أقلام ثقافية

الشاعر الروسي المعروف سيرغي يسينين وموقفه من العدوان

إعداد وترجمة: د. إسماعيل مكارم

سيرغي يسينين ابن الريف الروسي، هذا الريف الواسع الجميل، حيث الطبيعة والخضرة والماء، ذلك الريف الذي صوره يسينين أجمل تصوير انعكس في قصائده وأشعاره في أوائل القرن العشرين.

غير أن ما لفت نظري هو كلام الشاب يسينين في السياسة، حيث وقف مع الشعب البلجيكي ضد جيوش المانيا الغازية.

لقد احتفل العالم وبالخصوص أوروبا عام 2014 بمرور 100 عام على بداية الحرب العالمية الأولى. هذا هو السفير البريطاني في القاهرة قد احتفل بمناسبة ذكرى الحرب، وفي بلجيكا في الرابع من شهر آب فعالية احياء ذكرى الحرب العالمية الأولى Liege عام 2014 أقيمت بمدينة

حضرها قادة وزعماء رسميون من 17 دولة. في الرابع من آب عام 1914 اجتاحت الجيوش الألمانية دولة بلجيكا، التي كانت تقف موقف الحياد تجاه النزاعات الأوروبية، غير أن هذا الموقف لم يعجب المانيا. ورغم الغلبة في العدد والعتاد قاوم جنود وأبناء بلجيكا جيوش ألمانيا المعتدية بكل بسالة، ولكن الألمان استطاعوا اجتياحها، وأقاموا المذابح والحرائق في مدنها وقراها. الملفت للنظر أنه كان من بين زوار تلك المدينة البلجيكية الرئيس الفرنسي الأسبق أولاند الذي قام بتقليد هذه المدينة وسام الحرية !

هذا الزعيم الأوروبي، الذي باركت بلاده العدوان على ليبيا ثم على سورية، وقامت بلاده بتغطية إعلامية ودبلوماسية لنشاط قوى الارهاب، وقدمت الدعم لتلك القوى الظلامية حتى في أروقة الأمم المتحدة،  وشاركت في المؤتمرات والندوات ضد الجمهورية العربية السورية - الدولة ذات السيادة، وساعدت بتقديم كل ما يلزم لقطعان الارهاب القادمة من كل بقاع الأرض الى سورية ومن ثم الى العراق..

ها هو مسيو أولاند يشارك بتخليد روح المقاومة لدى الشعب البلجيكي في وجه الغازي الألماني!!

في أيام الإحتفال بمرور100 عام على الحرب العالمية الأولى دون أدنى شك قد انبري قادة العالم الغربي ليتبجحوا بتمجيد الحرية، وأعلنوا أن قيمهم ,أي قيم العالم الغربي تقف دون أدنى شك الى جانب العدالة والحرية، و أن هذه القيم لديهم تمجد روح المقاومة !!! وفي ذات الوقت والزمن ما أخروا يوما جهدا في إرسال مدمراتهم وطائراتهم لضرب المدن السورية، كما أرسلوها الى العراق لنفس الغرض، ومثلما حصل في الأربعينيات، حيث أرسلت طائراتهم لضرب المدن اليابانية بالقنابل النووية، مستعملين سلاح الدمار الشامل.

الى متى ستعيش أوروبا خاصة والغرب عامة في ذهنية ازدواجية المعايير. فرنسا التي حاربت الارهاب في أفريقيا ساندته في سورية. فرنسا التي ادعت انها ضد داعش في العراق , رأيناها كيف وقفت مع قوى الارهاب في سورية. حقا هذه هي أوروبا ليس اليوم فقط بل منذ زمن القائد الفينيقي المشهور هاني بال،  ومنذ زمن زنوبيا ملكة تدمر، ومنذ زمن محمد علي الكبير، الذي وحد مصر وسورية وقد وصلت دولته إلى الأناضول، وكان أن رفضت أوروبا حينذاك نشوء دولة قوية في المشرق.

نعود الى الحرب العالمية الأولى.

في ذلك الزمن، عام 1914 وصلت أخبار الدمار والحرائق في بلجيكا الى روسيا. وسمع الناس عن شجاعة الشعب البلجيكي في المقاومة رغم رجاحة الموقف في العدد والعتاد لصالح المعتدي. وقد كتب آنذاك الشاعر الشاب يسينين واصفا ذلك الاجتياح.أما اليوم نرى كيف تقف بلجيكا وغيرها موقف الخادم لأمريكا.

إليكم هذه القصيدة التي تصف موقف الشعب البلجيكي وشجاعة أبنائه.

Сергей Есенин

Бельгия

"بلجيكا"

تقفين مَكسورةَ َ الجناحْ،

لكنك لن تكوني في عِداد العَبيدْ،

دُنسَتْ أماكِنك ِ المُقدسهْ،

إلا أن الروحَ بقيت صافية ً بيضاءْ.

ها هو عدوكِ يقيم الولائم خلف دخان الحرائقْ

هذا هوالشيطانُ – عَدوكِ الغادر،

لقد تكسّرتِ الرّماح ُ تحتَ ضَرَباتِه القاسِيهْ.

نعم لقد تحَطمتِ يا بلجيكا الشجاعَهْ.

غير أن روحَكِ القوية، الحرة

روح أبنائك البواسِل... لم تمتْ بعدْ،

ها هي كالنسر تطوفُ خلفَ الغمامْ

وتزورُ مدافنَ أبنائك الأبرارْ .

أجل.. إنّ نصرَ الحَقِ قادم لا محالة :

وعدوكِ الغاشم سوف يَركعُ أمامَ قدمَيكِ

ويُصلي أمامَ مِحرابِكِ  نادما عمّا فعلْ،

ذلك المِحرابُ الذي قد دَمّره بكلتا يَديهْ.

1914م

***

......................

هوامش ومراجع:

ملاحظة: أرسلت من قبلي هذه المادة عام 2014 إلى إحدى الصحف المشرقية ذات المنحى التقدمي، لكنها لم تر النور .

ترجمت القصيدة من النص الروسي الأصلي.

Сергей Есенин. Собрание сочинений в двух томах. Москва. «Советская Россия». Том II. 1990 г.

في المثقف اليوم