدائرة. وكان لها سمعتها الكبيرة. فأطلقوا علي الحارة أسم حارة الطبالة. وكان يوجد بها الفلاح. وراعي الأغنام والنجار. والحداد. والجزار. والحلاق. والبيطري. والجمال، والخياط والمنجد والمسحراتي. والقباني والسعاتي والإسكافي والحصري والمؤذن. والصياد والكهربائي. والشيخ القاريء. والبقال. ومبيض النحاس. والحانوتي. ومقاول الانفار. والرحاية. والداية وكانت تقوم بدور الكوافيرة في العصر الحديث.

وكانت قريتنا لها شهرة في تربية طيور الأوز. في كل بيت يخرج صباحاً ويعود في المساء من علي شاطئ البحر في سيمفونية رائعة لا يستطيع فنان رسم وعزف العودة الكل يعرف بيتة. المولد هو كرنفال القرية في شهر يوليو. وكانت لدينا أزقة بها ثلاث اسماء مميزة. السلطان والأمير. والضابط.

 كان الضوء الوحيد ينبعث ليلاً في قريتنا من محلات البقالة. وكانت هناك بقالة عمنا ابوعوض، وكان هو المكان الوحيد في قريتنا بالنسبة لسكان المنطقة على الأقل الذي تستطيع أن تشتري منه بعد العاشرة مساءً

إنه مكان دافئ آمن يشبه الفنار للسفن الضالة، هناك سوف تقترب لتجده جالساً وسط المحل بين البضائع موقد الموقدة بدفئتها الجميلة وصوته العذب فى ليالى الشتاء.. والبطانية على كتفيه وصوت (أم كلثوم) ينبعث من ذلك المذياع العتیق المربوط بالحبال.

سوف تقف عنده متلذذاً بذلك الشعور: ظهرك يرتجف من الصقيع ووجهك ينعم بالدفء، شعور يبعث فيك القشعريرة مع رغبة عارمة في أن تدخل لتنام بالداخل، لكن هذا مستحيل لأن المحل ضيق جداً، وقد رتب هو كلّ شيء بحيث لا يضطر إلى النهوض أبداً.

أعترف أنني كنت أهيم حباً بهذا الدكان الصغير وهذا الرجل.

فما أجمل أيامك أيتها الطفولة البريئة قبل أن تتلوث بالصراع المادي في زمن رديء والأردء منة المناخ الذي اناخا كل قافلة؟

***

محمد سعد عبد اللطيف كاتب مصري

وباحث في الجغرافيا السياسية

 

في المثقف اليوم